أولاً أود أن أشكر كل من أنفق جزءاً من وقته الغالى فى مطالعة هذا المقال المتواضع. وأخص بالشكر الذين علقوا قدحاً أو مدحاً على السواء .لأن كل ما يكتبه كاتب ما ، هو محض وجهة نظر ليس إلا .إن تعليقات القراء مهما بلغت من الشطط أو القسوة أو الإشادة ، فهى ظاهرة عافية وصحة . لأنها تكرس لتقاليد أدب الحوار ، وتجذر لثقافة الإختلاف في تحضر وسماحة ، وتوسع من رحابة الصدور ، وترفع من سقف إحترام الرأى والرأى الآخر دون إسفاف أو تجريح. ثانياً أعتذر لأننى كنت أقصد ( حلفا ) وليس ( حلايب) كما جاء في المقال ، فشكراً لكل من صوب ذلك الخطأ غير المقصود.وحتى ولو كانت " حلفا الجديدة جنة الله فى ارضه،تبقى "حلفاالقديمة " أنيناً مكتوماُ في صدور أهالى حلفا على وجه الخصوص ، وأهل السودان عامة .لن يشفى غليلهم إلا الرجوع بين الفينة والأخري لقصيدة الشاعر المبدع الراحل ( جيلى عبد الرحمن" المئذنة الغرقى " لقد كان أسم ( حلايب) حاضراً في الخاطر و أنا أكتب ،لأن حلايب برزت فجأة الي السطح هذه الأيام ،لاسيما فى أعقاب زيارة الرئيس المصرى الأخيرة للسودان ، حتى بدت كوميض النار تحت الرماد في إنتظار أن يكون لها ضرام . ثالثاً لقد فهم بعض القراء من قراءتهم للمقال ، كانما كنت أقارب بين المدينة والقرية !.أنا مطلقاً لم أقل بذلك ، وحاشا أن أوصف الريف ولا المدينة بالفساد .لأنه ببساطة كل المدائن والحواضر السودانية هى فى بنيتها التحتية وتكوينها المجتمعى وثقافتها وفنونها وآدابها وحضارتها وتاريخها ، تجسد الريف السودانى في أصالته وبساطته وسماحة أهله. حتى مدينة أمدرمان نفسها التى يتحسس منها بعض أبناء الريف هى عبارة عن ريف كبير، هكذا سميت " بالمدينة الوطن " ،لأنها إبتلعت في جوفها كل أعراق أهل السودان وكافة قبائله ،الذين قدموا اليها من أركان الجغرافية السودانية الأربعة ، فضلا عن أهل الوسط ، منذ بدايات تكوينها في عهد المهدية . هكذا إنصهر هذا الريف المتنوع في بوتقة أمدرمان، حتى أنتجت لنا إبداعها المعروف فى الفنون والآداب وثقافة المائدة السودانية ، وأسلوب الحياة الراقى والمتحضر الذى ظل وما زال ينسب الي إمدرمان . رابعاً أود أن أؤكد لكل من خرج بإنطباع سالب ، على أساس أنا ضد الريف ، بإعتبار أننى إبن المدينة !أنا من قلب الريف السودانى وقروى حتى النخاع .ولدت فى القرية وترعرعت فيها ، لعبت في مراتع الطفولة ،وسرحت بأغنامي الجميلة وهى ترعى أزهار شجر الطلح ذات اللون الأصفر الطازج " البرم " عند الفجر، وإمتطيت حمارى الصغير فى الذهاب الى المدرسة الأولوية آنذاك .لم تطأ اقدامى العاصمة إلا مع بداية المرحلة الثانوية.إما كونى " قروياً " لايجعلنى ضد المدينة أياً كان موقع المدينة الجغرافى ، ولن أكون منحازاً للريف إنحيازاً يحجب عنى رؤية الحقيقة .خاصة إذا كان من تسبب في دمار السودان وتبديد ثروته ونهب ماله العام في عهد الإنقاذ غالبهم من أبناء القرى ، ولكن نحن نضع الوطن فوق الجغرافية بمدائنها وريفها والقبيلة والعرق والدين وزمالة الدراسة ورفقة الصبا .خامسأ لم يكن على الإطلاق الغرض من المقال ، المقاربة بين المدينة والريف ،إنما كان الغرض منه تحديد ،عما إذاكان الذين تعاطوا السلطة عبر المراحل والأنظمة المتعاقبة من أبناء القرية الذين فشلوا في إدارة دولة المدينة " عهد الإنقاذ نموذجاً" .لقد كان لغياب الخبرة في فنون الحكم أو إدارة شؤون الدولة ،لأن كل ما لديهم من خبرة سياسية، كان مقصوراً في إدارة إتحادات الطلاب أبان المرحلة الثانوية ثم الجامعية . فضلاً عن إنغماسهم في متاع الدنيا وعرضها الزائل والتعدد في الزوجات ، عندما سال وتدفق المال الحرام بين أيديهم بسبب الحرمان والعوز ." مستجدو النعمة " كما يقولون ، من هنا كانت المقاربة منصبة أساسأ على النخب الحاكمة " الوزراء " تحديداً، وليس على الريف أو المدينة .تأسيساً على هذاالفهم ، فإن أبناء المدينة الذين وردت اسماءهم على سبيل المثال لا الحصر في الجزء الأول من المقال ، أي الذين إستوزروا خلال الحكومة الوطنية الأولى التى أعقبت الإستقلال ثم أثناء عهد عبود ، كانوا أكثر نزاهة وطهارة في اليد واللسان ، من أبناء القرية الذين إستوزروا في عهد الإنقاذ ،والشواهد والأمثلة لا تحصى ولا تعد .هذا ما سيأتى الحديث عنه في الجزء الأخير و الخاص بعهد الإنقاذ .أما الجزء قبل الأخير والذى نخصصه لعهد مايو الذي بدأ دموياً حيث أزال الجزيرة ( أبا ) من خريطة الجغرافية السودانة ، وسوى بها الأرض بما فىها من سكان ودواب وزرع وضرع . هذا ما سيأتى الحديث عنه في الحلقة القادمة –إنتظرونى إن كنت لا أضجركم . جعفر عبد المطلب [email protected]