هذه الورقة نشرت في العام 2004م في الملف الذي فتحته صحيفة الايام المعبرة عن تطلعات الشعب والصادقة في تناول قضاياه وكان عنوانه أضواء علي إقليم دارفور نعيد نشرها اليوم بمناسبة مرور 10 سنوات علي قضية دارفور وسوف نقدم دراسة متكاملة عن التطورات الدراماتيكية التي صارت فيها هذة الرؤى في السنين العشرة فرضيات وكيف توصلنا إلى (هامش الدلالات عبق الأمكنه والشخوص). اضواء علي اقليم دارفور رحل دارفور هامش الهامش (1-2) الغالي عبد العزيز احمد [email protected] تقع ولايات دارفور بين خطوط الطول 22 – 27 شرقاً وخطوط العرض 10- 16 شمالاً وتبلغ مساحتها الكلية 539 الف كيلو متر مربع وتشارك في الحدود السياسية لكل من ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطي ويقدر عدد سكانها بنحو أربعة ملايين نسمة ويسود القسم الشمالي من المنطقة مناخ صحراوي حار جاف ويتدرج إلي السافنا الغنية في الحدود مع إفريقيا الوسطي. وتضاريس دارفور عبارة عن هضبة تكثر بها الجبال والتلال خصوصاً في الشمال والوسط والغرب وأرضها رملية كثيرة الأودية والأشجار. ويعتمد سكان إقليم دارفور في حياتهم علي أنواع متعددة من الأنشطة والتي تعتبر مكملة لبعضها البعض واهم هذه الأنشطة (الزراعة والرعي) إضافة إلي بعض الحرف الأخرى التي تمارسها المجموعات لإبقاء متطلبات حياتها مثل الصناعات اليدوية والتجارة التقليدية والصيد ومن ابرز هذه الحرف والصناعات نجد صناعة (الفخار) والمشغولات اليدوية (البروش) إضافة إلي المصنوعات الجلدية (المراكيب) وغيرها. وبما أن النشاط الاقتصادي في المجتمعات التقليدية في السودان يقوم علي العملية التكاملية بحيث تمارس شتي الحرف من اجل المحافظة علي الحياة، ففي دارفور نجد ان المزارع يزرع ما يكفيه من إنتاج محصول يذهب إلي السوق كذلك الراعي ومن هنا نشأت عملية تبادلية كان يشري بعض المزارع بعض الشياه للاستفادة من لبنها لأسرته ويزداد عددها بمرور الوقت وبهذا يكون ممارساً للزراعة والرعي معا، أيضاً الرعاة الذين استقروا في القرى ففي موسم الأمطار كل فرد منهم يذهب ويزرع ما يحتاجه من محصول وبهذه الطريقة أصبحت الغالبية من السكان تمارس نفس الحرف بدرجات متفاوتة. الرحل: يطلق لفظ الرحل في دارفور علي القبائل التي تمارس حرفة تربية الإبل في الأجزاء الشمالية والغربية وهي مجموعات متعددة كالزيادية وغيرها وأكبرها حجما ما يعرفون بالرزيقات الشمالية ويطلق عليهم لفظ (الابالة) وهم يتجولون في الإقليم من خلال ثلاث رحلات في فترة الخريف يتوجهون إلي الشمال وتعرف هذه الفترة( المنشاق) وتتوصل بعد استقرار جزئي للأسر ورعاة الأغنام في مناطق المياه مثل( الدوانكي) والواحات وتعرف هذه المنطقة بدار الريح فتتوغل الإبل شمالاً إلي منطقة بئر العطرون أو (القاعة) وهذا يكون في فترة الشتاء حيث يرعون نباتات صحراوية تعرف (بالجزو) ويعرف ما بعد الجزو بالسافل حيث صحراء قاحلة لا حياة فيها، في هذه الفترة تكون مجموعات البقارة – وهم أيضا من الرحل – قد اتجهت جنوباً بأبقارها حيث يقيمون فترة قصيرة في أواسط الأجزاء الشمالية والغربية من دارفور حيث مناطق الاستقرار بالنسبة لجزء منهم في ( الدمر) في هذه الفترة يكون زمن الحصاد بالنسبة للمزارعين قد انتهي فترعي الإبل في هذه المناطق تدريجياً إلي أن تصل إلي أقصي المناطق