كنت أظن حتى وقت قريب أن رواية الكاتب الساخر صاحب مقولة"لن ينعم العالم بالسلام ما لم يتم شنق آخر جنرال بأمعاء آخر رجل دين" كازينتاكس الشهيرة دون كويزوت ضرب من الخيال ولا تمثل حالة انفصام تاريخي مريع ويمكن أن تكون من الأمراض النفس السياسية في القرن الحادي والعشرين حتى شاهدت التجربة الثانية للإخوان المسلمين في حكم مصر،بعد التجربة الأولى في بلدي السودان التي وثقها المفكر السوداني د.منصور خالد في كتابيه "الوعد الحق والفجر لكاذب من منشورات دار الهلال المصرية".. في الدول الراسخة في الديمقراطية والديمقراطية نفسها موروث غربي جاءنا مع الطائرة الايرباس وأقراص الفياجرا من الغرب ومتأخر جدا بعد سقوط جدار برلين وانتهاء الفجر الكاذب الاممي الثاني الشيوعية الدولية.إن الديمقراطية آليتها الوحيدة هي الانتخاب الحر عبر صناديق الاقتراع وفي كل أرجاء القطر وخارجه وتقع في مستويين ..المستوى الأول إجرائي وهذا ما حدث في الانتخابات المصرية بعد 25 يناير بصورة غير دقيقة والمستوى الثاني أخلاقي وهذا ما لم يحدث حتى الآن..والدليل أن المحكمة الدستورية أبطلت انتخابات مجلس لشعب وحلته للقصور الإجرائي والأخلاقي في عملية الانتخابات وبذلك أضحت البلاد فاقدة لذراع مهمة جدا وركن هام في الديمقراطية"مجلس النواب"..ويعتبر مجلس الشعب في جل دساتير دول العالم أداة قوية جدا وبالقدر الذي يمكن أن يزيح الرئيس من السلطة بسبب فقدان الأهلية /تجربة أبو رقيبة في تونس أو الوفاة تجربة عمر بنقو في توجو،عندما عين ابن الرئيس وخرجت الجماهير للشارع حتى سحب التعيين وأدار البلد رئيس مجلس الشعب لمدة شهرين حتى الانتخابات والغريب في الأمر فاز نفس الابن ولكن عبر الآليات الدستورية وليس الملك العضوض المخيم على بعض الدول العربية.. طبعا ما يعاني منه الأخوان المسلمين هو الفكر المزدوج الذي يطوف بهم في دولة المدينة وسقيفة بني ساعدة وبين الديمقراطية باكسسوارتها الغربية التي فرضتها الحتمية التاريخية بعد أن غذت العالم فأنتجوا توليفة منقطعة النظير..الانتخابات من جهة لكافة الشعب والبيعة من جهة أخرى لأعضاء التنظيم " ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"..لذلك لم يستغرب الناس أن الرئيس الذي انتخبه 5 مليون عضو من الأخوان المسلمين في الدورة الأولى وفاز في الدورة الثانية بي 12 مليون ناخب فيهم 7 مليون مواطن ناقم على رموز النظام القديم على قاعدة خيرنا بين أمرين أحلاهما مر.. ذهب الرئيس /الخليفة إلى ميدان التحرير لأخذ البيعة دون وسائل الإعلام التي تخاطب كل المواطنين عبر الوطن ..لذلك لم يلتزم الرئيس/الخليفة بما تعاهده مع غير الإخوان المسلمين عليه عبر الانتخابات وذهب في طريق الذين بايعوه في ميدان التحرير عليه وتم تجميعهم من كل أنحاء مصر في "دولة المدينة/القاهرة" وهو طريق مدمر "الاخوانة القسرية " وعبر اصدرا مراسيم دستورية تضرب صميم الدولة المصرية وبالاستعانة بمؤسسة ناقصة/مجلس الشورى والمرشد"ولاية الفقيه"...وأصبحت القوى المدنية الوطنية المصرية عالقة في هذا المشهد التراجيدي والكوميدي في نفس الوقت واستمرت سلسلة الأخطاء المدمرة..ولم يتطرق احد في الخارج أو في العالم الراسخ في الديمقراطية للسؤال الافتراضي..ما الجهة الدستورية التي يمكن أن تعزل الرئيس من منصبه في ظل هذه الفوضى الخلاقة.؟؟!!..أو في حالة عدم الأهلية او الإعاقة أو الوفاة نفسها لا قدر الله؟؟..ولماذا لم يركز الإخوان المسلمين على استكمال المؤسسات الدستورية الناقصة..