سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكم الوطني ضحية ( الأخوة الأعداء ) واستحالة التوافق بين ( تناقضات العقائديين) حلقة أخيرة
نشر في الراكوبة يوم 24 - 06 - 2013

كيف يسود حكم الشعب وهو فاقد الثقة في كل القوى التي أفشلت الحكم الوطني مدنية وعسكرية
أن تكون مستعمر لدولة ديمقراطية أفضل من أن تكون مستقلاً في دولة دكتاتورية
الحلقة الأخيرة الجزء الرابع
قدمت في الجزء الثاني من الحلقة الأخيرة الخطوات التي يمكن أن ترد للجنيه السوداني اعتباره والتي تؤدى تلقائيا لتحسن كبير في حياة الغلابة الذين يمثلون الشعب السوداني باستثناء القلة التي تتضرر من تراجع سوق الدولار واستقرار الجنيه السوداني وما يتبع ذلك من قيود في الاستيراد ورقابة على الأسعار وحظر استيراد السلع الكمالية والفاسدة
وفى هذا الجزء أتناول جانبا هاما من الهم الوطن بل هو المفتاح لحل مشكلات السودان التي عجز عنها الحكم الوطني منذ احتفينا بجلاء الاستعمار والذي راح ضحية التحالف بين ( الأخوة الأعداء ) واستحالة التوافق بين(تناقضات العقائديين) لهذا فان مشكلات السودان لن تحل إلا إذا أصبح الشعب هو الذي يحكم نفسه فالشعوب لا تعادى بعضها البعض ولا تتعارض مصالحها و متى علت كلمتها تسود الدولة العدالة والمساواة فالشعوب لا تظلم وهذا ما افتقده السودان منذ عرف الحكم الوطني وان لم يفقده تحت الاستعمار
لهذا إن كان على رأس ما حددته في متطلبات المرحلة كيف نؤسس حكما ديمقراطيا يكون الشعب فيه هو السلطة وان يكون الحاكم خادماً له وليس سيدا عليه وخاضعا لمحاسبته. لان الديمقراطية كما أوضحت في حلقة سابقة هي أن يحكم الشعب نفسه ولا تحكمه أحزاب معزولة عنه أو بتعبير اصح عزل نفسه عنها لأنه فاقد الثقة فيها لأنها تتصارع من أجل السلطة كهدف وغاية في ذاتها لتحقيق رغباتها هي وليس تحقيق رغباته كما هو الحال في السودان فتستأثر بخيرات البلد على حساب المواطن. وهو عاجز عن محاسبتها أما لعدم وجود مؤسسات حزبية ديمقراطية أو لأنه يتعرض للقهر بالقوة كما هو الحال عندما تحكمه دكتاتورية عسكرية أو تحالف بينها وبين الأحزاب لما تلتقي المصلحة المشتركة.
إنها حقيقة مهما كانت مؤسفة ومحبطة فإننا في السودان لم نعرف حتى اليوم ولن نعرف تحت ظل الأحزاب السياسية القائمة و تدخل العسكر لن نعرف حكما منحازا للشعب .
فالاستقلال مضمون لتحقيق طموحات شعب و وليس شكلاً وهمياً أو غطاء لتحقيق مصالح فئة مميزة منه فيصبح بذلك اسما يندم المواطن عليه متى كان حاله أفضل تحت الاستعمار وهذا كان حال المواطن رضينا أو أبينا.
وما كان المواطن السوداني ليفقد الثقة في الحكم الوطني لولا انه افتقد ديمقراطية الحكم التي تعنى إن كلمة المواطن هي الأعلى واقعاً ولا طريق لهذا إلا عبر أحزاب سياسية مؤسسية ديمقراطية قوامها الهرم القاعدي تسوده علو كلمة المواطن فوق القيادة على مستوى الأحزاب قبل الحكام وهذا ما لم يعرفه السودان ولن يعرفه تحت طبيعة القوى السياسية الحالية بمختلف مكوناتها.