الجنوبية من دارفور. علاقات الرحل والمزارعين: كانت دارفور مستقلة ذات سيادة خلال الفترة من 1650 – 1916 وكانت حينها تسمي (سلطنة دارفور) ومنذ العام 1917 م وحتى ما بعد الاستقلال لم تشهد دارفور سوي محاولات ضئيلة لتنميتها اقتصاديا وقد ساهم هذا التجاهل من قبل السلطات المركزية في عزل دارفور عن باقي الأجزاء الأخرى من البلاد ليس فقط علي المستوي الاقتصادي وانما علي المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية...الخ وذلك يعود الي بعدها عن المركز وضعف الروابط التي تصلها به من مواصلات جيدة وغيرها. ابرز ملامح العلاقات التي نشأت في هذه السلطنة بين الرحل والفور تمثلت فيما عرف (بالخزين) وهو ينشأ عندما تبدأ هذه المجموعات في فصل الخريف رحلة ( النشوق) فيقوم كل واحد منهم بالذهاب إلي القرية المحددة وذلك إن كان له صديق يخزن عنده او في منزله الجزء الاكثر من ممتلكاته كالعطرون والاشياء ذات الحمول الثقيلة وعند رحلة العودة ياتي وياخذ هذا الخزين أما العملية الاخرى في فترة ما بعد الحصاد والتي تسمي (الديير) فهي استغلال روث الابل والغنم في تسميد المزرعة حيث يذهب الراعي ويترك مواشيه في مزرعة صديقه لمدة يومين او ثلاثة لكي تقوم بعملية التسميد هذه او (الديير) وفي هذه الاثناء يتم التعارف بين ابناء المزارع وزوجته وابناء الراعي علي اختلاف قبائلهم ويتم تبادل المنتوجات الزراعية ومنتجات الحيوانات من لبن وسمن وغيرها، وقد امتدت هذه العلاقات فاصبحت في المنطقة المعنية تؤدي الي صداقة عميقة او ما يعرف بمصطلح (صاحب الكتاب) وهو نوع من القسم يحلفه الاثنان بان يكونوا اصدقاء وتنسحب هذه العلاقات الي الابناء والاحفاد اما في فترة الصيف فنجد ان الرحل يستغلون ابلهم في نقل الذرة من المزارع البعيدة الي القرى او الاسواق اضافة الي نقل المنتوجات من المزارع والقرى الي المدن الكبيرة وترحيل الذين يحضرون من السفر وخاصة (الدندارة) ورغم ان هذه المجموعات ترعي الابل الا اننا لا نجد لها علاقات اقتصادية تربط بينهم وبين السكان المحليين من الفور. وعلاقة الرحل بالسكان المحليين نشأت من هذه العلاقات وتمثلت في ثقافة يعرفها سكان المنطقة وسكان السودان بصفة عامة ونشأت مؤسسات تكافلية قديمة (النفير) و (الفزع) و(الجودية) وغيرها من مؤسسات المجتمع التقليدي. مساهمتهم في الاقتصاد الوطني: كانت الثروة الحيوانية والي عهد قريب تمثل اهم صادرات السودان، وفي إقليم دارفور نجد طرق القوافل التجارية القديمة قدم الإنسان نفسه مثل(درب الأربعين) وغيره وقد ساهم الرحل في دارفور في الاقتصاد الوطني بعملية التصدير التي يقوم بها بعض التجار من المركز وقد عرفت اسر معينة بتصديرها للإبل إلي مصر وليبيا وارتبطت أسماءها بهذه المهنة، فعندما تتحرك(الدبوكة) وهي تساوي مائة من الابل في طريقها الي مصر نجد ان مثل هذه الرحله تضم (الخبير) وهو قائد الرحل اضافة الي عدد من الرعاة وبعد وصولهم يقومون بشراء بعض البضائع ويحضرون لبيعها في أم درمان ومن عملية تجارة الإبل هذه نشأت أسواق في كل من مصر وليبيا وارتبطت بهذه التجارة (مدينة الكفرة) ليبيا (وسوق دراو) و(امبابة) في مصر ، حضور هؤلاء الرعاة الي السودان كانوا يستقرون في منطقة بالقرب من سوق ام درمان: الحالي وفي مقابلة مع الخبير ( رمضان جار النبي 87 سنة) يقول ( كان السوق في الوقت داك اِسمو (سوق الريافة ثم تم ترحيلهم الي منطقة السوق الشعبي ام درمان الحالية بنفس الاسم وعندما توسع السوق إضافة الي انقطاع هذه القوافل فترات استغل السوق من قبل التجار المحليين وتم ترحيل سوق الريافة الي منطقة سوق ليبيا الحالية وسمي بسوق ليبيا كانت معظم البضائع التي يستوردونها تتمثل في المشمعات خاصة تلك التي تستخدم في التنجيد وفرش المنازل اضافة الي الملبوسات والبطاطين والاواني المنزلية فهم يعتبرون المؤسسين الحقيقيين لهذه الاسواق أي( السوق الشعبي وسوق ليبيا) اضافة الي العملات التي كانت تدرها عمليات التصدير هذه لخزينة الدولة وكانت هذه القوافل هي الرابط الوحيد بين الاقليم وبقية انحاء العالم في تلك الطرق التقليدية مثل درب الاربعين وغيره ويلاحظ ان هذه الرحلات قد نشأت اسواق في مصر وليبيا ( مستقلة لهذه الابل واسواق اخرى في الداخل مستقلة لرأس المال) دون أي اعتبار لدور المنتجين من الرحل. معهد الدراسات الافريفية والاسيوية جامعة الخرطوم رحل دارفور هامش الهامش (2-2) بما ان العنصر البشري هو اغلي الاستثمارات وبدونه يصبح الحديث عن التنمية في جوانبها المختلفة جهداً ضائعاً وتتحمل القوى السياسية التي تعاقبت علي سدة الحكم منذ الاستقلال مسؤولياتها تجاه الإنسان في الريف السوداني بصفة عامة والرحل بصفة خاصة اذا تناولنا الرحل من خلال سياسات الحكومات المتعاقبة وانسحاب هذه السياسات علي المشاريع الحياتية بالنسبة لهم والمتمثلة في ( الاستقرار – التعليم – الصحة). الاستقرار: بما ان هذه المجموعات هي مجموعات متنقلة وقد تنتظم الامطار في بعض المواسم فتتم رحلاتها كما كانت متعارفة ولكن في الفترات الاخيرة قلت نسبة الامطار في الشمال مما جعل الحصول علي الماء مشكلة فتضطر هذه المجموعات الي العودة في رحلة الرجوع نحو الجنوب مما يجعلهم يصطدمون بالمزارعين وتنشأ بعض الاحتكاكات التي كانت تحل بواسطة الاجاويد وغيرها من اشكال العرف الاهلي ( والجودية) وقد أشار دكتور ادم الزين ( ان الاجوادي يكون مهموماً باعادة الصلات الطيبة بين الافراد المتنازعين ولا يهدف الي نصرة طرف علي الطرف الاخر وقد لعبت هذه الممارسات دوراً هاماً في المحافظة علي التعايش السلمي بين الافراد. والجماعات في الاقليم وعزا دكتور ادم الزين: تراجع هذا الدور المؤثر للجودية لاسباب كثيرة من اهمها معادات المركزية للتراث الاداري الاهلي وسوء استغلال جهاز الدولة لمؤسسة الاجاويد. وقد زادت هذه الاحتكاكات ولم توفر حتي ولو بالجهد الشعبي عدداً اضافيا من الموارد المائية سواء اكانت (دوانكي) أو (خزانات) حيث ان هناك اثنين من هذه الدوانكي في شمال دارفور وهي قد تم انشاؤها في فترة الاستعمار وتعمل حتي اليوم وقد فاقت ثروة الرحل امكانات هذه الدوانكي مما اضطر احد شيوخ هؤلاء الرحل الي اقتراح مشروع لاستقرار الرحل في عهد الطيب المرضي حاكم الاقليم انئذ وتبلورت الفكرة في تجزئة المشروع الي مرحلتين مرحلة الاستقرار الجزئي ويقول الدكتور ادم الزين( جاء الاقتراح من احد شيوخ الرحل بفترة الاستقرار الجزئي، ثم مرحلة الاستقرار الكلي وتحمس المواطنون للمشروع وتبرع له الزغاوة بمبلغ عشرين الف جنيه، اما الرحل انفسهم المستفيدون بالدرجة من المشروع فقد التزموا بالتبرع بالف رأس من الابل). وقد توقف العمل في هذا المشروع بالرغم من ان الاستقرار يعني اقامة المزارع الرعوية كبديل للرعي المتنقل اضافة الي ان الاستقرار يساعد في عمليات التعليم والتنمية بصفة عامة وكان هذا في فترة حكم الجنرال نميري. ولا نعرف الان اين ذهبت اموال هذا المشروع وكيف صرفت ولماذا فشل؟ كغيره من المشاريع الكثيرة في الريف السوداني. التعليم: بما ان التعليم لا يمكن ان يتم بدون الاستقرار لهذه المجموعات فان نسبة الامية الان في محلية الرحل في شمال دارفور تمثل 97% مما جعل المركز يستغل هذه المجموعات في الاستقطاب السياسي ويتم هذا الاستقطاب للقبيلة في ظل الانظمة التي تعاقبت علي حكم السودان وفي غياب الوعي اصبح حرص الانظمة السياسية المركزية في بحثها عن التأييد الشعبي تلجا الي نيل التاييد القبلي أولاً ورأت بعض الاحزاب ان التعليم قد يؤثر في هذه المناطق ولذا من الضرورى الابقاء علي هؤلاء للمحافظة علي هذه الاشكال من الممارسة السياسية خاصة من جانب الاحزاب الدينية والعقائدية التقليدية. هذا اضافة الي ان هناك مدارس انشئت في بعض القرى وكانت هذه المدارس لها داخليات ولكن نظام الداخليات انهار بسبب سياسات المركز الفوقية وحينما نقسم التعليم الي تعليم بنين وبنات انعدمت في هذه المجتمعات عمليات تعليم البنات مما يزيد من معاناة المرأة في مثل هذه المجتمعات وخاصة نواحي الصحة العامة والانجاب وغيرها من الحقوق وينطبق علي كل انواع الخدمات في المنطقة. سياسة التفقير والتهميش : بالرغم من العلاقات التي نشأت بين الرحل وتجار المواشي الممثلين في مجموعات البيوتات التجارية في المركز نجد ان هذه العلاقة لم تتجاوز الاستغلال من قبل هؤلاء التجار لاولئك المنتجين ولم تبني أي شراكة خاصة او اسرة خاصة من مصدري الابل تحديداً أي مشروع يعود بنفع للجانبين معاً. اما الدولة فلم تسهم باي مشروع يسعي الي تطوير شكل الانتاج وغيره رغم الجباية المتمثلة في الزكاة والضرائب والرسوم التي وصلت الي بئر العطرون فنجد انها لم تسهم في ايجاد حلول المشكلات مثل المياه والاستقرار والتعليم والصحة وغيرها ولم تتبني أي حكومة أي فكرة لتطوير هذه المجموعات كل هذا او غيره وجعل هذه المجموعات محوراً لصراعات عديدة حتي تغيرت وتخلخلت البني العلائقية بينها والمجموعات الأخرى وبعد ان كانت العلاقات اخوية تسودها روح الود أصبحت علاقات تنافر ونشأت الصراعات القبلية وبرزت ظواهر كالنهب المسلح ودخل العامل السياسي مستهدفاً هذه المجموعات وبرز دور الانتهازية وسط ابناء هذه المجموعات التي استغلت كل الظروف الحياتية بالنسبة لهذه المجتمعات ووظفتها لمصالحها الخاصة ففي احدى القرى وقف نائب دائرة الرحل الذي فاز بالتزكية بواسطة( العمد) واستعرض برنامجه السياسي فكان حديثه يدور حول سوف يسعي الي إسماع صوتهم عبر الاذاعة ، فاذا كانت المجموعات المهمشة في السودان تري سيطرة الثقافة الاحادية في اجهزة الاعلام وغيره فان هذا النائب البرلماني قال ( ان شاء الله كل ما تفتحوا الاذاعة تسمعوا صوت الرحل) وهم يهتفون له، وما زاد الطين بلة تلك الاتفاقيات التي تسمي بالحصرية والتي بموجلها قد تم بيعهم وممتلكاتهم وثروتهم الحيوانية وهي اقصي مرحلة من مراحل الاستنزاف التي وصلت اليها هذه المجموعات بفعل السياسات العقيمة . معهد الدراسات الإفريقية والأسيوية 2004م مارس جامعة الخرطوم