كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالفيديو.. جنود بالدعم السريع قاموا بقتل زوجة قائد ميداني يتبع لهم و"شفشفوا" أثاث منزله الذي قام بسرقته قبل أن يهلك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    السودان يردّ على جامعة الدول العربية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    المريخ يحقق الرمونتادا أمام موسانزي ويتقدم في الترتيب    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    مجلس التسيير يجتمع أمس ويصدر عددا من القرارات    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل أن تنتشرُِ الفوضى: رسالة مفتوحة وعاجلة لقادة للقوات المسلحة وشعب السودان
نشر في الراكوبة يوم 17 - 03 - 2013

الحقيقة التي لا مرآة فيها، أنه لا يكاد يمر يوماً، إلا حملت وسائط الإعلام المقرؤة والمسموعة والمشاهدة، أخباراً عن القوات المسلحة السودانية، وجميعها للأسف الشديد، أخباراً قتالية تضعِف من قوتها وتهِّز من مكانتها، أو أخباراً غير الايجابية تنم عن فشلٍ، تنتهي إِلى الإِخْفاقِ والعجز عن الوصول للهدف المقصود، فتتشوّه سمعتها وصورتها التي تميزت بها في المحافل العسكرية الدولية، بأنها من اقوي وأكبر الجيوش في القرن الأفريقي، فتصير قبيحة ومهينة، وغير حسنة جراء تلك الأخبار، فتؤدي إلى تقليص وتنقيص هيبتها، وتنال من مهابتها واحترامها، ، مثل الخبر الذي يحمل عنوان: ( الجيش يصد هجوماً للمتمردين بالنيل الأزرق )، وقلت فيه أو عنه في يومها: إن مانشيت بهذا الشكل والمضمون والمعنى، حسب تقديري فاجع ومحزن ومؤلم، وكآرثي في حق الوطن والمواطن، لأن الأصل والراسخ والثابت في أخبار المواجهات العسكرية، ومعارك الجيوش النظامية العريقة في أي حروبٍ ضد قوات نظامية لدولة ما، أو في مواجهة مليشيات وحركات مسلحة خارجةً عن القانون، بغض النظر عن شرعيتها أو عدم شرعيتها، تنتهج من حرب العصابات وسيلة وذريعة لتحقيق غاياتها ومراميها، أن تتوالى الأخبار السارة والمفرحة التي تقول: ( الجيش يشن هجوماً )، وغيرها من التي ترفع الروح المعنوية لأفرادها ومواطني دولتها.
ولعلنا نقول هنا: إنه ما من أمّةٍ وشعب يريد أمنّاً واستقراراً وهدوءاً ، واطمئناناً وسكَناً وارتياحاً، ويعشق السلام ويحب الأمان في حياته ، إلا يَصيبه ويجده ويدركه في الأمن الذي يوفره له جيشه، بأخذه في الاعتبار محاربة ومقاتلة أفعال الناس الذين يحاولون إحداث دمار، وتخريبٍ وإفسادٍ في الأرض. والأمن حسب تعريف دائرة المعارف البريطانية ( حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية ). وتعريفه من وجهة نظر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ( أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء ). فيما يراه روبرت مكن مارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين، في كتابه جوهر الأمن (إنه يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة ). وحدده القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أي تفضل عليهم بالأمن والرخص، فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنماً ولا نداً ولا وثناً، ولهذا من استجاب لهذا الأمر، جمع اللّه له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما جاء في تفسير أبن كثير، أي أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث، يعني التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه والخارجي، فمن وجود الأمن في قلوب الأفراد وفي المجتمع، تأتي الخيرات ويسود الازدهار اقتصادي، وتنشط حركة التجارة وترافقها خيرات وبركات، نجدها في قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ (النحل:112)، وقوله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(القصص:57).
