.. [email protected] ليس ما أقوله من قبيل الحنين للماضي الذي لن يعود ، وانما هو استجلاء لحقائق كانت ماثلة في عالم الشهادة فانحبست خلف ضباب الماضي تتراقص من بين غلالات الدمعات الحرى ، وهي ليست فيلما بالأبيض والأسود تم انتاجه وتصويره من براحات الخيال الواسع، فنام في أرشيف المكتبات وكفى ! فلو أننا عضضنا على تلك الانجازات التي أصبحت ذكريات أليمة كالغصة في الحلق، وطورناها ولو في الحد الأدنى لما تردت الأمور عندنا بهذا القدر الذي يعتبر انتكاسة من الصعب النهوض عنها في المنظور القريب وفقا لهذا التطور العكسي المشين الذي يضرب كثيرا من جوانب الحياة في بلد كان اسمة السودان القديم ، ولطالما حج اليه المرضى من بلاد الخليج قديما وكانت أو ل عملية زراعة للكلى ربما في المنطقة كلها قد تمت في ستينيات القرن الماضي لمواطن سعودي على يد البروفيسور الراحل عمر بليل ويا لسخرية القدر وفي ..! ( مستشفى الخرطوم الحكومي ) وقبل أن تدلف الينا الحضارة من باب مشروع حكم الانقاذ التي أنقذتنا من ذلك العبء فطردت سياساتها التي تركز على توفير الأمن لنا جلّ وأكبر كواردنا الطبية المختصة في ذلك الضرب العلمي النادر أمثال الدكتور كمال ابوسن والدكتور عمر عبود وجعلت منهم أعلاما يشار اليها بالمباضع في مستشفيات الانجليز وقطر التي يذهب اليها رئيس دولة المشروع للعلاج ويستكمله في ذات السعودية التي كانت تستنجد بنا في غابر الزمان القريب ولا زال خيرة ابنائنا وبناتنا يعملون بها في شتى المجالات بسخاء وكفاءة واخلاص، بعد أن أصبحت سياسات حكومتنا الرشيدة رياحا طاردة لهم لا سيما الأطباء والمرضى على حد سواء، في حين أن مدير سوق الأوراق المالية عندنا والمحسوب على النظام دون شك ، يتقاضي راتبا شهريا يحسب بالمليارات ولعل بدل اللبس الذي يصرف له سنويا فقط كما نشر يكفي لتغطية توظيف سبعين شابا وشابة أو يزيد من الأطباء العطالى في ذروة أزمتنا الاقتصادية التي أصبح فيها جنيهنا أرخص من .. ( ورق التواليت ) فحق له أن يباع في تلك السوق بدلا من عملتنا التعيسة! الاردن دولة أصغر بل وأفقر من السودان بكثير ، لكنها تركز على استثمار العلم من خلال انصاف وتطوير مقدرات العنصر البشري ، لذا نجد فيها أن الكوادر الوطنية الطبية لأنها مقدّرة بحيث لا تضطر للهجرة الا فيما ندر، بينما الاستثمار في مجال صحة البشر عندنا بات مجرد لكوندات أنيقة الغرض منها شفط جيوب المرضى المقتدرين أثناء قضاء فترات التمهيد للسفر أو مراحل النقاهة بعد العودة ان هم كتبت لهم العودة خارج التوابيت، دون أن تتوفر في تلك المستوصفات البيئة الحقيقية للمعالجة أو تفرّغ الأطباء الكبار المتخصصين على قلتهم وقد أصبحوا يعملون فيها بنظام الساعات ، مشتتين كل في عدد منها وهم المشبوحون أيضا في التدريس بالجامعات يركضون هنا وهناك كالباعة المتجولين ! ولا أظن ان مرضانا وطبعا المستطيعين منهم على تكاليف السفر يهربون من استشفاء السودان على وفرته الفاخرة طلبا لآحدى الحسنيين في عمّان من قبيل أن من مات غريبا.. كتبت له الشهادة ! وقيادتنا المؤمنة التي تملك صكوك تلك الشهادة حصريا ، فهي تدّخر من فائض ميزانية أمنها ودفاعها فقط ! ( عشرون بالمائة ) للصحة و التعليم وهي التي كانت تسحب من كلياته جحافل الطلاب لينالوا تلك الصكوك ، لان الجنة المضمونة في نظرها عبر محارق الحروب هي أفضل لهم من التخرج في الدنيا للعمل من أجل الوطن وأهله الغلابة ، كمهندسين وأطباء وأستاذة جامعات ، فكل ذلك في رأيها الشرعي ملحوق بعد تحرير وطننا ومواطنينا من بقايا علمانيته وقد ورثها من عهود التخلف التي كان يتوافد اليها مرضى الخليج والسعودية زرافات ووحدانا للعلاج عندنا ، فاصبحنا بفضل الرؤية الثاقبة لأهل خلافة مشروع حضارتنا نفّضّل التسكع عطالى في تلك البلاد على العودة الى بلادنا، ويختار مرضانا الموت في مراكز بحوث عمّان ، عن الاستشفاء في محابس مكوس السودان التي تسمى مجازا بالمستشفيات الخاصة ، أما الحكومية منها فالعزاء في مكتب وزيرها المناضل السيد بحرادريس ابوقردة التائب الى جنة الانقاذ من نار الشتات الدارفورى عبر بوابة الجنائية وقد ضحى مشكورا بقضيته الاقليمية ، ثمنا لوطنيته الاتحادية ، ليحمل العبء مع مقاول التجارة في الطب رسميا وشعبيا وزير الوالي الفريد البروفيسور مامون حميدة ، فنقول لهم جميعا .. ( ازاى الصحة يا بشوات ) ونحن نزف آخر شهداء الغربة الفنان الشاب محمود عبد العزيز ، تقبله الله في واسع رحمته وغفرانه وجناته. ولا نظن مع استمرار هذا الحال سيكون آخر الأحزان التي تنسكب علينا سحاباتها جوا من عماّن !