ويا لها من مفارقة أن يكون إحساس المواطن بعد تجربة ما يقارب ثلاثة أرباع قرن من الحكم الوطني بأنه أفضل له أن يكون مستعمر لدولة ديمقراطية السيادة فيها للمواطن من أن يكون عبدا لدكتاتورية متخفية بثوب زائف من الديمقراطية تحت راية استقلال يفتقد المحتوى تحت ما يسمى( الحكم الوطن ي)
لهذا وان لم يندم الشعب على رحيل الاستعمار فانه بلا شك تقتله الحسرة عليه لأنه على الأقل كان تحت حكم دولة مستعمرة تسودها المؤسسة الديمقراطية حيث تعلو كلمة المواطن على السلطة بدلا من أن يعيش اسما تحت دولة مستقلة الكلمة فيها لحكام لا يخضعون للمواطن في دولة تسودها الدكتاتورية بأنواعها المختلفة. المدنية والعسكرية
ولعلني بهذه المناسبة أعود لواقعة تاريخية كشفت عنها المستندات التي أفرج عنها الانجليز بعد خمسين عاما والتي تؤكد كيف يكون الحال عندما تكون مستعمر لدولة ديمقراطية.
لقد اطلعت على بعض المستندات طرف رحمة الله عليه بشير محمد سعيد والتي كان يعد لإصدار كتاب حولها لا اعلم ما هو مصيره بعد رحيله تكشف الكثير عن إن الفترة التي سبقت الاستقلال وكان السودان يومها يخضع لحزبين كبيرين أو لطائفتين بتعبير أدق يخضعان للنفوذ الأجنبي من حيث المولد والرعاية والتبعية ويا لها من مفارقة فبالرغم من إنهما في قمة العداء والتناقض إلا إن رغبتهما في السلطة فرضت عليهما أن يكونا حليفين ضد الديمقراطية حتى لا تنشأ حركة حزبية ديمقراطية خارج نفوذهما فاستحق تخالفهما ان نسميه تحالف( الأخوة الأعداء )
فحزب الأمة الموالى للانجليز يومها خاطب الحكومة البريطانية طالبا الدعم المادي للحزب لمواجهة الدعم المادي الذي يتمتع به الحزب الوطني الاتحادي من مصر التي ترعى الحزب ولكن الحكومة البريطانية اعتذرت عن الاستجابة للطلب بحجة إن المال حق المواطن الانجليزي دافع الضرائب وانه لا يحق لها أن توظفه في غير أغراضه ولكنها اقترحت بديلا لهذا الطلب أن تدعم الحزب بطريق غير مباشر عن طريق المشاريع الزراعية وهذا وحده يكشف غالى أي مدى كانت أحزابنا مرهونة للقوى الأجنبية كما إنها تؤكد احترام الحكومة الاستعمارية للمواطن لأنها تخضع لرقابته ومحاسبته.بحكم انه صاحب الكلمة في الأحزاب السياسية
وهى الحقيقة مهما أغفلناها تاريخيا فان الحكم الوطني في مراحله الأولى كان زهينا أو تحت قبضة حزبين لا ثالث لهما وكلاهما صناعة أجنبية خاضعة وموالية لدولتي الاستعمار .
الحزب الوطني الاتحادي الأكبر كما أثبتت صناديق الاقتراع لم يكن إلا صناعة مصرية لكيان سياسي موالى لها حيث ولد تحت رعايتها لتحقيق وحدة وادي النيل أي الوحدة بين مصر والسودان وقد اعتمد في تكوينه على طائفة الختمية بالرغم من انه ضم كيانات أخرى هلامية إلا إن الطائفة أحكمت قبضتها واحتكارها له في نهاية الأمر ليصبح حزب طائفة وليس مؤسسة ديمقراطية مستقلة بعدان فشل قادته غير الموالين للطائفة في تحرير الحزب وبنائه ديمقراطيا ليصبح حزبا خالصا للطائفة.
