[email protected] هل السودان مقبل علي تغيير كبير ومفاجئ علي مستوي الحكم؟، ذاك هو السؤال الذي ينبغي ان يطرحه كل واحد منا علي نفسه لانه يشكل عمق ازمة النظام وازمة الشعب في الوقت ذاته، كما انه يمثل في الوقت ذاته المفتاح الذي يفتح باب الاسئلة والاجابات ايضا، ومن شاكلة تلك الاسئلة التي ينبغي ان نطرحها علي بعضنا البعض الصيغة البسيطة التالية: هل انت مع التغيير؟، بالطبع ان الغالبية العظمي التي التقيت انا بها، أو التقيت بها انت عزيزي القارئ، كانت اجابتها بنعم، ولكن تبقي الوسيلة للتغيير هي التي تضع الثورة السودانية في مسارها السوداني الخالص، نعم انطلق قطار الثورة في السودان منذ العام 2010م عندما بدأت حركات شبابية مثل قرفنا وشباب لاجل التغيير (شرارة) والتغيير الان وانا لست مؤتمر وطني في التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي كان لها القدح المعلي في انتصار ثورات الربيع العربي، ولكن قاطرة الثورة السودانية لم تمضي الي غاياتها مباشرة وتوقفت في محطات مفصلية ومهمة الامر الذي اعاق مسارها، ولكي تكتمل شروط أي ثورة لابد من توفر الاسباب والسببات والمعطيات والمخرجات، في هذه المقالة نستعرض بعض جوانب البطء الذي لازم مسار الثورة السودانية وتوضيح سلبيات وايجابيات ذلك علي تراكم الخبرات. اولا: ظلت الصحافة السودانية طيلة عهد الانقاذ تتعرض لتحولات خطيرة في ظل احادية اتخاذ القرار وتمكين المؤتمر الوطني من مفاصل الدولة حتي صار وجود الدولة السودانية مرتبط بوجود الوطني علي سدة السلطة، وكانت الرقابة القبلية التي اشتدت وطاتها علي الصحف بعد انفصال الجنوب، هي التي تسير علي الصحف وبالتالي علي ماينشر فيها، بل ان جهاز الامن وقيادات في المؤتمر الوطني اشتروا العديد من الصحف وصارت تروج لاكاذيبهم وادعاءتهم وتساعدهم في حربها الضروس علي المعارضة، وظلت صحف مثل الراي العام والسوداني والاهرام اليوم واخر لحظة والمشهد الان والمجهر السياسي تمارس عملية تظليل وتغبيش للراي والوعي العام، وحتي الصحف التي بقيت خارج سيطرة اجهزة واذرع النظام الامنية، لم تسلم من المضايقات والمصادرة والاغلاق حيث بلغ عدد الصحف المغلقة بتعليمات من الجهاز ثلاثة (التيار والميدان وراي الشعب)، بينما تعاني صحف الايام والصحافة من تجفيف مصادر الاعلان والرقابة القبلية التي تتولي مهام رئيس التحرير الفعلية، كما ان جهاز الامن منع عدد مقدر من كبار الكتاب الصحفيين المعارضين للنظام من الكتابة، لذا كانت الاغطية الصحفية للمظاهرات التي استمرت لحوالي شهران منتصف العام الماضي ضعيفة او معدومة تماما، ونسبة لغياب التغطية الاعلامية علي المستوي المحلي وضعف التغطيات الخارجية من القنوات المؤثرة في عالميا والتي ساهمت بفاعلية في تحفيز الشعوب العربية المنتفضة ضد حكامها الطغاة، فان الثورة السودانية لم تجد الزخم الاعلامي الذي وجدته الثورات في بلدان كتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، بالتالي لم يتم الكشف كما ينبغي علي الهجمة الامنية الشرسة علي المتظاهرين ومقتل بعضهم في مناطق ومدن مختلفة، كما ان غياب المعلومات عن الثورة السودانية كان كالكابح أو الفرملة التي فرملت القاطرة لتتوقف مضطرة في محطات وتلك من السلبيات، ولكن الجانب الايجابي هنا ان تلك المحطات تكن الاخير يل كان محط انطلاقات متفرقة للقاطرة. ثانيا: لكي تحدث وتقود ثورة ناحجة لابد من استيفاء شروط ما قبل اشعال شرارة