محمد عبدالرحمن محمود [email protected] استيقظ المدير فزعاً، فقد رأى في المنام دماً كثيراً يخرج من جيوبه .. اتصل فوراً بالمدير المتخصص في تفسير الرؤى والأحلام .. فلم يزده عن كلمة واحدة وهي .. أولى لك أن تستقيل .. ورد عليه: استقيل كيف يا شيخنا؟ .. رد عليه الشيخ ناهراً: الاستقالة الواحدة دي؟ ولكن المدير لم يتمالك: إنت يا شيخنا لو قالوا ليك استقيل وتخلي كل الخير الجاي ده حتستقيل؟ .. تأخر المدير المتخصص في تعبير الرؤى والأحلام في الرد على هذا السؤال الشائك .. أنا بقول ليك استقيل لأنو إنت الحلمت مش أنا .. تعرف أنا لو حلمت حلمك ده ما بقعد في البلد دي تاني .. وقبل ما تقول لي تمشي وين؟ بقول ليك نحن كلنا حنمشي نشوف مصالحنا الفتحناها في بلاد الواق واق .. إنت يا زول دي ناسيها ولا شنو؟ رد عليه بعجل: لا ما ناسيها .. لكن يمكن أتعرض للسؤال عن سبب الإستقالة وكده؟ .. ورد عليه معبر الرؤى والأحلام: قول ليهم لظروف صحية .. إنت مش مدير وكمان متخصص في الشؤون السياسية .. ما قاعد تسمع ولا تقرا ولا بتشوف .. ده شنو ده؟ .. هنا انقطع حبل الاتصال بين هذين المديرين ، وعاد المدير الأول إلى نفسه واحتسى كوباً من القهوة وأردفه بآخر بعد أن لعن الخادمة الفلبينية، طبعاً أم العيال مش موجودة فهي تشغل وظيفة مرموقة في وزارة مرموقة .. بدأ اليوم هكذا .. ومن قبل لم يكن يحلم بهذه الأشياء المزعجة فقد كان يستيقظ من نومه منشرح الأسارير ويبدأ يومه بكوب من القهوة الظريفة .. ويخرج من الفيلا ويمتطي صهوة المرسيدس الرائعة، فالسائق قد جهز السيارة وأدار المكيف وضبط المؤشرة على البي بي سي، فهو حريص على الاستماع لكل المحطات، فهو يؤمن بالرأي والرأي الآخر، فربما من ضمن هذه الترهات التي ينثرونها يبزغ رأي سديد حتى ولم يكن مقصودا لذاته. وهو في الطريق إلى مكتبه الوثير اتصل به مدير آخر ليخبره بأنه رأى في المنام شيئاً عجيباً .. لم يمهله المدير (أ) (حتى لا يختلط علينا الأمر) فعاجله: أوعى تكون حلمت بدم بيطلع من جيوبك .. رد عليه المدير (ب) ضاحكاً: إنت في زول كلمك بحلمي ولا شنو؟! .. لا ما في زول كلمني لكني حلمت بالحكاية دي برضو.. أها واتصلت بالمفسر ولا لسه؟ لا اتصلت.. وتعرف قال لي شنو؟ .. قال ليك شنو المصيبة ده؟ قال لي قدم استقالتك .. نعم؟.. استقالة؟ ياخي ده الظاهر خرَّف.. ساد صمت وجيز.. استبطأ المدير (ب) رد المدير (أ) فسأله: إنت معاي لسه .. انتفض المدير(أ) من تهوميته تلك وقال له مخلوع: لا أنا معاك ياخي كدي خلينا نصل المكتب وتعال لي بهناك نشوف موضوع الكوابيس دي.. ما أن وصل المدير (أ) إلى الحوش الكبير ودلف إلى مكتبه الوثير .. في هذا الأثناء قابله السكرتير وقال ليهو قبلما يدخل المكتب .. سيادتك في واحد مستنيك ليهو زمن .. رد عليه: لا عرفتو ده سيد خالد .. قال له السكرتير: لا مش سيد خالد .. وعاجله بذكر عدة سادة على مفيش .. سيد حامد .. سيد مصطفى .. سيد .. سيد .. ولكن كل مرة كان يرد بالنفي.. طيب سيد منو المستنيني من زمن؟ .. دلف إلى مكتبه في عجل .. وجال بنظره في كل أرجاء المكتب ولم يجد أحداً .. ونادى غاضباً على السكرتير .. وينو الزول المستنيني وينو؟ تعال هنا تعال.. استغرب السكرتير هذا الأمر .. وأصبح يبحلق في المكتب .. ووصل بصره إلى تحت الطاولة وخلف الكراسي .. لا أحد .. لا أحد .. نظر إلى المدير وقال له: والله الزول ده كان قاعد هنا .. انتهره: وين يعني؟ إنتو عايزن تجنوني ولا شنو؟ أمشي جيب ليهو قهوة بدون سكر.. وهو في غمرة هذا الارتباك رن جرس الهاتف واستلمه بسرعة: أيوه منو معاي؟ .. حلمت بشنو؟ .. دم .. وبرضو من جيوبك .. وتفسير الحكاية دي شنو في رأيك .. طيب مع السلامة، في هذه الأثناء جاءت القهوة .. ومع الرشفة الأولى رن الهاتف مرة أخرى .. سيد خالد إزيك .. الأحوال والأولاد .. دي حاجة غريبة؟ .. إنت رابع واحد يتصل بي ويحلم بنفس الحلم .. اتصلت بالمفسِّر ؟.. وقال شنو؟ .. وفجأة انتفض من كرسيه الوثير ذاك واعتراه شيء من الخوف وخرج راكضاً وهو ينادي: المفسِّر سافر وين؟ ويرد على نفسه: سافر أستراليا .. أستراليا حتة واحدة .