.أما حزب الأمة فلقد كان صناعة انجليزية ولا يخلو الموقف هنا من مفارقة فتاريخ طائفة الأنصار يقول إنها كانت من ألد أعداء الانجليز بل سقط في مواجهتهم آلاف الضحايا من مريديهم من الأنصار بل هم الذين قتل غردون باشا على يدهم إلا إن حزب الطائفة انقلب فجأة من العداء التاريخي للانجليز للتحالف والتبعية معهم ليصبحوا ألد أعداء مصر لهذا ضمهم تحالف مصلحي كان دافعه كراهية الطائفة لمصر من جهة وكرد فعل لدعم مصر لطائفة الختمية ولمطامع خاصة إن يصبح زعيمهم حاكما للسودان تحت التاج البريطاني وضمن منظومة الكومنولث.
هكذا كانت نشأة الحزبين التاريخية لهذا فكلاهما صناعة أجنبية. وبقيا تحت الرعاية الأجنبية لهذا لم يكن غريبا أن يعتمدا على تمويل طرفي الاستعمار لعدم توفر أي إمكانات ذاتية لأي منهما لعدم وجود عضوية منظمة تساهم ماليا
الآمر الثاني والذي يتعلق بالحزبين الطائفيين وهما الأكثر هيمنة لفترة الحكم الوطني ولا يزالان إن كلاهما أصبح زهينا لأسرة زعماء الطائفة يتوارثون السلطة كما يتوارثون الأراضي حيث تنتقل زعامة الحزب من الوالد للابن للحفيد وهكذا تبقى كلمة الحزب حكرا على الأسرة لهذا فكلاهما شكل طبقة مميزة عن الشعب في كل شيء في النفوذ والجاه ويمثلان في ذات الوقت واقعا دكتاتوريا ربما يكون أكثر خطورة من دكتاتورية العسكر لان دكتاتورية العسكر تنتهي بنهاية الحكم ولا يتوارثها الأبناء كما هو حال السلطة تحت ظل الطائفة يتم توارثها من الأبناء جيل لجيل كما يؤكد واقع الفترة التي يشهدها الحكم الوطني حتى اليوم ولا يزال يشهدها وسيبقى كذلك ما لم تحدث ثورة حزبية تقتلع الهيمنة الطائفية من الجذور وتقصيها عن دائرة العمل السياسي .
فحزب الأمة انتقلت زعامته من السيد عبدالرحمن المهدي لابنه السيد الصديق( لهما الرحمة ) ثم للحفيد السيد الصادق ولم يكن قد بلغ الثلاثين من العمر عندما أصبح الزعيم وهاهو السيد عبدالرحمن الصادق والذي يمثل الجيل الرابع للأسرة الآن على رأس السلطة في القصر الجمهوري دون أن يقفز إليه عبر أي إرادة جماهيرية وبجانبه نخبة من الأبناء والبنات كل سيحتل مركزه زعيما على السودان. أو شريكا في مواقع السلطة
وهكذا الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي انتقلت الهيمنة عليه لطائفة الختمية وهاهو القصر قد دخله ابن الزعيم مؤسس الطائفة السيد احمد الميرغني رحمة الله عليهما كما إن الزعيم الحالي السيد محمد عثمان الميرغني القابض على مفاصل الحزب يقدم ابنه جعفر الميرغني الذي لم يسمع به احد إلا يوم أعلن في رئاسة الجمهورية بالقصر الجمهوري حاكما لكل السودان دون أن يكون له أو لأي من أبناء الأسرة رصيد وطني تاريخي يبرر بلوغه هذا الموقع من السلطة غير إنهم سلالة الأسرة المالكة للحزب. كما هو الحال في حزب الأمة .
