منذ نحو عام تقريباً لا تزال مشكلة توفير الدواء بالبلاد تراوح مكانها مع غياب للرقابة والأخلاق لدى بعض من يعملون في مجال الدواء، وباتت ندرة الأدوية وخصوصاً المنقذة للحياة واضطراد ارتفاع أسعارها هماً يؤرق المرضى وأسرهم. ضعف مصانع الدواء المحلية التي لا تغطي سوى 24% من حاجة السوق المحلية يجعل البلاد تعتمد على الاستيراد بنحو 300 مليون دولار سنوياً،ولم تخجل الدولة عندما أعلنت أنها لن توفر موارد من النقد الأجنبي لمقابلة استيراد العقاقير الطبية،مما دفع المستوردون الى الشراء من السوق الموازي،رغم أن دولاً لا تشهد مستوى متدنياً من الدخل ولا فقراً في وسط مواطنيها لا تزال تدعم الدواء. ومما فقاقم الأزمة غياب الضمير والوازع الأخلاقي لدى بعض الشركات التي تكاد تحتكر سوق الدواء وضعف الجهاز الرقابي في الدولة (مجلس الصيدلة والسموم)،فالحكومة خفضت 10 في المئة من الجمارك بعد تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار ، لامتصاص الزيادة المتوقعة لكن ذلك لم ينعكس على سعر الدواء. حساب مجلس الصيدلة لدولار الدواء يبدو غريباً في عالم الإقتصاد، فحسب اعتراف غرفة المستوردين يكون أقصى سعر لصرف الدولار في المصارف التجارية مع أعلى سعر للبيع ثم يقسم الناتج على اثنين ثم يضرب في 1.5) يكون السعر النهائي للدولار عند بيع الأدوية للصيدليات،ووفق هذه العملية يصبح سعر دولار الدواء 8،55 جنيه.رغم أن سعر الصرف غير الرسمي لم يتجاوز 5،7 جنيه. سعر الدواء من الصيدليات لا علاقة له بسعر صرف الدولار،فقد تضاعفت أسعار العقاقير بمتواليات هندسية ولا حسيب ولا رقيب فالسوق حر،وشركات الدواء مسموح لها بأن تفعل ما تشاء فلا مجلس الصيدلة ولا غيره يستطيع محاسبتها. فإذا كانت شركات الدواء تدفع قيمة ايجار مقر مجلس الصيدلة فكيف يراقبها،وإذا كان المجلس يفرض رسم 1في المئة على فواتير التوريد من غير قرار من البرلمان أو موافقة وزارة المالية، بجانب 34 رسم أخرى على الشركات والصيدليات تصل الى 19 مليون جنيه، فهل نرجو من المجلس أن يفعل شيئاً بعد ذلك. رئيس اتحاد الصيدلة كان من المناهضين لفرض رسم 1 في المئة على فواتير التوريد في المرة السابقة،فما الذي دفعه لتغيير موقفه بشكل كامل،ويصبح من المدافعين عن الرسم لصالح مجلس الأدوية.. لا أمل في وزارة الصحة التي يرأس وزيرها مجلس الأدوية فمافيا الدواء لا يستطيع أحد الوقوف أمامها،فلديها أساليبها وطرقها في الإفلات من أي رقابة ، والإلتفاق على أي ضوابط ،ولا نحمل الوزير فوق طاقته،فقد كابد وناضل حتى وصل كرسي السلطة فلا أظن أنه سيغامر من أجل محمد أحمد المسكين،ويصارع الأفيال،وإذا تصارعت الأفيال دفعت الحشائش الثمن. كنت أظن أن وسط الأطباء والصيادلة هو الأنقى بين أهل المهن الأخرى لأنه يرتبط بمهنة عمادها الأخلاق،ولكن فجعني حديث رئيس شعبة الصيدليات الخاصة باتحاد الصيادلة الدكتور نصري مرقس خلال منتدى جمعية حماية المستهلك الذي كشف خلاله أن بعض الأطباء يكتبون وصفات طبية للمرضى حسب اتفاق مسبق مع شرطات توزيع الدواء لينالوا رحلة خارجية لمدة خمسة أيام. الأزمة ليس في أسعار الأدوية وندرة بعض العقاقير وإنما أزمة أخلاق وضمير في المقام الأول،وبعد فشل مجلس الصيدلة وضعفه وانتظار وزارة الصحة في مقاعد المتفرجين، نناشد مؤسسة الرئاسة بالتدخل من أجل المرضى والضعفاء الذين تمتص بعض الشركات ومافيا الأدوية دماءهم ،ولا يهمها ما يحدث لهم ما دام أن جيوب أصحابها تنتفخ بالدولار..! [email protected]