الثورة، مثلا في الهبة الشعبية الاخيرة في جمعها الاربع (لحس الكوع وشذاذ افاق والكنداكة نموذجا)، كان الحراك الجماهيري عفويا ويفتقر للتعبئة التي تسبيق أي حراك، والتعبئة تحتاج لوجود كيانات منظمة مثل الاحزاب، ولكن وقوف الاحزاب المعارضة موقف المتفرج افرغ الثورة من قدرة توجيه شحنات وطاقات الشباب التوجيه الصحيح، مثلا اتبع الشباب تكتيكات كانت مكشوفة للاجهزة الامنية وميلشيات المؤتمر الوطني بالجامعات لذا تم اعتقال كل القيادات الشبابية المؤثرة الامر الذي اضعف الحراك، كما ان نجاح أي حراك يكون هدفه اسقاط او ازاحة السلطة خاصة اذا كانت هذه السلطة ظالمة وطاغية وعنيفة ودموية مثل نظام الانقاذ، أي حراك من هذا القبيل يحتاج لقائد يمتلك صفات القائد الحقيقي، والشباب الذي اندفع بصدور عارية للشوراع وواجه عسف السلطة كان يفتقد لمثل هذا القائد، صحيح ان ثورة الشباب ولدت قادة جدد من مختلف اقاليم السودان، ولكن المحرك والمحفز الرئيس للقيادات الشبابية الحماسة الزائدة دون وضع خطط وتكتيكات لارهاق الاجهزة الامنية والميشليات، أو تحديد سقف ومني للحراك او ادوات تطويره ليتخذ اشكالا مختلفة من اشكال الاحتجاج المجربة كالتظاهر والاعتصام والاضراب عن العمل وصولا لمرحلة العصيان المدني، ولكن، ورغم حالة الاحباط التي تصيب كل المتطلعين للتغيير عقب فشل أي حراك، الا ان الاحداث التي جرت في الفترة من منتصف يونيو من العام الماضي وحتي الوقت الراهن شكلت تراكما جيدا وخبرة جيدة للثوار الشباب، فمن جهة اثبتت ضربة مصنع اليرموك الشهيرة ان السوس قد نخر العصا التي يتوكأ عليها النظام، ومن جهة اخري اضعفت المحاولة الانقلابية، سوأ ان صحت أو لم تصح النظام كثيرا وكشفت عن هشاشته اثر تاكله من الداخل، ثم اتت وثيقة الفجر الجديد لترمي بحجر ضخم في بركة السياسة السودانية، كل تلك العوامل ما كان لها ان تتشكل لولا ان الثورة السودانية، ورغم ام اعترض طريقها من صعاب، الا انها لازالت مستمرة في سياق تراكمي يصنع طريقا جديدا لبلوغها غاياته بسقوط النظام الذي سقط بالفعل ادبيا واخلاقيا. ثالثا: الشعور بالتغيير هو الشعور السائد في الساحة السياسية السودانية، الشعب الذي تحاصره الازمة الاقتصادية اشبه بالقنبلة المؤقتة التي لايعرف احد متي تنفجر بالتحديد، والنظام يتوقع حدوث الانفجار والطوفان الشعبي ولكنه عاجز عن ان يستعد له الاستعداد الكافي فالاعتقالات والتعذيب والاغتيالات لم تعد مجدية، بل انها دائما ما تاتي بنتائج عكسية وتزيد وترسخ من عزيمة الشعب وقادة المعارضة والحراك الشبابي، والشعور بالتغيير هو شعور مشترك بين طرفين يتربص كلاهما بالاخرن ولكن من يملك زمام المبادرة هنا هو الشعب، في حين يقف النظام موقف المدافع عن مواقفه المخزية بعد ان تمت تعريته وكشف فساده وخوضه في دماء السودانين وممارسة نهج الابادة الجماعية ضده في كل مكان، في الاطراف والمدن حتي ان التهميش طال العاصمة خاصة في احيائها الشعبية التي ترقد علي بركان من الغضب العارم، وكل يوم يمر من عمر السودانية يراكم من ذلك الغضب جراء فشل النظام في ايقاف التدهور الاقتصادي واصراره علي اختلاق اعداء وحروبات جديدة تشغل الشعب عن الثورة ولكنها تزيد من تضييق الخناق عليه جراء تسخير الموارد، رغم شحها، للصرف علي الحروب والاجهزة الامنية التي تمنح النظام مزيدا من الوقت للمراوغة التي، وان اطالت من عمره، الا انها تحشره، يوما بعد يوم، في الزواية الضيقة كالكلب المسعور الجريح.