د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة اكتوبر كانت السبب فى انقلاب 19 يوليو الذى راح ضحيته الحزب - الحلقة (7)
نشر في الراكوبة يوم 19 - 01 - 2013


-
وعدت فى الحلقة السابقة أن أعود لموقف الحزب الشيوعى من سكرتيره الشهيد عبدالخالق محجوب والذى شابه الكثير من الضبابية التى أثارت الكثير من الشكوك كأن الحزب لم يصدق نفى سكرتيره التورط فى انقلاب 19 يوليو بالرغم من انه نفى صلته بالانقلاب امام المحكمة وهو يواجه الاعدام بكل شجاعة كما وانه سبق وأدلى بنفس النفى عند لقائه بعض قادة الحزب عقب الانقلاب عندما عاتبوه على عدم ابلاغهم حتى يعدوا الشارع للتفاعل مع الحدث بدلاً من الارتباك الذى ساد أوساطهم كما إنه وحسب ما أفادنى به مسئول حزبى بمديرية الخرطوم إن سكرتير الحزب افادهم انه لم يتم ابلاغه بالانقلاب إلا ظهر ذلك اليوم نفسه بواسطة هاشم العطا وانه طلب منه عدم القيام بأى خطوة كهذه إلا انه رد عليه بأنه نفسه لم يكن يعرف ولما علم من ابوشيبة حاول اثناء ابوشيبة عن هذا التحرك إلا انه رفض وقال له فات الاوان وليس بالإمكان فعل شيء لان القوى المشاركة في الانقلاب تلقت تعليمات التحرك ولم يعد بالإمكان التراجع عنه الأمر الذى يعنى انه وضع امام الأمر الواقع.
ولكن وقبل الخوض فى تفاصيل هذا الأمر لا بد من وقفة تاريخية مع واحد من اهم الاحداث التى كانت البذرة التى زرعت الفتنة فى واحد من اقوى الاحزاب العقائدية فى العالم العربي فلقد كانت ثورة اكتوبر الشرارة التى اشعلت النار فى الحزب الشيوعى والتى وضعت الأساس لتمزقه حتى جاءت خاتمته انقلاب 19 يوليو 1971 وقد يستعجب البعض للربط ما بين اكتوبر وانقلاب 19 يوليو ولكن تبقى الحقيقة ان ما حدث فى 19 يوليو كان نتاجاً للأزمة التى فجرتها ثورة اكتوبر فى الحزب الشيوعى.
صدق من قال ان الثورات تأكل بنيها لان الثورات متى انتهت بسلطة فان السلطة فتنة اول ما تأكل صانعيها وبنيها وهذا ما اثبته تاريخ كل الثورات حيث لم تسلم منه اى ثورة وقد كان الحزب الشيوعى أول ضحايا ثورة اكتوبر.
