سياسة الدين واضحة ومباشرة. سياسة الدين هى كما في القرآن: ((لا إكراه فى الدين))، ((لست عليهم بمسيطر))، ((قل لست عليكم بوكيل))، ((فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر))، ((لكم دينكم ولي دين))، ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)). وفي الحديث (الدين المعاملة) ، (الدين النصيحة).. إذا عموما سياسة الدين هى الحرية وعدم الإكراه أولا ومن ثم العمل الصالح والموعظة الحسنة ثانيا. والهدف من هذه السياسة هداية الناس بالإقناع وليس بالإكراه والغصب لكي لا يكون هناك نفاق في النية ورياء في العمل. وبذلك يصل الناس لتمام مكارم الأخلاق بالإختيار وليس يالإذلال والقهر. وكما يقول تعالى:(( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين، إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)) [الشعراء: 4]. فالله عز وجل رب إقناع وإرضاء وليس رب إنصياع وإخضاع؛ رب قلوب وليس رب أعناق. يمكن لكل فرد إنتهاج سياسة الدين كالحرية وعدم السيطرة والتجبر والإقناع بالمنطق والعقل سياسة عامة، ولايمكن أن تختذل في حركات وجماعات وأحزاب أو تحصر في حدود دولة معينة. فإذا ما طبق فرد ما سياسة الدين بشكلها الصحيح فقد يكون قد وقف في أول طريق الدعوة الصحيحة. وإذا ما طبقها مجتمع ما فسيحظى هذا المجتمع بالفلاح بسيادة مبدأ الحرية والذي تنضوي تحته العدالة السياسية وهى الديمقراطية، والعدالة الإجتماعية وهى الإشتراكية والعدالة الإجتماعية وهى الكرامة الإنسانية، وبذلك الرقى والتطور وتحضر المجتمع. ولكن أما الفرد والمجتمع الذي لا يطبق سياسة الدين، أو يطبقها بصورة غير صحيحة ويرفع شعارات براقة كالدستور الإسلامى وراية الشريعة للسيطرة - أي بالإكراه وبالقوة والقهر والجبروت والخداع والتجارة بالدين- فسيؤدي ذلك إلى الخسران والضلال والتردي والإنحطاط. أما دين السياسة؟؟ فمن الوهلة الأولى يمكن أن تقول إنه لا دين للسياسة. فالدِّين هو الطاعة، يقال دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. و السياسة هي القيام على الشئ بما يصلحه وقد صارت السياسة من العلوم؟. فهل هناك دين معين للرياضيات أو الأحياء أو الكيمياء أو الفيزياء.. الخ.. وهل يمكن أن نقول الرياضيات مسلمة والأحياء مسيحية والكيمياء بوذية والفيزياء يهودية!. لا يمكن بالطبع، حتى اننا لا يمكن ان ننسب دين علم لأول من إكتشف العلم. وترتقي وتتقدم العلوم بالإجتهاد الشخصى للأفراد دون الإلتفات لإختلاف العلماء في دياناتهم ومعتقداتهم، وبغض النظر عن جنسياتهم وهوياتهم. وهذا ما ينطبق على السياسة أيضا. فالسياسة علم وفن تحقيق الممكن فى إطار الإمكانت المتاحة وسياج الواقع الموضوعى؛ وذلك عكس ما يفهمه الكثير بأنها مجرد لعبة قذرة. فإذن لا صلة للدين بالعلوم عموما. ولكن اما إذا قلنا إن الدين يعني الأخلاق فإن أخلاق كل علم تحتم على أي عالم معرفة قواعده والإلتزام بأخلاقه في البحث العلمي وإجراء التجارب والعمل بجد والمثابرة، وهو ما يعرف بالقواعد الأخلاقية Code of Ethics. فإذا إلتزم العالم وتميز نفع به الناس جميعا- بغض النظر عن دياناتهم- وخلد إسمه مع العلماء -بغض النظرعن دينه-. وقد يظن الكثير أن في السياسة لا إلتزام بالمعايير الأخلاقية الإنسانية. فتجد الإزدواجية والتناقضات وعدم الوضوح واللولوة. فهناك خطوط رفيعة بين الكذب