ونظراً لأهمية الأمن ورسالته ودوره في بناء الأوطان وإنسانها، نشأت معاهد وكليات لإكساب مطبقيه ومنفذيه من الأفراد، المرونة والقدرة على الاستجابة للمتغيرات والتطورات التي تطرأ أثناء معالجة ما ينشأ من تهديدات، إلا أن مقالتنا ستقتصر على مفهوم شمولية الأمن وأهميته في استقرار وازدهار الأوطان، ويحددها الخبراء العسكريين والأمنيين في أبعادًا متعددة، يفصلها أستاذ الدراسات الإستراتيجية دكتور زكريا حسين في:
أولها: البُعْد السياسي: ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.
ثانيًا: البُعْد الاقتصادي: الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.
ثالثًا: البُعد الاجتماعي: الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.
رابعًا: البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي: الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.
خامسًا: البُعْد البيئي: الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة،خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن. ويتم صياغة الأمن على ضوء أربع ركائز أساسية:
أولاً: إدراك التهديدات سواء الخارجية منها أو الداخلية.
ثانيًا: رسم إستراتيجية لتنمية قوى الدولة والحاجة إلى الانطلاق المؤمَّن لها.
ثالثًا: توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ببناء القوة المسلحة وقوة الشرطة القادرة على التصدي والمواجهة لهذه التهديدات، بأسس يراعى فيها حق المواطنة.
رابعًا: إعداد سيناريوهات واتخاذ إجراءات لمواجهة التهديدات التي تتناسب معها، وتتصاعد تدريجيًّا مع تصاعد التهديد سواء خارجيًّا أو داخليًّا.
وللأمن أربعة مستويات:
أولاً: أمن الفرد ضد أية أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته.
ثانيًا: أمن الوطن ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة وهو ما يُعبَّر عنه "بالأمن الوطني".
ثالثًا: الأمن القُطري أو الجماعي، ويعني اتفاق عدة دول في إطار إقليم واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يعبر عنه "بالأمن القومي".
رابعًا: الأمن الدولي، وهو الذي تتولاه المنظمات الدولية سواء منها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي و دورهما في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
ولابد لنا من الإشارة إلى نشأة القوات المسلحة السودانية، التي ترجع إلي ما قبل مملكة كوش (732 ) قبل الميلاد، فقد بدأ تكوينها أثناء الاحتلال بعددٍ من الجنود السودانيين تحت إمرة الجيش البريطاني، وعرفت آنذاك بقوة دفاع السودان، وبعد الاستقلال تم التكوين الفعلي للجيش السوداني ( قوات الشعب المسلحة ) بكافه فرقه ابتدأ فرقة المشاة، ثم البحرية والجوية وغيرها. ويعتبر الجيش السوداني جيشاً قوياً، ولا تعود قوته إلى تفوقِ تكنولوجيِ، بل إلى عقيدته القتالية الفريدة وخبرته النادرة في الحروب، فقد ظل في وضعيه قتالية منذ الحرب العالمية الثانية، وإلى يومنا هذا، وبالرغم من أن الحرب أمر كريه وبغيض، إلا أن استدامتها تنشئ خبرات تراكمية عالية جداً، وهذا ما لم يتوفر لجيوش أخرى هي أقوى تسليحاً من السودان، ويشهد بذلك الحروب التي شارك فيها مثل الحرب العالمية الثانية، حيث شاركت فرق منه في معارك في المكسيك، وذلك عندما كان السودان محتلاً من قبل بريطانيا، وقد شارك في عده عمليات خارجية وداخلية، اثبت خلالها قوة وكفاءة وتميزاً، ومن أهمها دحر الايطاليين من مدينة كسلا في شرق البلاد، ذلك الانتصار الذي الهم رئيس الوزراء البريطاني تشرشل، وجعله يعدل عن فكرة الاستسلام للألمان، كما صرح بذلك لاحقا. وشارك في عمليات تحرير سيناء في عام 1973 م ضد العدو الصهيوني، كما اشترك في الحرب ضد إسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان، حيث كان جزءاً من قوات الردع العربية . كما خاض معارك لمده تزيد عن 50 عاما في الحرب الأهلية في جنوب السودان من أغسطس في العام 1955 وحتى العام 2005 م والتي انتهت بتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام الكارثة. وما زال يقاتل إلى يومنا هذا بعد انتقال الحرب المفروضة عليه من قلة فطنة وجهل الساسة، إلى الشمال في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان.