لم يقف دور الطائفتين على احتكار السلطة والهيمنة بل أنهما يتحملان المسئولية التاريخية في إقحام القوات المسلحة في السياسة وذلك بعد أن أحس زعيما الطائفتين وبالرغم ما بينهما من عداء وتضارب بان هناك خطر على نفوذ الطائفتين لو إن الحزب الوطني الاتحادي الذي افرز قيادة سياسية حظيت بقبول جماهيري يملك الإطاحة بنفوذها لو نجح في تأسيس مؤسسة حزبية ديمقراطية خارج وعاء النفوذ الطائفي فما كان من زعيمي الطائفتين إلا أن يطيحا بالبرلمان وان يباركا الخطوة التي أقدم عليها رئيس الحكومة عن حزب الأمة بتسليم الحكم لقيادة القوات المسلحة في انقلاب عسكري 17 نوفمبر58 حتى إن رحمة الله عليه السيد محمد احمد محجوب وصف بيان السيدين لتأييد استيلاء العسكر على السلطة بأنه نهاية الديمقراطية في السودان وقد صدق فلقد كان ذلك الحدث تأكيدا لنهاية الديمقراطية في السودان التي ولدت ميتة نشأة ثم شبعت موتا بعد بيان السيدين بعد أن أصبحت القوات المسلحة لاعبا أساسيا في السياسة وجزءا من منظومة الحكم.حيث انتهى السيناريو بهيمنة الطائفتين على الحزبين ولا تعفى القيادات الوطنية من هذا المصير الذي انتهى إليه اكبر حزبين خاصة الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي عادت قيادته وأسلمت أمره للطائفة بعد أن تحرر منها
فهل يمكن أن تسود البلد ديمقراطية تحقق حكم الشعب والديمقراطية تحت قبضة الطائفتين؟
أما الحديث عن الأحزاب العقائدية فيطول فان كانت الأحزاب الطائفية صناعة أجنبية للاستعمار بشقيه فان الأحزاب العقائدية لم تكن من رحم الوطن مولدا وإنما هي فكر عقائدي مستورد من الخارج لهذا كان من الطبيعي إن تفشل في أن تكون بديلا مشروعا لتأسيس ديمقراطية في السودان بل أصبحت شريكا أساسيا في إقحام العسكر في النظام و السياسة وهذا طبيعي مع فكرها العقائدي ذلك لان كل التكوينات العقائدية مستوردة من فكر أحادى النظرة دكتاتوري المحتوى
دون استثناء.
ولعل ضريه البداية في استيراد الفكر العقائدي في السودان كان الحزب الشيوعي السوداني ومن كلمة شيوعي التي تزين مسماه فما تؤكده القاعدة الأساسية لرؤاه السياسية إنها تنبع من نظرية فلسفية عالمية عرفت بالماركسية اللينينية مما يؤكد إنها أجنبية المولد فكرا وليس من رحم الوطن وان استهدف من استوردوها خدمة الوطن ولكن في إطار وفكر مستورد يرفض الديمقراطية اللبرالية حيث نشأت النظرية نفسها خصما على هذه الديمقراطية باعتبار إنها تمكن طبقة الرأسمالية من الهيمنة على الحكم وعلى خيرات البلد لحساب طبقة بعينها وان غالبية الشعب المصنف بالطبقة العاملة والمنتجة بانها الطبقة المتضررة ومهدرة الحقوق.
ولهذا فان النظرية تقوم على أن تثور الطبقة العاملة في وجه الطبقة الرأسمالية القابضة ومحتكرة للحكم وتأسيس سلطة الطبقة العاملة والتي تقوم نظريا على إن الحزب الشيوعي المصنف فكريا بأنه هو حزب الطبقة العاملة وانه هو الذي يتولى السلطة نيابة عن هذه الطبقة والتي تصبح الطبقة هي الوحيدة في البلد بعد تصفية الطبقة الرأسمالية.