والصدق، والإحتيال والتقنيات، والغش والتكتيكات، وغيرها. وقد يبدو أن السياسة لا تتقيد بمعيار أخلاقي ضابط ناهيك عن ديني، ولكن للمفارقة لا تجد سياسي ناجح إلا وهو ملتزم بالأخلاق والشفافية والمصداقية والتي تتعلق بضميره وقيمه ومبادئه السياسية دون أن نلتفت لدينه. فإذا لا تسيس للدين لأن سياسته واضحة، ولا مجال لتديين السياسة لأن الدين ليس له علاقة بضبطها. فإذا حدث عكس ذلك فسيظهر التضليل والتدليس والتلبيس وربما الفتن. والمثال الذي يحضر هنا هو الدولة الدينية وعصور الظلام و راسبوتين، وممارسو الإسلام السياسي. وأصل الخطورة ينبع من عدة أسباب أهمها:- - عدم تحقيق العدل فى الممارسة السياسية. والعدل أساس الملك. فإعلان الشعارات الدينية يؤثر فى إستقطاب وإستمالة الأصوات التي تخدعها الشعارات. فإذا لم يتحقق العدل السياسي أولا لا يتحقق العدل الرئاسي والوطني. - الإرهاب السياسي الدينى للخصوم وتفزيع المعارضين بالشعارات كالشريعة والإسلام هو الحل، وممارسة الإبتزاز والإزدراء والإقصاء والإستعلاء والذي يمتد للتهكم وتبخيس ما عند الغير من أفكار- لا يخلطونها بالدين- وقد يمتد ذلك إلى التكفير. - تشويه الدين بعدم الإلتزام بمعايير الأخلاق التي ينادي بها الدين نفسه، من حلف ثم حنث وإتخاذ مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وممارسات أفعال مناقضة وخاطئة. ويقول أحد الفلاسفة: ما أجتمع سياسى ورجل دين إلا وكان الشيطان ثالثهما، فما بالكم بسياسى ورجل دين فى شخص واحد وفى نفس اللحظة. لذلك تجد أصحاب تسيس الدين وتديين السياسة متشابهون ويعانون من اوحش أنواع الميكافيلية السياسية التي لا تفرقهم عن الديكتاتورية والفاشية والنازية والصهيونية والمأسونية. ومثال لذلك الأستاذ سيد قطب الذي يعد من أوائل منظري فكر السلفية الجهادية بإسم الإسلام وتحت ظل القرآن. فهو حمل كثيرا من أفكار الفيلسوف النازى كارل شميث القائمة فلسفته على مفهوم الأمة النقي عرقياً و الكفاح والمجاهدة بأي السبل من قتل وترويع وإرهاب لتحقيق نظريته. هذا التعقيد في الخلط بين الدين والسياسة خلق حالة من التمويه إصطدم بها الكثير وإرتدوا بالسياسة كافرين. كما فعل الإمام محمد عبده ومقولته الشهيرة: "أعوذ بالله من كل السياسة ولفظ السياسة ومعنى السياسة ... ومن كل من يتكلم في السياسة ومن ساس يسوس..!!." وهذا ما نود، أن لا نتدخل في السياسة أبدا. ولكن السياسة تؤثر في وفيك وفي حياتنا مباشرة بأشخاص يواكبون هذا البيئة السياسية غير المفهومة. فما الحل إذا؟. الحل هو الفصل بين الدين والسياسة. لاحظ أنني قلت (بين) وليس (عن). لأن فصل الدين عن السياسة جملة مضللة تعني أن من يجب ان يمارس السياسة لابد أن ينفصل عن دينه وطائفته ومذهبه وأن يضع دينه جانبا، ولكن هذا الكلام غير صحيح تماما. فما عنيته بالفصل بين الدين والسياسة، بأن الكل حر في دينه وإلتزامه بمعاييره الاخلاقية في نفسه، وهنا أطبق سياسة الدين. وأيضا لا إقحام للدين في السياسة لكي لا نلبس على الناس دينهم. بذلك نضمن حماية السياسة ونضمن الممارسة السياسية الصحيحة وإنقاذها من سيطرة أصحاب الدين السياسي. وبالتالي نحفظ حرمة وقدسية الدين من إستغلال السياسيين لتحقيق مصالحهم، السياسية و الدنيوية، ونضمن عدم تشويه صورته بأفعالهم التي يريدون بها تسييس الدين بمزاجهم وتديين السياسة لمقاسهم. [email protected]