بدل من تمرير مشروعهم بوسائل واليات غير دستورية...؟!!... ولماذا لم يحلل العالم فكر الإخوان المسلمين ومصادره الطبيعية التي تقول بان البيعة ملزمة ولا يوجد في تاريخ المنطقة من سقيفة معركة الجمل والى زمن الماوردي-صاحب "الأحكام السلطانية " ومرجع الإخوان المسلمين الأول.. بان هناك والي استقال أو عزل أو حدث تداول سلمي للسلطة ..فقط تنتهي ولاية الخليفة إما بالموت الطبيعي أو القتل غيلة حتى وان كان في عدالة وسماحة الخليفة عمر بن عبد العزيز.. كما أن هذا الأمر والتاريخ المبتسر ليس له علاقة بتاريخ مصر وحضارة مصر الضاربة في القدم والتي يزروها الملايين كل عام وتشكل حياة للكثير من المواطنين عبر مرفق السياحة ولا يحترمها الأخوان المسلمين...لغربتهم الشديدة وعالمهم الافتراضي الذي يعيشون فيه... وحالة الانفصام المريعة التي تتجلى فيهم وعيا وسلوكا.. لذلك جاءت "حركة تمرد" بهذا الإبداع السياسي الذي ما سمعنا به في آبائنا الأولين وثورة الألوان الحقيقية(رغم أنهم نسوا أن يختاروا لون لثورتهم السلمية التصحيحية).. بان أخرجت تمرد للعالم 30 مليون ناخب مصري في الشوارع وهم الذين جثموا في الانتخابات الأولى الضعيفة في منازلهم واعتقدوا أن الانتخابات فرض كفاية ثم اكتووا بنار الأخوان المسلمين على قاعدة" مجبر أخوك ما بطل" وتلاشى بينهم ال5 مليون ناخب الذين جاءوا بالرئيس في الانتخابات الأولى..وانحاز الجيش للشعب كرد فعل طبيعي..والجيش والشعب لهم عقد تراضي بينهم وبين الرئيس ومشروط ولم يلتزم به الرئيس..لذلك هم في حل عنه..أما"أهل البيعة"..فقد دخلوا في متاهتهم ومزايدتهم بالدين التي أضحت لا تنطلي على احد وذهبوا إلى دول الفرنجة يتباكون على الديمقراطية الموؤدة..ونزولهم في الشوارع غير المجدي وقد فضحت الانتخابات حجمهم الطبيعي تماماً والأرقام لا تكذب.... ختاما آن الأوان لان نترك السياسة للسياسيين المحترفين من أمثال العبقري عدلي منصور وقولته الحكيمة التي أوضحت تماما أن المرحلة مرحلة دولة "المؤسسات" وليس دولة "الحاكم بأمر الله" وان السؤال الجدلي هو "ليس من يحكم مصر؟! بل كيف تحكم مصر؟" ... لذلك وجب علينا أن نترك الدين للمواطن والوطن للجميع..وان يتواضع الأخوان المسلمين إلى حجمهم الطبيعي 5 مليون أي يشكلون 10% فقط من الناخبين ال50 مليون وسيتضح ذلك عبر أي انتخابات تمثيل نسبي حرة وصحيحة وهم أيضا يشكلون من أصل 80 مليون مصري 5% فقط وليس أكثر من الأقباط في مصر حتى يفرضوا مشروعهم على الناس والديمقراطية مكتسب غربي له مظاهرة وآثاره وانعكاساته وهي واحدة من أفضل أنواع الحكم الرشيد في العالم المعاصر وتخضع إلى لغة الأرقام والإحصاء وليس الأوهام والدجل والإقصاء أو الشعوذة السياسية التي ما نزل الله بها من سلطان..وينتظر الإخوان المسلمين مراجعات جادة ومسؤلة حتى يدخلوا سباق المسافات الطويلة مرة أخرى.. ومن الأفضل أن لا يضيعوا الزمن في غوغائية سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع ويضعوا في أمام أعينهم " المبدأ الثاني من مبادئ الديناميكا الحرارية ونظرية كارنو "مبدأ اللارجعة"(2) ، فمحور الزمن له اتجاه واحد هو الاتجاه الأمامي ولا يرجع إلى الوراء أبداً ، ومبدأ اللارجعة هذا يسيطر على حركة التطور في الكائنات جميعاً ، تسود فيه فكرة الاحتمالات ، فالحالة الأكثر احتمالاً تعقب حالة أقل احتمالاً من غير أن ترجع إلى وراء ، هذا السبب الذي يحول دون نكوص المجاميع المعقدة بما فيها الإنسان وتقهقرها عبر الزمن . إن مجرى حياتنا وزمننا المعاش الذي لا يقهر هي حالة خاصة من حالات مبدأ من مبادئ فيزياء المجاميع المعقدة ... " ان مشاكل مصر المعقدة والمعاصرة في القرن الحادي والعشرين ليس هي مشاكل "دولة المدينة" في القرن السابع..ولن يحلها شعار أجوف" الإسلام هو الحل".... ولا يوجد بينهم نبي معصوم بعد انقطاع الوحي منذ 14 قرن... [email protected]