بسم الله الرحمن الرحيم هل سبق لك أن كنت منشرح النفس رائق المزاج ثم خرجت للشارع ورأيت الكل سعيداً رائق المزاج؟ وهل سبق أن أُعْجِبْتَ بهيئتك فإذا بالجميع يمتدح تلك الهيئة؟ لا شكَّ أنَّ ذلك يحدث معك على الدوام، فهذا قانون طبيعي وهو يعمل سواءً أكنت مدركاً له أم لا؟ إذ لا يمكنك أن ترى العالم جميلاً ما لم يكن ذلك الجمال نابعاً من داخلك: ولذا قال الشاعر: (والذي نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً) فإذا أردت أن تتأكد من دقة هذا القانون جرِّب أن تخرج إلى الشارع حينما تكون حزيناً معكر المزاج، جرب ذلك وسترى أن مشاعرك السلبية ستنعكس على جميع من تقابلهم في ذلك اليوم، ابتداءً من صاحب البقالة، ثم سائق الحافلة وركابها، بل حتى شرطي المرور سيبدو لك كئيباً باهتاً، وحينها ستتساءل: ما الذي حدث لهؤلاء الناس؟ وما الجدوى من حياتهم؟ وإلى أين هم ذاهبون؟! والحقيقة أنه لم يحدث أيُّ شيء لأولئك الناس، فهؤلاء هم نفس الناس الذين رأيتهم بالأمس سعداء رائقي المزاج، فكل ماحدث أن تغيرت حالتك النفسية وتحولت مشاعرك الإيجابية إلى سلبية مما انعكس على نظرتك للناس والأشياء؛ فنحن نرى العالم حسب حالتنا الشعورية، فحينما تغتسل ثم تتعطر وترتدي أجمل ملابسك وتنظر إلى نفسك في المرآة وتشعر بالثقة والإعجاب، حينها سينعكس ذلك الإعجاب على كل محيطك، مما يجعلك تبدو جميلاً في نظر الجميع، وليس في نظرهم فحسب، بل حتى في سمعهم، أجل في سمعهم؛ فشعورك سيظهر في نغمة صوتك وسيحس به من يتصل على هاتفك، وربما يمتدح أناقة ملابسك أو روعة عطرك! صدقني فأنا لا أمزح معك، فهل تعلم أنَّ هيئة الإذاعة البريطانية تلزم مذيعيها بالأناقة وارتداء البدلة كاملة عند قراءة نشرة الأخبار؟ فالمستمع قادر على إدراك ما يشعر به المذيع حيال نفسه. فالشعور الإيجابي يولِّدُ الثقة بالنفس، ويعطي انطباعاً جيداً للأخرين، وأنا أعرف الكثيرين ممن وجدوا وظائفهم لأنهم ذهبوا إلى المعاينات في كامل أناقتهم، وأعرف أيضاً الكثير من الباعة الذين يعقدون صفقاتٍ رابحة لأنهم يقابلون زبائنهم بمظهر جميل. قد يقول قائل: ولكنني بشع الخلقة دميم الوجه فكيف لي أن أغيِّرَ هذه البشاعة؟ والحق معك في ذلك؛ فأنت لن تستطيع أن تغيَّر هذه البشاعة، ولكنك تستطيع أن تغيِّر من نظرتك لنفسك، فمهما كانت ملامحك بشعة فإنها ستبدو جميلة لو غيَّرْتَ من نظرتك لنفسك، "فالشخص الذي يحب نفسه شخص جميل"، خذ مثلاً الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، من يُصَدِّق أن رجلاً في بشاعته سيتزوج امرأة في جمال كارلا بروني عارضة الأزياء السابقة؟ ومن يصدق أن امرأة مثل أوبرا وينفري ستنال إعجاب الملايين وحبهم لتصير أفضل مقدمة برامج تلفزيونية في العالم؟ أمَّا إذا ولجنا عالم المسرح والفكاهة فستجد إنَّ أنجح الممثلين هم أبشعهم، وكذلك الحال في عالم الغناء والطرب والسياسة والرياضة، فهنالك بشاعة محببة إلى نفوس الناس وهي تلك البشاعة التي يرى صاحبها نفسه جميلاً، فكم من شخص بشع يحبه الناس ويعجبون بهيئته، وكم من شخص وسيم ولكنه ثقيل على القلب ولا يعجب أحد بوسامته. فإذا أردت التغيير ابدأ بنفسك، غيِّر من شعورك حيال نفسك، إذ لا يمكنك أن تغيِّر من خلقتك، كما لا يمكنك تغيير زحمة المواصلات أو حالة الطقس، فقط يمكنك تغيير شعورك حيال نفسك وحينها سيتغير كل ما حولك. فإذا نجحت في الإفادة من هذا القانون في تغيير نظرتك للناس، فبإمكانك أن تطبق هذا القانون على كثير من الأشياء، فإذا أردت أن يمتدح الناس عملك، عليك أن ترضى أنت عن عملك وتشعر أنك أديته بدقة وإتقان، وحينها سيتقبله الناس على أنه أفضل عمل وسيشكرونك عليه. وإذا أردت أن يقتنع الناس بكلامك، عليك أن تقتنع أنت أولاً بكلامك، فحينما تشعر أنت أن كلامك حكيماً وعميقاً وصادقاً، حينها سيقتنع الجميع بكلامك ويؤمنون به، بل ويتبنونه وينشرونه فيما بينهم. وإذا أردت أن يحترمك الناس، عليك أن تحترم نفسك أولاً، وأن تثق فيها، وتكون صادقاً معها، وتقدم لها كل ما هو طيب وجميل، حينها سيحترمك الأخرون وسيثقون بك، وسيقدمون لك كل ما هو طيب وجميل، فحينما تشعر أنت بأهميتك ستحدد أهدافاً كبيرة لنفسك، وستعامل الأخرين على أنهم أناس مهمون، وسينعكس كل ذلك على حياتك ومستقبلك. فيصل محمد فضل المولى [email protected]