مغترب... فى رحلة عكسية..!! منتصر نابلسى [email protected] رغم ان الاغتراب يصبح عند البعض كالافيون ، فيدمنه ادمانا...وهو حال البعض داوينى بالتى كانت هى الداء ،هروبا من قسوة الواقع فى وطن متفكك متشتت... وقد يجر الزمن البعض فى رحلة قاسية اجبارية الملامح... يتلظى منها وبها ومعها، معظم من عصفت بهم السنة لهيبها ،وتذوق مرارة علقمها واتون نارها ... فتبقى امانيه معلقة الى اجل غير مسمى ،وتمضى سنوات العمر هدرا ...فى رحلة بدون عودة ، تغتصب من المغترب ايام عمره الغالية فلا هو من تنعم وابتهج فى وطنه المسحوق بالقهر.. ولا هو بلغ الحد الادنى من انسجام فى دنيا مبدأها الاول والاخير المادة... وتسيطر عليها روح ...المصلحة ...لا غير...... شاء ام ابى مضت سنوات من اغتراب العم محمود ،وهو يحسب الايام المتناثرة من ايامه عبر قطار الزمن المتسارع، الذى لا يعرف غير الانطلاق ...الشيخوخة تدب فى اوصاله وتتمدد فى هيكله المتهالك، تاركة تضاريسها فى هيئته بعد ان سحبت منه الغربة ماء النشاط وفتوة الشباب، وقد تخطى من العمر السبعين سنة ....وما زال يكدح ....ويتفانى فى عمله فى ديرة الغربة ... فالطابور مازال طويلا.... من الابناء وابناء الاخ الذين توفى والدهم وتركهم امانة فى عنقه الهزيل... وجسده الكليل.. الذى هده المرض وزاحمته الشيخوخة ... والوطن فى شده وجذبه...و لا تظهر فى افقه البعيد نجوم سعد منسية.. او رحيق من فال حسن يثلج الصدر...اويخفف ويلات الاحزان الكامنة والمزمنة ...التى اضحت تكمل الشخصبة السودانية اينما حلت وحيثما كانت.... ورغم ان العم محمود ارهقته الغربة وانهكته الوحدة التى كانت تصحبه وهى يتمنى ان يلتئم مع اسرته ...ويحتضن ابناء فارقهم منذ سنواتطويلة.. فمتى يجالس اصدقائه متى تشرق عليه شمس الوطن ...وهو يجالس ظلال الالفة والمحبة والوئام .. متى ينام وحوله الاحباب متى يستيقظ على اصوات الاصحاب... متى ينسى قسوة الاغتراب وجذوة النار الملتهبة فى صدره المتعب... متى ؟؟ بعد مرور خمسة سنوات طوال قرر العم محمود العودة الى الوطن ، وليكن ما يكون... اكمل الاجراءات ،وحزم امره فى ذهاب الى الوطن الغالى الذى وحشه ترابه وناداهو حنينه ... عاد العم محمود الى السودان محملا باشجان الغربة المرة.. واشواق الوطن... عاد ونفسه مترعة بالامنيات... عاد وقلبه يخفق الى عودة لا رجوع بعدها ...الى جراح التغرب... والم الاغتراب احتضن العم محمود الاحباب ونثر عبير المودة بينهم .. فوجد فى انتظاره كل الوان الترحاب لم تمضى شهور من عودة العم محمود الى الوطن، حتى بدأت تظهر الحقائق، الجلية المرعبة امامه ... وجد العم محمود الوطن قد انحدرت فيه كل المصداقية وتطاول فيه الغلاء الى درجة لم يكن يحسب لها حسابها، اصبح السوق غول مهلك ، عرف ان للفوضى حدود ولكن عم محمود وجد فوضى الوطن ...لا حدود لها حتى المجتمع ليس هو ذاك المجتمع الذى طالما اشتاق له.... سال نفسه هل هذا هو الوطن ام مكان اخر.. ضاق الحال على العم محمود، وهو يحاول ان يطعم طابور بشرى طويل... من مصدر دخل قليل فى زمن اصبح فى الوطن الطالح هو الصالح .... تضاربت الحقائق واهتزت المبادىء وتغيرت الموازين ... لم يعد العم محمود يستطيع ان يطعم من يعول ,,,, دخل فى دوامة من الديون ضاق الحال عليه ... لم يدرى ماذا يفعل ماهو الحل؟؟ والايام التى تمر عليه لاتأتى بالفرج ...فالمغترب مظلوم فى الغربة ومهدرة حقوقه فى الوطن.... سأل عم محمود زوجته ... ما العمل يا ام العيال ؟؟؟ البلد دى مالا حالا بقى مايل كدا ؟؟ .... ولم تمضى شهور اخرى... على العم محمود حتى عاد غافلا الى ارض الغربة اجبارا مرة اخرى ومعه اكثر من سبعين سنة من العمر ... بكى العم محمود وتساقطت دموع الشيخ الكبير وهو يودع بلده... بكى العم محمود على وطنه... الذى لم يسمح له ان يقضى بقية من عمره يسعد فيه به... وايضا ولم يرحم شيخوخته وضعفه,,, بكى العم محمود خوفا من المجهول القاسى الذى ينتظره هناك ....فى بلاد.... الاغتراب....