فالحزب الشيوعى رغم صغره حجما من حيث العضوية إلا ان كان الاكبر حجما وتأثيراً فى الساحة السياسية لقدرته يومها فى تحريك الالة الجماهيرية وذلك عبر كادره الجماهيرى وهو مصطلح يفرق بينه وبين الكادر السياسى من المحترفين والناشطين تحت الارض وهم الاقوى اثرا فى الحزب إلا ان الكادر الجماهيرى المعلن عنه ومعروف لدى الاوساط السياسية والجماهيرية فهو الية العمل العلنى فى الحزب لأنه يمثل الحزب فى العمل العام وذلك عبر هيمنته على منظمات العمل النقابى والمزارعين والمدنى والطلابى والنسائى وكل هذه منظمات ديمقراطية لا تقتصر عضويتها على الشيوعيين ولكن الكوادر الشيوعية فيها هى التى تنفذ سياسة الحزب برضاء قواعدها مما اضفى على هذه الكوادر مكانة جماهيرية تميزهم عن الكادر السياسى السرى الذى لم يكن يعرف فى الاوساط الجماهيرية بالرغم من ان الاخير هو القابض على مفاصل الحزب رغما عن انه خارج الصورة فالشعب كان يعرف من قادة الحزب شيخ الامين رئيس اتحاد المزارعين والشهيد الشفيع احمد الشيخ والحاج عبالرحمن، وعبدالرحمن عباس من اتحاد العمال واحمد سليمان وفاروق ابوعيسى من المحامين وقيادات الاتحاد النسائى على سبيل المثال لا الحصر ولم يكن هناك من يعرف التيجاني الطيب وسليمان حامد وصلاح مازرى وغيرهم رحم الله من رحل منهم وانعم بالصحة والعافية وأطال عمر من بقى منهم على قيد الحياة
ولان دور الحزب كان الأكبر فى ثورة اكتوبر كان عبر هذا الكادر الجماهيري القيادات النقابية والمهنية والطلاب والمزارعين وأساتذة الجامعات فلقد آلت السلطة فى اكتوبر لجبهة الهيئات والتى تتكون من المنظمات التى قادت الاضراب السياسى والعصيان المدنى والتى ضمت فى تكوينها غالبية الكوادر الجماهيرية من الحزب الشيوعى حتى ان كل ما تمخض عن هذه الحكومة حسب على الحزب الشيوعى ولكن يومها تفجرت اول بوادر الانقسام عندما شكلت الكوادر الجماهيرية القابضة على السلطة قوة مستقلة عن الحزب وكانت ترفض الانصياع له بحجة انهم يمثلون منظمات جماهيرية وليس الحزب مما حال دون أن تكون للحزب كلمة فى السلطة مع انه يتحمل مسئوليتها لتولى كوادره قيادة السلطة لهذا كان من الطبيعى ان تنتهى حكومة اكتوبر بشرخ كبير فى الحزب بين كادره الجماهيرى من المشاركين فى السلطة وكوادره السياسية من المحترفين تحت الارض كما كان يطلق عليهم وهم الاقوى على مستوى الحزب لتنمو بذرة الانقسام فى داخله حيث اتقسم لجناحين متنافرين تشكلت أغلبية واحدة منهما بالكادر الجماهيرى الذى اخفق فى ادارة السلطة وبقى الكادر السياسى فى الجانب الاخر من الانقسام وقد اعلن هذا الانقسام يومها عن نفسه بحدة فى اللجنة المركزية للحزب ولم يعد من طريق إلا أن ينعقد المؤتمر العام للحزب للفصل بين الفصيلين بعد ان لم يعد الحزب يقبل وجودهما معا فى منظومته .
ولسوء حظ الحزب ولسوء حظ انقلاب مايو ان الانقلاب سبق المؤتمر العام للحزب ببضعة اشهر قليلة حيث كان الاعداد له يجرى لانعقاده قبل الربع الاخير من عام 69.وجاء الانقلاب ليحول دون عقد المؤتمر فى موعده لتصاعد الاحداث ولان الانقسام نفسه اخذ شكلا حادا بعد تفجر الصراع بين الجناحين حول مايو
سبق هذا الامر موقف لابد من وقفة فيه فلقد عبر الانقسام عن نفسه فى تباين موقف الجناحين من الانقلاب عنما تمت مشورة الحزب فيه حيث بارك جناح الكوادر الجماهيرية والذى سبق له المشاركة فى حكومة اكتوبر فما كان منه الا ان يبارك الانقلاب بينما رفضه الكادر السياسى بقيادة الشهيد عبالخالق لهذا ولما نجح الانقلاب كان جناح الكوادر الجماهيرية هو الحليف والأقرب لثورة مايو ومحل ثقة الانقلابيين خاصة لوجود مولانا بابكر عوض الله الأقرب لهذا الجناح لكونه أكثر احتكاكاً به جماهيريا خاصة فى اكتوبر فجاء تكوين حكومة مايو تعبيرا عن هذا التحالف بالرغم من ان قادة مايو لم يكونوا يومها على علم بهويه الانقسام وحدته فكانت ردة فعل هذا الامر البذرة التى زرعت الفتنة بين الانقلاب وبين الحزب الذى عرف فيما بعد بمجموعة عبد الخالق وكاتب هذه الحلقات واحد من هذه المجموعة حيث تمثلت ردة فعله فى:
1- بعد أن أصدر الحزب بياناً أمسية الانقلاب حمل فى طياته تشكيكاً فيه وتهديداً له مما أثار ردة فعل عنيفة لدى مجلس الثورة ولأهمية هذا البيان أورد أهم ما جاء فيه.