هذه هي الصورة الذهنية الرائعة والمشرفة، التي تم رَسّم وتَصويرُ شكلها وهيئتِها في ويكبيديا الموسوعة الحرة عن الجيش السوداني أو القوات المسلحة، وفيها تتحدث عن بنيته التحتية من قوة عسكرية ضخمة، تتمثل في مصانع للمدرعات والآليات الثقيلة ومصانع للأسلحة والذخائر، ولم تغفل عن تناول أفراده بوصفها لهم بأنهم أهل فراسة وفداء وتضحية، ويفضلون الموت والاستشهاد مائة مرة في سبيل أداء واجبهم، في حماية العرض والدين والوطن، من زمن الفدائي والمقاتل علي عبد اللطيف ورفقائه البررة، وأفردت صفحات عن الخبرات التي يتميز بها أفراده، من أفضليةٍ في التدريب يشهد عليه انتشار ضباطه في مختلف الجيوش العربية، في وظائف استشارية وتدريبية. هذه هي صورة القوات المسلحة في ذهن وعقل كل سوداني، حتى إلى وقتٍ قريبٍ. لوحة خالدة لجيش قوي يقوم بحماية الدولة وشعبها من أي الاعتداء خارجي، يحافظ على الحدود البرية والمياه الإقليمية والمجال الجوي، كما يتدخل أحياناً في حالة فشل أجهزة الأمن المدنية في السيطرة على الأوضاع الأمنية وحالات الكوارث، إلا أن هذه اللوحة الجميلة لم تتغير وتتبدل عن اتجاه الرصيد والتباين الايجابي، نحو السالب الذي يعكس الفرق بين الأداء الفعلي والأداء المخطّط له، إلا في عهد حكومة الإسلام السياسي التي عملت على إضعافه بوضع قواتٍ رديفاً للجيش، وهي ما يسمى بقوات (الدفاع الشعبي) علي غرار ما يعرف (بالحرس الثوري الإيراني)، وقد كانت تقدر بحوالي 150 ألف مجنداً في بدايات انقلاب حكومة الإنقاذ على الشرعية، وربما وصلت إلى مليون مجند، حسب ما هو مخطط بنهاية الألفية الثانية، حتى تكون البديل القوي والحقيقي في حماية النظام من الانقلابات العسكرية والثورات الشعبية، بدلاً عن القوات المسلحة التي تقدر وفقاً للإحصائيات الدولية بنحو يقدر ما بين 100 150 ألفاً جندي.
ولعلنا نقول بعد أن أفرغ نظام المؤتمر الوطني، رسالة الجيش من مضمونها المتعارف عليه دولياً في حماية الحدود: إن مشهد الجيش السوداني قد تغير إلى النقيض عن الصورة القديمة، ظهر لمن له بصيرة في معارك هجليج الأولى والثانية، وفي كثرة الأراضي التي يقال أنها محررة في أكثر من مكان واتجاه، وفي الخبر المشار إليه، وكل هذا ما جاء إلا بتخطيط متعمد أو عفوي من ممارسات ساسة، لا يملكون عقل امرأةً تحب أرضها وشعبها، مثل ملكة سبا التي قالت لقومها وهم أهل بأس وقوة: أشيروا علي في أمري الذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألقي إلي، ما كنت قاضية أمرا في ذلك حتى تشهدون، فأشاوركم فيه ، وقد كان تحت يد بلقيس ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيول كما يقول مجاهد، والقيول بلسانهم: الملك، وتحت يد كل ملكٍ مائة ألف مقاتل، فنتج عن أنانيتهم وحبهم لأنفسهم وقصورهم ذهاب أرض وشعب الجنوب بلا رجعة، واحتلال الأراضي الحدودية مع عجز قتالي وسياسي في كيفية استرجاعها، وأصبح المسيطر على المشهد العام خطر التفتيت والزوال لأرض السودان، وكل هذا يتم للأسف الشديد، من خلال محاولات إسقاط وهدم المؤسسة الأمنية بشقيها ، دون أن يدري ويعلم الساسة ومن يسايرهم من الأحزاب والنخب وحملة الأقلام، أنهم بفعلهم هذا يمهِدون ويهيئِون السبيل والطريق للانفلات الأمني والاقتصادي بكافة أشكاله، وللفوضى العمياء التي لا تبقي ولا تذر أرضاً ولا شعباً.