نظريا الفكرة تبدو مقبولة لكل الشعوب ولكن الواقع إنها في النهاية سلطة دكتاتورية يهيمن عليها حزب بعينه بحجة انه ممثل الطبقة العاملة وان هذا الحزب صفوى العضوية تتبعه منظما ت جانبية الأمر الذي يعنى إن الحكم الذي تقوم عليه هذه النظرية لا يمكن أن يكون مؤسسا لدولة ديمقراطية وإنما لحزب واحد ديمقراطي فالديمقراطية تحت ظل النظرية وقف على عضوية الحزب ولا تقبل بأي إطار يقبل بأحزاب منافسة على السلطة خارجها وبهذا فهي نظام دكتاتوري أيا كانت المبررات.
هذا من الجانب النظري ولكن الأهم واخطر إن الواقع عند تطبيق النظرية في الدول التي نجحت فيها ثورات الطبقة العاملة واستولت أحزابها الشيوعية على الحكم إنها وان نجحت في تصفية الطبقة الرأسمالية المميزة حيث أصبحت كل وسائل الإنتاج ملك عام للدولة ولم تعد هناك طبقة رأسمالية تتميز على الشعب فان الأحزاب الشيوعية الحاكمة استبدلت تميز الطبقة الرأسمالية على الشعب بتميز قيادات الحزب ومؤسساته الجانبية من تنظيمات عمال وطلاب وشباب ونساء لطبقة مميزة عن الشعب مسماها طبقة الحكام بدلا عن الرأسمالية ( وبالمناسبة هذا ما يعمل به المؤتمر الوطني اليوم ) مما أدى لنفس الغبن لدى العامة كما هو الحال في مواجهة الطبقة الرأسمالية لهذا سقطت النظرية عند التطبيق العملي وانهارت النظم الشيوعية الواحدة تلو الأخرى بثورات قامت بها نفس الطبقة العاملة التي جاءت بهم للحكم لتعود هذه الدول من جديد للديمقراطية اللبرالية .
إذن فان الحزب الشيوعي هو بلا شك حزب نظرية مستوردة دكتاتورية فان حاد عن النظرية فانه لا يصبح شيوعيا لان الكلمة لها مضمونها ومحتواها لهذا كان من الطبيعي الا ينجح الحزب في أن يؤسس لنظام ديمقراطي وهو يقوم على فلسفة تتعارض معه مبدأ ولعل الشهيد عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الذي استشهد على اثر حركة عسكرية للاستيلاء على السلطة وضد نظام مايوى عسكري كان الحزب فيه حليفا وشريكا في مؤسساته قبل أن تتصعد الخلاقات إنما يؤكد دكتاتورية الفكر الشيوعي وعدم أهليته لان يكون داعية لمنظومة ديمقراطية تتعدد فيها الأحزاب وتتباين في الرؤى الإستراتيجية لعل الشهيد عبدالخالق وعقب ثورة أكتوبر 64 والتي كانت ثورة شعب ضد دكتاتورية نوفمبر العسكرية التي جاءت بها الطائفية فلقد اتسعت رؤياه للخروج من نفق دكتاتورية الفكر الشيوعي وما تشكله من حاجز بينه وبين الشعب وبين النظام اللبرالي فسعى لان يخرج الحزب من دائرة الفكر الشيوعي لما تحويه من تناقضات مع البناء الديمقراطي فاقترح أن تسقط كلمة الشيوعية عن الحزب وان تفتح أبواب الحزب جماهيريا وليس صفويا إلا انه تعرض لثورة غضب داخل الحزب اتهم على أثرها بالانحرافية واجبر على التراجع عنها بان ينقد نفسه ذاتيا ويغترف بأنه كان مخطئا في نظرته
.إذن ومهما كابرنا فانه حزب لم يكن مخاضه رحم السودان وانه يقوم على فكر أحادى دكتاتوري حتى وان لبس ثوبا ليبراليا فنظريته ترفض الليبرالية واعترف شخصيا هنا إنني من الذين انتموا لهذا الحزب منذ مطلع الستينات حتى منتصف الثمانينات لأنه لم يكن هناك بديلا للأحزاب الطائفية حزبا غيره يقوم على فكر
