في 16 ديسمبر كانون أول 1966 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي جاء ليعكس تفعيل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في العام 1950 والذي ينص على أن "التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هما أمران مترابطان ويعتمد أحدهما على الآخر". وهو الأمر الذي أعاد المؤتمر العالمي الثالث لحقوق الإنسان(فيينا 1993) التأكيد عليه بترسيخ ترابط مختلف فئات الحقوق وتكاملها وشموليتها وعدم قابليتها للتجزئة أو التراتب. وفي العام 1986 ، صدر الإعلان الدولي للحق في التنمية ليجسد مرحلة جديدة في تعاطي المجتمع الدولي مع هذا الحق في جانبيه الجماعي والفردي على السواء. وفي العام 1985 ، اتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأممالمتحدة قراراً تاريخياً بتشكيل لجنة تعاهدية للعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو يسد الثغرة التي نتجت عن كونه الاتفاقية الدولية الوحيدة لحقوق الإنسان التي خلى نصها من تأسيس آلية تعاهدية لتطبيقه ومراقبة تطبيق الدول الأطراف لنصوصه واحترام التزاماتها بمقتضاه. كما تم تبني البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ديسمبر /كانون أول 2008 ، والذي يتيح للأفراد إمكانية التقدم بشكاوى بشأن انتهاكات الحقوق المنصوص عليها في العهد إلى لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والمعضلة الاساسية لمنهجية حقوق الانسان في معالجة قضايا الفقر ومكافحته هي تخطي محاولات حجب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تشمل حقوق الإنسان خصوصل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا يميز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان( 1948) هذه الحقوق على أساس أهميتها، ولا يصنفها بترتيب هرمي، ولكن بالممارسة وعبر عدة عقود، جرى اعتبار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنها "تطلعات وحاجات" أكثر منها "حقوق والتزامات قانونية" على الدولة، بعكس الحقوق المدنية والسياسية التي نالت اعتبارات الأولوية. ولقد عززت التقسيمات الأيديولوجية في الحرب الباردة هذه الازدواجية في المعايير، التي تجلت بتبني عهدين دوليين منفصلين، أحدهما يختص بالحقوق المدنية والسياسية، والآخر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. غير أن البيان الصادر في العام 1968 عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان (طهران) أكد على عدم قابلية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للتجزئة. وأتاحت المتغيرات السياسية الكبيرة عقب نهاية الحرب الباردة الطريق أمام تعزيز وحماية كل حقوق الإنسان دولياً بنفس القوة وعلى قدم المساواة، لا سيما في ضوء الخطر الذي بات يهدد دور الدولة ووظائفها الاجتماعية الأساسية. فأكد إعلان وبرنامج عمل فيينا 1993 استعادة مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشأن مبدأ ترابط حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة والاعتماد المتبادل فيما بينها. ووفقاً لهذا المبدأ تكون جميع حقوق الإنسان متساوية ومترابطة ببعضها البعض وضرورية للتنمية الكاملة للإنسان وتحقيق الرفاه له، ولذا فإنه من غير الممكن أن يكون هناك تطبيق فاعل للحقوق المدنية والسياسية مع غياب الاحترام للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأعاد البيان الختامي للقمة العالمية (قمة الأممالمتحدة) في العام 2005 التأكيد على ترابط وتكامل حقوق الإنسان، واعتمادها المتبادل على بعضها البعض، وعدم قابليتها للتجزئة والتراتب، مشدداً على أن كافة حقوق الإنسان يجب أن تلقى معاملة عادلة، وعلى قدم المساواة، وبنفس القدر من الأهمية. وهذا بالضرورة يجعلنا نمحص ماهية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفقراء فهي تتصل اي فئات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالحق في العيش الكريم، وما يتربط به من الحق في الغذاء، والحق في الصحة، والحق في السكن اللائق، والحق في التعليم، والحق في العمل، وبما يضمن الكرامة الإنسانية المتأصلة في بني البشر ويكفل المساواة ونبذ التمييز ويعزز الحرية ويرسخ العدالة. فتعبر المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن عالمية الحقوق، حيث إنها ترتكز على أن جميع البشر يولدون أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق والحرية عند الولادة، بينما تتناول المادة الثانية حق كافة البشر في هذه الحقوق دون أي نوع من التمييز، وتظهر مقدمة الإعلان المبدأ الرئيسي الذي تستند عليه هذه الحقوق، حيث تقر بالكرامة الموروثة والحقوق المتساوية لجميع أفراد الأسرة البشرية، وعدم جواز سلبها. وبعكس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تعتبر العهود اتفاقيات ملزمة من الناحية القانونية للدول الأطراف فيها، وبالتالي تلتزم هذه الدول بضمان تفعيلها، بما في ذلك تقديم تقارير دورية عن مدى وفائها بالتزاماتها المنصوص عليها في العهود، وبينها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتلتزم الدول الأطراف في