٭ اميركا الالفية الثالثة أو القرن الحادي والعشرين.. وبعد ان تأكدت بانها تتربع على عرش سيادة العالم.. تحكمه كما تريد تحت مظلة العولمة الهدامة .. اخذت تدفع الى ساحاته بالمصطلحات الجديدة والمتناقضة.. مصطلحات محاربة الارهاب وهي ترعى انواعا غريبة وعجيبة من الارهاب.. ومصطلح الفوضى الخلاقة.. الذي اطلقته على لسان وزيرة خارجيتها في الربع الاول من العقد المنصرم.. وبعد حرب العراق المتطاولة وهي توزع الفوضى المدمرة. ٭ عنت لي هذه الخاطرة وانا ازحف في شوارع الخرطوم هذه الايام.. وعندما اقول الخرطوم لا اقصد المساحة المحددة بكبري النيل الابيض والنيل الازرق والمنشية.. والصحافة والحلة الجديدة.. وانما اقصد الخرطوم عاصمة السودان او العاصمة المثلثة كما كنا نسميها قبل الامتدادات المهولة.. في الكلاكلات.. ويثرب.. الفردوس.. والمنشية وشارع الستين والبراري وام درمان.. ام بدة.. والفتيحاب والمهندسين والخرطوم بحري الحاج يوسف، والدروشاب والسامراب والحلفايا، والفردوس.. ونبتة. ٭ قد لا تصدقوني ان قلت لكم اني قطعت المشوار من ام درمان حي الواحة الى الخرطوم موقع جريدة الصحافة في ساعتين كاملتين، تداعت خلالهما في ذهني صورة العاصمة المحاصرة بالألغام البيئية.. برك المياه الآسنة وجيوش الناموس والذباب واكوام القمامة مع محاولات جمعها المستمرة.. والمحاصرة بالألغام الاجتماعية كأنما تدثرت بقنابل قد تستحيل الى فجيعة في اي لحظة ولسبب قد لا يخطر ببال انسان.. اتذكرون تفجيرات السلمة وتفجيرات الافراح والمآتم.. اتتابعون اخبار اغتصاب الاطفال وخطفهم.. اتتابعون معدل الجريمة داخل الاسرة الابن يقتل والده والاخ يقتل شقيقه وشقيقته.. تلميذ الاساس يعتدي على زميله بالسكين وطالب الثانوي يقتل زميله عقب مشاجرة صغيرة.. اتتابعون اعداد الاطفال مجهولي الابوين في الطرقات وعند اماكن النفايات.. اتتابعون اخبار الاعتداء على المال العام والوان الفساد في الحياة العامة.. اتتابعون الزحام الهائل عند شاطئ النيل الازرق ناحية الفلل الحكومية.. اتتابعون الظاهرات الجديدة فتاة تغادر منزل عندما داهمته عربة النجدة عن طريق المواسير.. هذا حدث في الخرطوم واهل الانقاذ يتحدثون عن المشروع الحضاري. ٭ ساءت الامور من الفوضى السياسية وتراشق التصريحات ولغة التفلتات الامنية في دارفور وجنوب كردفان.. والنيل الازرق وتنزلت الى الشارع العام.. تستطيع ان تقرأ ذلك في ملامح الناس.. تستطيع ان تلمح العنف المتدفق بين السودانيين في الشارع ، فقد اصبح تبادل الشتائم واللكمات بين السائقين هو البديل لاتباع قواعد المرور.. بل البعض يتخذ من متاعب السير وازدحام العربات مناسبة لافراغ طاقة مكبوتة من العنف للاسف اصبحت سمة بارزة لشعب عرف على مر التاريخ بالتسامح وطيب المعاملة. ٭ الشارع في الخرطوم هو المكان الذي لا يحترم الناس فيه القانون.. لا قانون المرور ولا عرف التعامل الانساني.. ٭ غضبت عندما اصر سائق حافلة ان يأخذ الطريق عنوة وفي اثناء تجاوزه احتك بعربة جديدة فشوه منظرها، والذي حدث ان صاحب العربة خرج منها مندفعا واخذ بتلابيب سائق الحافلة وتوقفت الحركة الزاحفة اصلاً. ٭ رددت مع نفسي وانا في قمة الغضب والزهج فوضى خلاقة قال؟؟!! ٭ اقول باختصار لاهل المرور الذين يبذلون قصارى جهدهم في تفعيل ادارة اعمال القانون ضد الذين يتسببون في الزحام وقفل الطريق بمحاولة التخطي واخذ الطريق عنوة.. اما الاختناقات الاخرى فهي في دائرة الأزمة العامة التي احاطت بحياتنا كلها.. لا حول ولا قوة الا بالله العلي القدير. هذا مع تحياتي وشكري الصحافة