إن لم يكن هو ما رأيناه ونراه الآن بشمال كردفان. في مايو 2008 توغلت قرابة مائتي سيارة بكامل عتادها العسكري والآن تكرر سيناريو مشابه في ام روابة وام كرشولا ، لك ان تتصور حال و شعور سكان هذه المناطق وهم يرون قوات عسكرية بعرباتها ليست تابعة لا للجيش و لا لشرطة البلد الذي ينتمون إليه ، في الأفلام الوثائقية بالأبيض والأسود للحرب العالمية الثانية تجد رومل، ثعلب الصحراء الألماني وقد كان يتحرك في المنطقة الممتدة من البر الغربي لمصر ، من منطقة العلمين وسيوة وحتى تونس قرابة الثلاثة آلاف كيلومتر، في هذه الأفلام تجد السكان المصريين والليبيين والتوانسة جميعا بملابس رثة آنذاك وهم يتفرجون الخواجة الأشقر و معه سيارات الجيب والمدرعات تجوب الديار، آنذاك كانت البلدان مستعمرة ولا غضاضة ان ترى قوات تجوب الديار عنوة أما بعد ما حسبناه استقلال فالمنظر يطرح تساؤلات. لم نصنع دولة ناجحة تمنع أسباب اندلاع الحروب وتكسب السكان المحليين سواء في مناطق الدولة او مناطق الحركات المسلحة عبر بإقناعهم بالتنمية، بان مصالحهم هي في التنمية والاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة وان يشعر الجميع بان الفرصة متاحة أمامهم للمشاركة السياسية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المتوازنة لجميع أنحاء البلاد، إذن يشابه حال سكان شمال كردفان بمن كانوا يشاهدون سيارات رومل ثعلب الصحراء ذات يوم، أمر معيب لا يمكن أن يحدث في دولة حديثة وصغيرة مثل ارتريا، إذ لا يمكنك ان تباغتها بمائتي سيارة من حدود كسلا حتى تدخل أسمرة ذلك لن يحدث. كما لا يمكن ان يحدث في مصر ويستحيل ذلك طبعا في إسرائيل، بل حتى الطائرة بدون طيار الصغيرة التي أرسلها حزب الله قبل أسبوع تم اعتراضها فما بالك بالسيارة، انه دفاع بالعلم والعقل وليس بالنظر. من ما رايته في المشهد لأهلنا من سكان ام روابة ولاجئي ام كرشول ، لفتت نظري ملاحظتان، الأولى هي أن الناس عامة ظهرت وهم جزء من أهلنا جميعا ولا نقول هذا من باب الشماتة لا سمح الله بل هو لتبيان الدولة الفاشلة ، ظهر الناس سواء سكان ام روابة و لاجئي ام كرشولا او المتواجدون من أنحاء السودان المختلفة في تلك المناطق وقت هذه الأحداث ظهروا جميعا بملابس اقل ما يقال عنها أنها أسمال بالية وحالة إعياء عامة بادية على سحنات الوجوه الحزينة، الأغلب والراجح عندي أن هذا هو حالهم في غير أوقات الحروب! ، وهنا المأساة الحقيقية، الدولة التي لا تحدث تنمية اجتماعية وصحية وازدهار اقتصادي لأريافها وأقاليمها لا تكون دولة إذن، في ظل الوضع الراهن حتى الجامعات في الأقاليم لم تحدث الأثر المطلوب لأنها هي نفسها تعاني من فقر ثقافي ومسرحي وفني وإبداعي، فقط أهازيج الحرب و الحماسة والمدائح..الخ ذات اللون الواحد، التنمية البشرية والاجتماعية والإبداع تلك قيم لا تزدهر إلا في مناخ آخر مغاير تماما لما هو موجود، أولى خطوات التمدن هي الاهتمام بالمظهر الشخصي والتنمية البشرية وحسن إدارة الفرد لنفسه ولمشاريعه الصغيرة وواجب الدولة الناجحة هو تنمية الريف ومدنه بمشاريع زراعية وصناعية وتحويله الى مجتمع منتج ، مرفه، مقبل على الحياة، لم تفعل الإنقاذ هذا الشيء وليس في وارد ان تفعل، النظيف الوحيد هو مكتب المعتمد بأثاثه الفخم سواء في دنقلا او نيالا او ام روابة او الحصاحيصا، اخترته لأنه أسفل سلسلة الدستوريين وأنت طالع الى الأعلى حدث ولا حرج. الملاحظة الثانية ، وهي مرتبطة بالأولى هي ان سوريا و هي بلد تدور فيها حرب مدمرة منذ سنتين ومع ذلك صحة و مظهر الناس واللاجئين وملابسهم أفضل من الآمنين او المهجرين في ام روابة وام كرشول وبقية أرياف ومدن وأسواق السودان ، الكل سواء!، أكثر من هذا، الذين هم تحت الاحتلال في الضفة الغربية و قطاع غزة، قراهم لاحظ وليس مدنهم، لا يوجد فيها منزل من طابق واحد ، لا يوجد احتكار للاسمنت هناك، المنازل في القرى من طابقين وثلاث وصحة و ملابس الناس نسبيا هي أفضل مما في السودان، الله ما كان ينعم علينا بي احتلال زي ده! الدولة الناجحة هي التي تكسب السكان المحليين بالتنمية وبأن لهم مصالح حقيقية يهبوا للدفاع عنها وتسقط ورقة التوت من الذين يحملون السلاح بتنمية مناطقهم وربطها بالطرق والكهرباء وبترك الجهوية وان يشعر الجميع بأنه بإمكانه طرح نفسه وبرنامجه في جميع أنحاء السودان باعتدال ودون تطرف وكسب الآخرين خارج روح المناطقية والجهوية السائدة الآن. [email protected]