(ما جرى صباح هذا اليوم انقلاب عسكرى وليس عملا شعبيا مسلحاً قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح أدى هذا الانقلاب إلى تغيير فى القوى الاجتماعية التى بينها القوات المسلحة وقضى على قوى الثورة المضادة وطبيعة هذا الانقلاب تبحث عنها فى التكوين الطبقى للمجلس الذى باشر الانقلاب - مجلس الثورة - وفى التكوين الجديد للقيادات هذا البحث يشير إلى إن السلطة اليوم تشكل من فئة البرجوازية الصغيرة فى البلاد) الى ان يقول البيان (من المؤكد انه فى حالة بقاء هذه السلطة ان تتأثر بالجو الديمقراطى العام فى بلادنا وبالمطالب الثورية للجماهير وليس لها طريق اخر وستلقى الفشل اذا ما حاولت ان تخط لنفسها طريقا يعادى قوى الثورة السودانية)
2- ان يطالب الحزب ويشترط ان يتم اختيار أي كادر منه عبر مؤسسة الحزب بما يعنى الغاء تعيين اى عضو من الحزب مالم يتم عبر قنواته
3- توجيه من تم تعيينهم فى الوزارة من مجموعة عبدالخالق بعدم أداء القسم ما لم يتجاوب المجلس مع شروط الحزب.
وهكذا عبر الانقسام فى الحزب عن نفسه بهذه الصورة الحادة التى شكلت العلاقة السالبة بين الثورة والحزب مجموعة عبالخالق حيث عرف الانقساميون كيف يستغلون موقف الحزب الذى فجر بيانه غضب قيادة الانقلاب ولأنه وضع بجانب هذا الانقلاب أمام خيار صعب حيث يطلب الحزب اعترافاً رسمياً به فى السلطة ووفق شروطه الامر الذى مكن الانقساميين من صب الزيت على النار لتوسيع الجفوة والفرقة بين السلطة ومجموعة عبدالخالق والتى تصاعدت حدتها حتى انتهت باعتقاله كما هيأت المسرح لمؤامرة انقلاب 19 يوليو التى استهدف بها الحزب ليكون كل من الحزب ومايو فى نهاية الامر ضحايا ذلك الانقسام حيث تمت تصفية الحزب وقياداته كما انقلبت مايو على نفسها من اقصى اليسار لليمين تحت حكم الفرد الواحد. وما كان هذا ليحدث لولا الانقسام الذى افرزته ثورة اكتوبر.