وبهذا الفهم فانه يمثل وضعا متناقضا مع الأحزاب العقائدية التي تحمل فكرا مضادا بل نقيضا له مما يستحيل به أن يلتقيا تحت مظلة حكم واحد والتي تقوم نظرياتها على فلسفة مغايرة للحكم بل وعلى طريقين نقيضين
يستحيل أن يجتمعا في نظام واحد وهذا هو ما يشهده السودان حاليا. وأي نظام ديمقراطي يجمع بينهما يصبح أمرا مستحيلا لان كلاهما لا يقبل بالأخر وان ادعى أي منهما ذلك
تبع تكوين الحزب الشيوعي أحزاب عقائدية أخرى تحمل نفس الطابع اليساري ولكن المفارقة فيها أنها وان لم تولد من رحم الوطن فلقد كانت بالإضافة لذلك أحزابا تقوم على نهج أفراد استولوا على أنظمة حكم عسكريا في دول أخرى لهذا فهي إفرازات أفراد قادتهم طموحاتهم للحكم أن يسخروا المؤسسات العسكرية لقهر شعوبهم والاستيلاء على الحكم والذين انتهت أكثرية أنظمتهم بثورات ضدهم ومن بقى منهم يواجه ثورة شعبية لاقتلاعه وعلى رأس هؤلاء الإفراد أو الزعامات الزعيم المصري جمال عبدالناصر الذي يقوم عليه الحزب العربي الناصرى وهو جنرال عسكري استولى على حكم مصر بانقلاب عسكري وهكذا الحال مع أحزاب البعث التي نبعت من انقلابات عسكرية عراقية وسورية والتي تشتت لأحزاب عقائدية مستوردة وموالية وممولة من أنظمة عسكرية لكل هذا فهي فاقدة الأهلية لتؤسس مؤسسية حكم حزبي ليبرالي ديمقراطي وهى في الأصل تقوم على مرجعيات انقلابية
أما تاريخ السودان الحديث فلقد شهد أيضا مولد منظمات حزبية إسلامية وهذه المنظمات أو الأحزاب لأنها نفسها مشتتة لعدة أحزاب ومنظمات إنما هي نفسها صناعة أجنبية من إخراج المعسكر الغربي بقيادة أمريكا والذي استهدف بها استغلال الدين الإسلامي لوقف زحف الشيوعية على الدول العربية حيث استغلها في تصفية المعسكر الشرقي والذي بموجبه آلت السيادة في العالم للمعسكر الغربي فالغرب هو الذي وضع الأساس لهذه الحركات وهو الراعي والممول وان كانت تحالفت معه عندما كان يجمعها معه غرض واحد هو مناهضة الشيوعية ولكن الأهم من هذا كله إنها تقوم على نظرية فرض حكم ديني واحد لا يتواءم مع دولة متعددة الأديان وبحكم رؤيته الدينية التي تشكل قوام فلسفته لفرض حكم بعينه فهو دكتاتوري الفكر كما هو حال الأحزاب العقائدية الأخرى وكذلك هو نفسه لم يكن مخاض الرحم السوداني وإنما هو مستورد على نفس النهج بل وتاريخيا فا ن العالم لم يعرف مولد تنظيم ديني إسلامي ى إلا تحت رعاية المعسكر الراسمالى الغربي ( غير الإسلامي للغرابة) ولكن الغرب يومها عندما سعى لتبنى تنظيمات إسلامية في الدول العربية إنما كان يهدف لخلق قوى رافضة ومتناقضة لمحاربة انتشار المد الشيوعي الذي اجتاح الدول العربية لهذا وكما كان المعسكر الشيوعي هو الراعي والممول للأحزاب الشيوعية فان الغرب وتحديدا أمريكا فهي الراعي والممول للتنظيمات الإسلامية التي نشأت تحت حضنها ورحمها بل وتمتد المفارقة إلى إن غالبية كوادر هذا المنظمات الإسلامية القيادية تلقت تعليمها وتدريبها في الغرب ولا يزال الغرب متغلغلا وسط أغلبية قياداتها.