ويبقى أن نقول لقادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقوى المعارضة المسلحة والسلمية: إن ما تبقى من قوة تحافظ على ما تبقى من السودان هو مؤسسته الأمنية بشقيها العسكري والشرطي، فلا تضعوا حوائط البغضاء والجفاء ولا تبنوا سدود الكراهية والحقد، بينها وبين شعب لا يحس بالأمان والاستقرار والسلام إلا بها، مثل ما كان مع شعب الجنوب، المفارق لإخوته بنسبة قاربت ( 100% ) في استفتاء تقرير المصير، بممارسات شبيه، قوامها دك المعارضين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وقصف الطائرات وراجمات الصواريخ، لمطالبتهم بحقوقٍ مشروعةٍ قابلةً للنقاش والتفاوض، وفعالٍ ممقوتةٍ، عنوانها الاعتقال وعمليات التعذيب الممنهجة التي لا ترحم إمراءة ضعيفةً ولا شيخا كبيراً، من الضرب والسحل والاغتصاب والكي والحرق بالنار التي حرمها رب الناس، ولا بتكميم الأفواه، وتعتيم الأضواء عن كلمة حق ٍقد تصدر من أمي قد تهدي إلى صراط مستقيم. لا يعتري خاطري بصيص شكٍ في أن غالبية أفراد المؤسسة الأمنية بشقيها شرفاء وأصحاب منزلة عزيزة يأنف أصحابها من الدنايا لبني جلدتهم، ووطنيون لا يرضون لإخوانهم النقيصةُ والخسة بإكراه كان وتجويع، ولا لأرض بلادهم الغالية أن تتقطع بضغوط خارجية، أو إغراءات من قادة صمٍّ بكمٍ، لا يبصرون إلا السلطة والثروة الزائلة والفانية.
نسأل الله في ختام الرسالة، ونحسبها أنها لفت نظر إلى قضية على غاية من الأهمية والخطورة، أن يحفظ ويحرس قواتنا المسلحة وشقائقها من حماة الوطن، من مساع الإسقاط والهدم، ويعيد تماسكها وهيبتها وقوتها، ويرجع لبعض قياديّها عقولهم الغائبة بشهوة الثروة، ولعبة السياسة وعفنِها وفسادها، وخداعِهم بحكم شريعة لله زائفة وغير أصيلة بنص كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتدليسهم في وحل الكبرِ والمرآة والنفاق، باسم المحافظة على الشرعية الغائبة منذ الانقلاب عليها. ومهما يكن من أمرٍ، ومهما جدّ من خلافٍ في الرؤية والرأي، فجيشنا هو الملاذ والحصن الأخير للمحافظة على ما تبقى من السودان، ويجب أن نحافظ علي تماسكه وتلاحمه بشعبه، ونرد له مكانته المعروفة عالمياً، بتشجيع قياداته بان تترفّع وتنأى بنفسها عن فقه أهل الولاء، والابتعاد عن صراعاتٍ من أجل سلطة وثروة فانية، قسّمت أرض السودان، وضحّت وبذلت بأرواح ميئات الآلاف من خيرة شباب الوطن، وستعرض أرضه ومواطنيه إذا ما استمرت على ذات المسير والنهج، لمزيدٍ من التفتيت والتقتيل، والموت جوعاً ومرضاً، والأخطر من هذا كله زراعة الكراهية والبغضاء بين أهل الوطن الواحد؟ ولو استشرت وتمكنت من الجسم فلا علاج لها إلا بالبتر والقطع، وما عاد جسم السودان الهزيل والضعيف يتحمّل تقسيماً وتقطيعاً آخر، نقول هذا في ختام هذه الرسالةٍ العامّة والمفتوحة والعاجلة لقواتنا المسلحة وشعبنا العظيم، قبل أن تنتشر وتعم الفوضى في ما تبقى من أرض السودان، اللهم بلغت اليوم فاشهد.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.