شخصيا لقد كان لإصدار الحزب لبيانه الاول حول الانقلاب ولما اثاره من ردة فعل غاضبة كان هو السبب المباشر لدخولى القيادة العامة فى ثانى يوم للانقلاب عندما تلقيت اتصالا هاتفيا من الرائد ابوالقاسم هاشم عضو مجلس الثورة يطلب حضورى للقيادة العامة على وجه السرعة لما يعرفه عن انتمائى لمجموعة عبدالخالق ارتباطى به شخصياً مع مجموعتنا من قيادة اتحاد الشباب السودانى الموالية له ولمعرفته بما يربطنى مع اعضاء مجلس الثورة والذين تجمعنى بهم جميعا علاقة شخصية قوية لهذا كنت اول مدنى شيوعى يدخل القيادة العامة صبيحة اليوم الثانى للانقلاب و عندما التقيتهم كانوا فى قمة الانفعال والغضب على بيان الحزب الذى تهددهم إن حادوا عن الطريق بينما كانوا يتوقعون منه ترحيبا بما انجزوه ويتوافق مع الحزب فحملت احتجاجهم لعبدالخالق والذى كان يومها قد قوبل بيانه باعتراضات من بعض الكوادر الموالية له وبالفعل تجاوب عبدالخالق وأصدر الحزب بيانا توضيحيا للتخفيف من ردة الفعل الغاضبة ولكن وبالرغم من ان البيان الثانى لطف الاجواء إلا إنه بقى نقطة سوداء عرف الاتقساميون كيف يستغلونها لمزيد من التعقيدات فى علاقة الحزب مع مجلس الثورة وبسب هذا الواقعة وبينما كنت بصدد مغادرة السودان لبعثة دراسية للتحضير للدكتوراه فى الاقتصاد يوم 28 مايو إلا إنى تخليت عن البعثة استجابة لطلب عبدالخالق لأبقى حلقة وصل بينهم ومجلس الثورة لحاجته لمن يلطف اللأجواء وكان هذا هو السبب فى دخولى القيادة العامة كما اشرت فى حلقة سابقة.
عودة لانقلاب 19 يوليو:
.بديهى انه ما كان الانقلاب الذى راح ضحيته الحزب لولا ذلك الانقسام ولقد أشرت فى الحلقات السابقة للملابسات التى اثارت الكثير من الشكوك حول علاقة الحزب الشيوعى بانقلاب 19 يوليو وبصفة خاصة ما ورد على لسان قيادة الحزب من انه مسئول عن انقلاب 19 يوليو ولا علاقة له بانقلاب مايو مع انه فى الواقع كان على علم بانقلاب مايو سكت عليه حتى نفذ ثم ارتبط به ارتباطاً مباشراً بعد نجاحه بينما لم يكن على علم بانقلاب يوليو إلا أنه أجبر عليه بعد أن نفذ ويحمل اسمه يؤكد هذا إن قاعدة الحزب استقبلته بحذر شديد بعكس ما استقبلت به انقلاب مايو ولعل التناقض الأكبر للحزب حول هذا الأمر إن هذا الانقلاب الذى أدعى الحزب انه يتحمل مسئوليته انه لم يتطرق له في المجلد الذى أصدره الحزب بمناسبة عيده الاربعين.الذى أصدره فى عام 1988
هذا المجلد صدر عن الحزب بعد سبعة عشر عاماً من انقلاب 19 يوليو وكانت فترة كافية ليكشف الحزب عن رؤيته للانقلاب ان يقدم اجابة وافية على العديد من التساؤلات التى أحاطت بالانقلاب وان يزيل الضبابية عن مواقفه من الانقلاب بصفة خاصة
1- هل كان انقلاب 19 يوليو حقاً انقلاباً شيوعياً نظمه الحزب ؟
2- إذا لم يكن هناك قرار من الحزب فهل هناك أي جهة أو فرد أو مجموعة أفراد تورطوا فيه باسم الحزب ومن هى هذه الجهة او من هم هؤلاء الأفراد وماذا كان موقف الحزب منهم؟
3-وتحديداً هل تورط سكرتير الحزب الشهيد عبدالخالق فى الانقلاب وانه المخطط له وما هو موقف الحزب منه عندئذا إذا ثبت انه تورط فيه أو ورط الحزب فيه؟
ولكن الحزب لم يقدم أى اجابة على هذه التساؤلات حول اهم حدث ارتبط به حقيقة او نسب اليه زوراً وهو انقلاب 19 يوليو والذى راح ضحيته أهم قيادات الحزب بل واصل الحزب فى مجلده تدعيم الشكوك حول تورط سكرتيره فيه بالرغم من تأكيد السكرتير نفسه انه لم يكن له علم به أو له علاقة به وإنما وضع امام الأمر الواقع من منظمة لكونه نفذ بعد أيام من تهريبه وتحت قيادة من قام بتهريبه وترتيب اقامته .
