من الغرب الأوسط تجيء لا من المركز ، من سطوة الأبوبة الذكورية تنسل كطلة زهرة مبللة بالطل من فوق سور ، تجيء ملكة الدار محمد عبد الله عروسة الرمال ، مسلحة بطموحها وعزمها وموهبتها لتقتحم عالم الأدب ولتضع بصمتها على دفتر مسيرتنا الأدبية ، أمر لم يكن هينا في ذلك الزمان ، لكنها أصرت على أن تكون الصوت لا الصدى ، الفعل لا ردته وأن لا تكون فقط نموذجا مكررا ل (شوفن جلسن حلاتن) أو (الحجروك عليّ) . لم تكن ملكة الدار في الواقع أول قاصة و روائية سودانية فحسب بل كانت واحدة من الرائدات في هذا المجال على المستوى العربي ، فإذا ما كان الثابت تاريخيا أن اللبنانية وداد سكاكيني هي أول روائية عربية بروايتها أروى بنت الخطوب (1950) فإن الفراغ العريض التي ظهرت بفارق عامين أو ثلاثة تضع ملكة الدا ر قريبة من هذا السبق ، علما بأن ملكة الدار كتبت القصة القصيرة قبل ذلك بكثير (حلاق القرية مثالا) . إن موهبة ملكة الدار لم تكن يوما موضع شك ، موهبة أثنى عليها أساتذة أجلاء أمثال الراحلين محمد عبد القادر كرف ومصطفى شرف ، جميعهم أمنوا على إمتلاكها ناصية اللغة وعلى إمكانياتها الفنية في الحبكة الروائية إضافة إلى أسلوبها الشيق في السرد وإيرادها الصور الفنية المحكمة . لقد كفل التنقل لملكة الدار بحكم عملها في كل من أمدرمان ، كسلا ، الدلنج ، مدني من أن تقترب أكثر وأكثر من تفاصيل مجتمعها ومن كيمياء العلاقة بين المرأة والرجل في ذلك الزمان فإختزنت ذلك في ذاكرتها وعقلها الباطني ليترجم ذلك قلمها قصصا شيقة ومؤثرة. كانت في ذلك أشبه بفراشة تتسلل إلى بستان فتأخذ ما تريد لتمنح الأخرين أيضا ما تريد ، لكننا دائما وللأسف ما نضيع حقنا بسبب الثالوث المميت : عدم الثقة بالنفس ، عدم البراعة في تقديم رموزنا وأعمالهم ، ضعف إعلامنا فيما الأخرين يعملون على تلميع بني جلدتهم حتى وإن كانت أعمالهم دون المستوى . ما يهمنا الآن أنه في نوفمبر القادم ستحل الذكرى ال (44) لرحيل هذه الرائعة . قرأنا كثيرا عن محاولات لجمع أعمالها ونشرها لكننا لم نحصد إلا وعدا ولا أعجب حقيقة لعدم المبالاه هذه التي نبديها دوما تجاه مبدعينا فهذا أمر قد تعودناه . هنا حري بالذكر أننا قرأنا قبل عامين أن الإستاذة (روضه الحاج) أمين الأمانة الثقافية بإتحاد المرأة بصدد الإعداد لإعادة طباعة رواية الفراغ العريض والذي طبع عام 1969 ، بشارة رائعة لكننا لا نعرف ماهو العائق الذي أدى لتأخير ذلك . إن ما نتمناه هو أن تعمل الجهات المعنية وأعني بذلك المنظمات والمراكز الثقافية : أمثال أروقة وغيرها أن تعمل على جمع كل أعمال هذه الرائعة في مجلد واحد يشمل الفراغ العريض وكل القصص القصيرة التي كتبتها ولابأس أن يتم التنسيق مع الأخت روضه في هذا الصدد مادام قد أطلقت صافرة البداية في هذا الشأن وذلك وفاء وعرفانا لهذه الأديبة الرائدة . محمد السيد علي [email protected]