فلقد تبنت أمريكا الحركات الإسلامية لمناهضة الشيوعية لمعرفتها بتناقض الفكر من الجانبين ولهذا فان الحكم الوطني في السودان إذا كانت تتجاذبه طائفتان عدوتان متحالفان في ذات الوقت للحفاظ على مصالحهم المشتركة فان الحكم الوطني على الجانب الآخر بقى أيضا متنازعا بين تيارين عقائديين متناقضين لا يمكن أن يلتقيا لهذا لم يكن غريبا أن يرتبطا كلاهما بانقلابات عسكرية فطبيعة تكوين كل منهما وفلسفته في الحكم تقوم على إقصاء الآخر لاستحالة التوافق بينهما فكريا. لهذا ظللنا نشهد إن كلما كان الانقلاب يساريا اكتظت السجون بالإسلاميين وكلما كان الانقلاب إسلاميا اكتظت السجون بالشيوعيين . .
الأمر إذن كان بالنسبة للغرب مصالح عرف كيف يوظف فيها الحركات الإسلامية ضد الشيوعية ولكنه لما قضى حاجته وهيمن على العالم بعد تصفية المعسكر الشيوعي برزت تناقضاته مع الحركات الإسلامية فبدأ مرحلة جديدة في أن يسخرها لمصالحه في تشتت الدول التي يخطط لتقسيمها مستغلا تغلغله في كوادرها عالميا وإقليميا حيث انه الآن يستغل الخلافات الدينية والعنصرية في السودان تحت ظل الحكم الإسلامي وفى ذات الوقت نراه يستغل في دول أخرى لا تواجه تناقضات دينية فيسخر التناقضات بين الحركات الإسلامية نفسها حيث يسخر الصراع بين الشيعة وأنصار السنة في العراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول التي ليس له مدخل فيها غير استغلال الخلافات الدينية مما جعل الكثير من الحركات الإسلامية إنها لا تزال تحت قبضته أو له جيوب فيها لفرض مصالحه والسودان لا يخرج عن دائرة مخططه هذا.
فهل أكون مخطئا إذا قلت كيف يسود حكم الشعب لنفسه تحت ظل هذا الواقع الحزبي مما افقد الشعب ثقته في الكيانات السياسية خاصة وان الأمر ازداد سوءا وخطرا بعد أن سادت السودان ظاهرتان:
1- أن يفرز هذا الواقع نشأة أحزاب عنصرية جهوية فرضها تجاهل مصالح المناطق المهمشة أو فرض الحكم الإسلامي عليها ليزداد واقع الأحزاب تعقيدا لان النظرة العنصرية والاحتقان الديني سيساعد على تحقيق التآمر الأجنبي لتقسيم السودان وهو الخطر الماثل اليوم ويسير بنجاح بعد أن أصبحت كل القوى السياسية أدوات في يد الغرب وهذا ما أفصلت الحديث فيه في حلقات سابقة
2- أن تنتشر جرثومة تسجيل أحزاب هلامية لا وجود لها في الشارع السوداني دافعها الاستئثار بأي نصيب في السلطة وهو ما تؤكده مكونات الحكم اليوم مسميات لأحزاب في السلطة لا يلمس لها احد وجودا في الساحة السياسية وأضعاف مثلها يجرى تكوينها لذات الغرض حتى بلغ عدد الأحزاب المسجلة والهلامية أكثر من سبعين حزبا .
ويبقى السؤال ما هو المخرج للسودان من هذا الواقع فى الزمن المستحيل وكيف يمكن صياغة نظام حزبي مؤسسي خارج وعاء الطائفية والعقائدية وهذا ما أتناوله في الجزء الأخير من الحلقة الأخيرة
والى الجزء القادم حيث أواصل وقفتي مع متطلبات المرحلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.