وكم كان غريبا ان يسهب الحزب بالتفصيل فى مجلده و يتناول الاحداث منذ نشأته فى 1946 حتى وصل الى حادثة هروب سكرتير الحزب من معتقله فى يونيو 1971 قبل ايام من الانقلاب ولم يدلى برأي حول هذه الواقعة ثم جاء شهر يوليو الذى شهد الانقلاب ولكن المجلد صمت عن الادلاء بأي وقائع حول اهم حدث فى تاريخ الحزب الذى شهده هذا الشهر إلا أنه جاءت اشارته فقط فى صفحة 184 حيث نشر ما أسماها أخر وثيقة خطها سكرتير الحزب من المعتقل قبل هروبه وكانت الوثيقة نفسها مصدراً لمزيد من التساؤلات والتى نشر نصها بالمجلد حيث جاء فيها ما يلى:
( ان روح الاستسلام الناتجة عن انتصار الثورة المضادة تعلن ان الطريق للحركة الثورية اصبح مقفولا ونحن نشهد ذلك فى سلبية اقسام هذه البرجوازية الصغيرة – ويواصل الى ن يقول- ومن نفس الموقع تنمو الاتجاهات اليسارية التى تبشر بأنه لا مكان للنضال الجماهيرى ولا امل من ورائه وكل ما تبقى للثورة هو ان تنكفئ على نفسها وتقوم بعمل مسلح
مثل هذا الخط يمكن ان يستهوى فى الواقع العناصر السياسية التى لم تتمرس بعد بالنضال الثورى)
ما ورد فى المجلد عن أخر حديث لسكرتير الحزب قبل الانقلاب بأيام وبعد هروبه لا يخرج عن ما جاء فى قرارات المؤتمر الرابع للحزب فى 1967 وكان المعنى بهذا القرار يومها الانقساميين بقيادة احمد سليمان اللذان فقدوا الثقة فى النضال الجماهيرى وأيدوا العمل المسلح بديلاً له فما هو القصد من الاشارة لهذه الوثيقة فهل أرادت قيادة الحزب أن تبرئ سكرتير الحزب من الانقلاب باعتباره رافضاً للعمل المسلح وانه ليس من السياسيين الذى فقدوا الثقة فى النضال الجماهيرى ولو ان هذا كان مقصدهم فلماذا لم ينفوا عن السكرتير تورطه فى الانقلاب صراحة أم أنها أرادت ان تدفع باتهام غير معلن يترك لفهم القارئ بان الحزب يعيب على السكرتير ان يتورط فيما نهى عنه وانه اصبح من السياسيين الذين فقدوا الثقة فى النضال الجماهيرى وانصرفوا للعمل المسلح مما يؤكد تورطه فى الانقلاب فلماذا ترك الحزب الامر للاجتهاد الخاص ولم يتخذ من حديثه تاكيد لعدم تورطه ليرفع التهمة عن سكرتير الحزب الذى نفى بنفسه اى علاقة له بالانقلاب. مما يعنى ان نشر الوثيقة دون اتخاذها دليلا على براءة السكرتير مما نسب له يعنى ادانة غير مباشرة له.