العهد بمقتضى المادة 2 من العهد باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أقصى الإمكانيات المتاحة لتحقيق جميع الحقوق التي يقر بها العهد. وتعد لجنة الأممالمتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي الهيئة التي تتولى مراقبة تطبيق العهد، وتتألف من 18 خبيراً مستقلاً، يرشحهم وينتخبهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويقومون بدورهم في اللجنة بصفاتهم الشخصية، وتقدم اللجنة تقريرها السنوي عن نشاطاتها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وتشمل نشاطاتها خلاصة دورها في فحص تقارير الدول الأطراف بشأن مدى التقدم المحرز في تفعيل أحكام العهد. وتقارير الدول الأطراف هي تقارير ذات طبيعة دورية، تقوم اللجنة بدراستها علانية، ويجب أن تتضمن تقارير الدول الإجراءات المتبناة، ومدى التقدم المحرز، والإشكاليات والتحديات التي تواجه الدولة الطرف في تنفيذ التزاماتها بمقتضى العهد. ويحق للممثلين عن الدول الأطراف المعنية أن يحضروا الجلسات وأن يشاركوا بالحوار، وأن يقدموا بعض المعلومات الإضافية.ولكن تأخذ اللجنة في اعتبارها المعلومات المتوافرة لدى هيئات الأممالمتحدة الأخرى ذات الصلة، وتتيح اللجنة مشاركة المنظمات غير الحكومية لتقديم تقارير كتابية وشفهية. ويمكن للجنة أن تطالب الدولة الطرف بقبول مهمة )بعثة( تتكون من عدد من أعضائها لزيارة الدولة وتلمس الأوضاع والحاجات المتعلقة بالخدمات التقنية والإرشادية. وعقب حوار بناء مع الدولة الطرف تجاه تقريرها، تتبنى اللجنة ملاحظات ختامية تعكس النقاط الرئيسية موضع النقاش وتحدد الجوانب الإيجابية وبواعث القلق الأساسية، كما تقوم بتحديد العوامل والصعوبات التي تعيق تفعيل العهد والمقترحات والتوصيات المطلوب إعمالها، وهذه الملاحظات هي مصدر هام للمعلومات العامة. وقد قامت اللجنة بمراجعة إجراءات رفع التقارير بعدد من الوسائل لمساعدة الدول الأعضاء في العهد على تنفيذ مواده، ففي حالة عدم كفاية المعلومات الإضافية المقدمة من الدولة بناء على طلب اللجنة غير كافية، وكانت الحالة تستدعي الاهتمام البالغ والفوري، تطلب اللجنة من الدولة السماح بإرسال بعثة لجمع المعلومات إلى الدولة المعنية، ويبقى تقرير هذه البعثة سرياً، ولكن يحق للجنة تقديم عدة ملاحظات ختامية على أساس المعلومات الواردة فيه. ولتشجيع الدول على تقديم تقاريرها في مواعيدها الدورية، تقوم اللجنة بوضع اجتماعات لدراسة حالة الحقوق المذكورة بالعهد في دول محددة، وذلك حتى في حالة عدم وجود تقرير للدولة المعنية وتعتمد اللجنة في هذه الحالة على معلومات من مصادر متنوعة، كالمنظمات الدولية والإقليمية، والمنظمات غير الحكومية. ويحق لهذه المنظمات أن تقدم معلومات كتابية فيما يتعلق بالتمتع في الدول الأطراف بالحقوق المنصوص عليها في العهد، وقد م ّ كن ذلك اللجنة من المبادرة بالتقدم بعدة طلبات للدول تطلب فيها تفسيراً لما جاء في تقارير رسمية أممية بشأن أوضاع محددة تستدعي القلق العاجل. وخلال جلساتها، تنظم اللجنة يوماً للمناقشة العامة حول حق معين من الحقوق المنصوص عليها في العهد. ومن المواضيع الرئيسية التي تمت مناقشتها موضوعات : الغذاء، والصحة، والتعليم، ودور المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، وحقوق كبار السن والعجائز، والحق في المشاركة في الحياة الثقافية، وتأثير العولمة على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتشكل هذه النقاشات مرحلة تمهيدية لإعداد "التعليقات العامة"، ويتم إيجازها في التقرير السنوي للجنة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وتقدم اللجنة من خلال "التعليقات العامة" تفسيرات قياسية للحقوق المنصوص عليها في العهد والقضايا المتعلقة بها، كما تهدف هذه التعليقات لمساعدة الدول الأطراف في استكمال التزاماتهم فيما يخص تقديم التقارير، وكذلك تعزيز وتشجيع التمتع التدريجي بالحقوق المنصوص عليها في العهد. وفي "تعليقها العام" رقم 3، حسمت اللجنة الجدل بشأن نصين واردين في العهد يجب على الدول الأطراف أن تتخذ إجراءات عاجلة بشأنهما، وهي النصوص التي تتعلق بحظر التمييز، والتي تتعلق "بضرورة الالتزام باتخاذ خطوات مدروسة وملموسة وهادفة بأكبر درجة ممكنة من الوضوح للوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في العهد"، وتشير اللجنة في هذا التعليق إلى أن على جميع الدول الأطراف أن تضمن على أقل تقدير الحد الأدنى الأساسي والوفاء بالحقوق المنصوص عليها في العهد، والاستثناء الوحيد من ذلك أن تُبين الدولة أن شح الموارد يجعل ذلك مستحيلاً. وقد ركزت "تعليقات عامة" أخرى على قضايا مثل السكن اللائق، والحق في التعليم الأساسي، والحق في الحصول على الغذاء الملائم، والحق في الحصول على أفضل مستوى من الخدمات الصحية، وحق كل فرد في الاستفادة من حماية مصالحه الأخلاقية والمادية الناتجة عن الإنتاج العلمي أو الأدبي أو الفني الذي يعود إليه، والحق في العمل، والحق في الضمان الاجتماعي، وبالمثل الحق في المياه. أ. الفاضل سعيد سنهوري مدير مرصد جبال النوبة لحقوق الانسان. [email protected]