ولكن هل كان سكرتير الحزب متورطا فى الانقلاب وهو نفسه نفى علاقته به وهو ما اكدته الكثير من الادلة التى تناولها باهتمام وحيادية الكثيرون من خارج الحزب الشيوعى كما اكد عليها شهود عيان وقف على رأسهم الصحفى المصرى احمر اللون احمد حمروش والدكتور منصور خالد واللذان كانا حضورا وقت المحاكمة وكلاهما نقلا على لسانه انه لم يكن على علم بالانقلاب .فلقد اكد هذا الدكتور منصور خالد فى كتابه (السودان والنفق المظلم) صفحة 41 وهو يوثق الوقائع كشاهد عيان كان حضورا فى المحكمة أورد فى كتابه ما يلى:
(كان عبدالخالق منهك القوى مشقق الشفتين فطلب كوبا من الماء صبه له - عمر الحاج موسى - ثم أردفه بثان وثالث نهل اثنين منهم بيد عمر اذ كانت يداه مقيدتين وكاد عبدالخالق يكمل الثالث إلا انه آثر أن يتناول لفافة تبغ فطلب واحدة منى اشعلتها ووضعتها بين شفتيه وبعدها استأنف - ابوالقاسم هاشم - استجوابه الهادى مسائلاً عبدالخالق مرة أخرى عن أسباب الانقلاب قال عبدالخالق أنه لا يعرف شيئا عن الانقلاب)
هذا ما قاله عبدالخالق وأكده عنه أكثر من جهة قبل وفى المحاكمة والذين يعرفون عبدالخالق – وأحسب إن قيادة الحزب على راس هؤولاء يصدقون قوله لأنه ليس من ذلك النوع الذى ترهبه المواقف فينكر اعماله يؤكد هذا صموده امام المحكمة ومواجهته تنفيذ الاعدام بشجاعة وثبات اذهلت من اعدموه ولو انه كان مخططا ومتورطا فى الانقلاب لكان رده عنيفاً معدداً مبرراته.
فلقد اهمل المجلد ان يؤكد على نفى سكرتيره علاقته بالانقلاب وان يتخذ من حديثه المثبت دليلا مادياً لتبرئة ساحته وتبرئة الحزب من الانقلاب فهل كانت قيادة الحزب ترى ان هناك ما يستحق ان تؤكد عليه أكثر من براءة سكرتير الحزب والتى هى تبرئة للحزب نفسه .
وبهذا اختتم هذا الجزء الخاص بالانقلاب ولكن يبقى السؤال الاكبر:
لماذا هرب قائد الانقلاب ابوشيبة سكرتير الحزب الشيوعى ومكنه من الاقامة الامنة ومع ذلك لا يحيطه علما به كما اكد عبدالخالق بعضمة لسانه وقائد الانقلاب يعلم ان قرائن الاحداث ستشير لتورطه فيه ليضاف هذا للسؤال الثانى حول موقف قائد الانقلاب الذى لم يعين نفسه رئيسا لمجلسه او حتى عضوا فيه وانه لما اصبح صاحب القرار جاء فى رئاسة مجلس يوليو بمن سبق اعترض على اختباره عضوا فى مجلس ثورة مايو بحجة انه أحق منه لمشاركته فى الانقلاب فكيف جاء بالمقدم بابكر الذى لم يشارك فيه.
خلاصة ما أردت توضيحه ان الحزب جاءت مواقفه رافضة لكل الحيثيات التى تبرئ ساحة سكرتيره رغم المؤشرات العديدة شككت فى ان الانقلاب كان مؤامرة على الحزب ومايو لهذا جاءت مواقف الحزب داعمة لمن يكابرون ويغالطون الوقائع ويصرون على ان سكرتيره هو مخطط الانقلاب مما يثير الشكوك حول احداث بيت الضيافة التى اشارت كل الدلائل انها من صنع المتآمرين على الحزب بغرض تصفيته وقد حققوا ما يريدون فقد نجح مخططوا المؤامرة فيما هدفوا الي توريط الحزب فى حركة فاشلة وفى الاستيلاء على مايو بعد خلع ثوبها القديم عنها وقد نجحوا فى تصفية الحزب الذى ظل حتى اليوم يبحث عن استرداد موقعه فى السياسة السودانية كما انهم نجحوا فى تصفية مايو بحل مجلس الثورة وانفراد النميرى بالحكم والذى التفوا من حوله بعد عزل رفاقه عنه حيث تحولوا بالثورة من اليسار لأقصى اليمين وهو ما تخوف منه السوفيت. عندما طالبوا الحزب بتهدئة الاوضاع مع ثورة مايو.
حل مجلس الثورة.
اما حل مجلس قيادة الثورة وتنصيب رئيس المجلس وحده رئيسا للدولة بلا رقيب عليه انما كان كما قلت انقلابا داخليا لهذا اسميت ما بعد حل المجلس بمايو وانتهاء ثورة مايو بقرار حل مجلس الثورة فمايو ما قبل الحل يسارية التوجه وما بعده يمينية مفرطة فى اليمينية.
وللوقوف امام هذا الحدث الكبير لابد من رجعة للوراء للوقوف مع بعض الاحداث التى سبقت حل المجلس. وهيأت المسرح للانقضاض على مايو ولكن من بوابة رئيسها.
الحق يقال ان النميرى شخصية متواضعة سودانى جاد فى خدمة وطنه ولكنه قليل الخبرة بالشأن السياسى وسهل الانقياد لهذا كان تقلبه فى المواقف تعبيرا عن من يحكمون قبضتهم عليه بالالتفاف حوله بعد ان تم عزله عن المجموعة التى جاءت به على رأسها رئيساً لمجلس الثورة والذين كان يشكل معهم مجموعة متجانسة اعنى بهم اعضاء مجلس الثورة من غير عضويته الشيوعية حيث كانوا فى بداية مشوار الثورة مجموعة متناسقة وموحدة مترابطة اجتماعيا فى اسرة واحدة الا ان ظروف الثورة والمهام الموكلة لهم باعدت بينهم مما افسح المجال لان تحتضن النميرى مجموعات تسللت اليه وسط غفلة من زملائه اعضاء المجلس خاصة وان ما يحمد للنميرى وإن كلف هذا الثورة كثيراً - انه سلم أمره للمثقفين وكان سريع التأثر بهم ولو ان من اولاهم ثقته منهم كانوا قدر المسئولية وكانت لهم اجندة سياسية متوافقة مع مايو كانوا جادين لقدموا للوطن الكثير ولكنهم لم يكونوا على قدر الحدث وأصحاب غرض فنجحوا فى ان يفرقوا بين النميرى وأقرانه حيث بدا النميرى ينفرد بالكثير من القرارات تحت تأثير المثقفين الذين كان يثق فيهم ثقة عمياء وما درى ان بعضهم كان يخطط للفتنة بينه وأقرانه ولتصفية اهداف الثورة
وحتى لا اظلم النميرى فانه عندما حل مجلس الثورة كان تحت تاثير الانقلاب الفاشل كما ان هناك واقعة خطيرة .افقدته الثقة فى رفقاء دربه وأثارت مخاوفه من ان يطيحوا به مما سهل للمتآمرين على مايو ان يدفعوه للتخلص منهم بحل مجلس الثورة .
وما سبق هذه الواقعة من احداث شكل مفارقة كبيرة حيث ان رفاق النميرى من غير الشيوعيين والذين ساندوه يوم اعترض اعضاء المجلس الشيوعيين على انفراده بالقرارات دون الرجوع للمجلس فساندوه فى اصدار قرار طردهم من عضوية المجلس فلقد عادوا انفسهم ليعانوا من تخطى النميرى لهم والانفراد بالقرار دون الرجوع اليهم ليجدوا انفسهم فى مواجهة نفس الموقف كما كان حال الاعضاء الشيوعيين الذين شاركوا فى طردهم لينتهى هذا السيناريو بعد ان لاحت الفرصة على اثر ردود فعل انقلاب 19 يوليو بان ينجح المخطط الذى استهدف مايو بان تم التخلص من كل أعضاء المجلس لينفرد النميرى بمايو ويبقى تحت قبضتهم ولينجحوا فى تغيير مسار الثورة من اليسار لليمين ثم لأقصى اليمين.
وحتى لا اظلم النميرى فإنني أجد له العذر فى تبدل موقفه من رفاقه لأنهم ارتكبوا خطأ كبيرا فى التعبير عن رفضهم انفراده بالقرار وكان هذا قبل الانقلاب بفترة ولو انهم اتبعوا يومها اسلوبا عقلانيا للتعبير عن رفضهم انفراده بالقرار فى جو ودى لا يخلوا من معاتبة الاخ لأخيه لربما تفهم وجهة نظرهم ولكن ما حدث منهم وانقله هنا حسب رواية زين العابدين شخصيا لى وهو ما سجلته فى كتابى 25 مايو وانهيار السودان عام 92 واطلع عليه كما اطلع عليه مامون فى القاهرة 92 ولم يصدر عن اى منهما نفيا للواقعة خاصة زين العابدين الذى نقلت الرواية على لسانه والتى افادنى فيها انهم استأذنوا النميرى أن ايصحبهم فى مشوار بحكم ثقته فيهم واستجاب لرغبتهم دون مقاومة أو شك وإنهم حسب رواية زين العابدين انطلقوا بالعربة فى اتجاه الكلية الحربية وادى سيدنا حتى أبدى النميرى دهشته فأستفسرهم عن هذا المشوار وهنا كما أكد زين العابدين أنهم واجهوا النميرى بعنف شديد لانفراده بالقرارات دون الرجوع اليهم وان مامون شخصياً لوح له بمسدس كان يحمله ووجهه نحو رأسه قائلا له (هذه الثورة عملتها انت حتى تنفرد بالقرارات) وبهت النميرى لحظتها واعتذر لهم النميرى قائلا انه يفعل هذا بحكم الثقة بينهم ووعدهم ألا يفعل هذا وعادوا بعد أن تصافوا معه هكذا كانت الواقعة كما حكاها لى زين العابدين واطلع عليها مع مامون فى كتابى ولم ينفها اى منهم.
لما حكى لى زين العابدين هذه الرواية قلت له بالحرف ( اعتقد ان الثورة لن تسعكم كمجموعة واحدة كما كنتم وان النميرى لن يغفر لكم هذا الموقف وانه لابد أن يفكر فى التخلص منكم) ولكنى لم أكن اعرف كيف سيحقق هذا الى أن تهيأ له المسرح بانقلاب يوليو إلا إن ردة فعله تجاه مامون كانت الأسرع ولعلكم تذكرون كيف ترصد به مع مجموعة من اصدقائه.
وبالطبع فان من حق النميرى أن يكون له رأى مخالف لهم بعد ذلك وهو ما حدث حيث انه ما أن لاحت له الفرصة بعد انقلاب 19 يوليو تجاوب مع الرافضين لمايو وتسللوا للقرب منه سارع بتنفيذ الفكرة التى راوده بها من يحملون الغبن عليه وعلى مايو فكان أن اعلن قرار حل مجلس الثورة بقرار منفرد لم يصدر عن مجلس الثورة بالرغم من انه اعلن قرار الحل كأنما صدر عن مجلس الثورة بإرادته وهذا يجافى الحقيقة فالمجلس لم يجتمع ولم يصدر هذا القرار وأنهم فوجئوا به عندما اعلن فى اجهزة الاعلام لأنهم كانوا جميعا خارج ولاية الخرطوم حيث اتجه كل واحد منهم لولاية ليلتقى بجماهير الولاية فى لقاء تنويرى باستثناء الاخ خالد حسن عباس الذى كان متواجداً فى الخرطوم ولكنه لم يشارك فى اجتماع الحل فلقد كان زاهداً ومعتكفاً بسبب فقد شقيقة بين ضحايا بيت الضيافة.
لهذا فان قرار حل المجلس لم يكن إلا انقلاباً داخلياً وفى حقيقة الأمركان النميرى قد مهد له قبل انقلاب يوليو بتغييرات كثير قام بها فى سكرتارية مجلس الثورة وفى القوات المسلحة بل وفى حرسه الخاص.
الثابت ان أعضاء مجلس الثورة عندما قطعوا رحلاتهم للولايات وعادوا مسرعين نحو الخرطوم كانوا فى قمة الانفعال الصامت لهذا القرار المفاجئ الذى غدر بهم وهذا ما سأتعرض له فى الحلقة القادمة والتى سأتناول فيها السؤال/
لماذا حل النميرة الجهاز المركزى للرقابة العامة.
و.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.