وفوز هذه كانت من بقايا الرقيق. وكان دارها مفتوحة لرواد وعشاق الطرب والغناء و يغشاها رموز الشعر الغنائي في ذلك الوقت أمثال خليل فرح وقرناؤه لأن هذه الدار المفتوحة لم تكن لكل من هب ودب بل قاصرة على شريحة من الطبقة الستنيرة ، التي لم تكن ترود هذا المكان لتزجية أوقات الفراغ ، فقط إنما لتبادل الآراء في الشأن العام والنواحي الأدبية والثقافية والتي أرهصت - فيما بعد - بدورها الى قيام الجمعيات الأدبية والأخرى الأهلية لرفد المجتمع بالمدارس والمؤسسات الخيرية وربما " الشول بت الحلوة " إكتسبت لقب "فوز" بفضل إجادتها لفني الرقص والغناء وهذا ما جذب "خليل فرح" وأمثاله الى صالونها لعل هذا الصالون مجازاً كان مجرد صدى لصالون(مي زيادة) الذي رمى بظلاله على ثقافة المجتمع السوداني فأحياهاوبعث فيها روحاً جديدة فتلقاها شعراء الحقيبة ورفدوا مجراها بدلالات ومعاني توحي بالتحريض والرفض القاطع للبالي والقديم من رواسب أوهام الفقهاء الداعية الى التشبث بالفكر الوهابي !!؟... فضلاً عن حداء خليل فرح وأمثاله من محرضي الشعب السوداني .... للتخلص من الهيمنة الاستعمارية والدعوة الى التحرر من قبضة الأعراف والتقاليد التي هيمنت طويلاً على النسيج الاجتماعي السوداني ومع مطلٍع الستينات حتى منتصف السبعينات بتأثير مباشر من هبات الشمال تشكلت نخب المثقفين والستنيرين وأخذت تعمل جادة في إخراج المجتمع السوداني من القاع الى السطح !!؟.... مستشرفة في ذلك آفاق المستقبل وناهلة من معين إرث العربية ومتشربة بنفحات تمايزنا الثقافي أخذة في التنامي وسط مناخ صحي ومعاف يرفده مجتمع مفتوح !!؟... تتفاعل مكوناته مع بعضها البعض دون فرز جهوي أو قبلي لا سيما في أواسط البلاد !!؟؟... فبرز خلال تلك الفترة باقة رصينة من شعراء العربية محمد المهدي المجذوب محمد عبدالحي النور عثمان أبكر محمد المكي إبراهيم وسلسلة طويلة من العقد النضيد تتنافس في تجويد إبداعاتها تجريباً وتجديداً وإضافة في الشكل والمضمون وترافق مع هذا النبع المتدفق من رحيق الشعراء رهط من كتاب السرد يعالجون نصوصهم بصورة مختلفة عن كتاب السرد في مجلتي الفجر والنهضة وقد تخلص بعضهم من جلباب الواقعية الذي هيمن على معظمهم ردحاً من الزمن كما أشار الى ذلك الطيب صالح في معرض حديثه عن رواية "الخفاء ورائعة النهار" ل (فيصل مصطفى ) الذي خلع هذاالجلباب منذ بداياته الأولى وتتواتر الأسماء اللامعة بدءً ب (ملكة الدار محمد) وأبو بكر خالد وإبراهيم إسحاق ومروراً ب(عثمان الحوري وعيسى الحلو) وغيرهم ٌكثر الى ان نصل لأمير تاج السر وهكذا استطاع هؤلاء المبدعون تحت مظلة مجتمع مفتوح ان يجربوا ويجددوا ويجودوا وينتجوا نصوصاً حداثية من خلال أدواتهم وتجمعاتهم ومؤسساتهم التي إبتدعوها خلال السنوات التي أعقبت ثورة أكتوبر !!؟؟... المحرضة والداعية الى التغيير فنهض مثقفو الوطن بإبداعاتهم يرسمون لوحة المستقبل المشرق !!؟؟..... فعملوا سوياً لتأسيس كيان أدبي يجمع شملهم في وعاء واحد فقدم د.(عبدالله علي إبراهيم) مسمى لتجمعهم وجد استحساناً من جلهم كان الاسم المقترح "أبادماك" إله الحرب والصحراء في الحضارة المروية وبهذا صار هذا الكيان الأدبي نقطة إلتقاء لكل المبدعون الذين خرجوا من معطف اليسار وأٌعطيت لهم دار الثقافة مقراً لهم يمارسون في قاعاتها أنشطتهم على مدار الأسبوع الي ان فشلت حركة هاشم العطا التصحيحية فانفض جمعهم !!؟؟.... ٌٌٌوٌطورد بعضهم وسجن آخرون من قبل جهاز الأمن وظل البعض الآخر يراوغ متمسكا"بتراب الوطن !!؟... هكذا ظل جيلنا ينافح الأنظمة الباطشة الى ان احتضنتهم المهاجر !!!؟... وعودة الى الوراء قليلاً نستطيع القول ان "أبادماك" كان ضربة الفرشاة الأولى في مسيرة هذا الجيل المتوازنة وتوالت أوعيته في كل ضروب الفن المسرح الجامعي نادي السينما السوداني الملفات الثقافية الجادة وبهذه المناسبة كنت مشرفاً على ملف السودان الجديد..... الذي قدمت من خلاله رابطة سنار الأدبية والناقدعبدالقدوس الخاتم وغيرهم من كتاب السردوالشعر الذين جعلوا المشهد الثقافي السوداني وقت ذاك أكثر توهجاً الى ان جاء الترابي بقضه وقضيضه !!؟..... وأغلق أبواب المجتمع المفتوح بالضبة والمفتاح !!!؟؟... وانتشرت أحكام وفتاوي الفقهاء الذين إتخذوا من القرآن نصاً ثانٍ خاص بهم يستمدون منه مايشاقون به على حياة الناس ولاسيما المبدعون !!؟... وكان الراحل "محمد أركون" قد أشار الى ذلك وهو يتحدث عن الفهم المبهم للقرآن الذي أدى في نهاية المطاف الى ما يمكن ان نطلق عليه مصطلح داء الإسلام !!؟؟.... الذي أصاب بجرثومته قطاعات كبيرة من أمة الإسلام التي كانت لديها الأرض الخصبة لتلقي بذور هذا الداء العضال وانتشرت جماعات التكفير !!؟... و جاء "أسامة بن لادن" الى السودان !!؟.... وسط هذا المناخ ظهر الجيل الحالي وحاول جاهداً ان يجد له مكاناً تحت الشمس في تعسر وبكل أسف جيلنا لايعرف عن هذاالجيل كبير شئ لان معظم رموز جيلنا تخطفتهم المهاجر !!!؟.... لكن هناك بعض الأسماء ظلت في الداخل تعافر في صمت !!؟.... لم تبرح الوطن قيد أنملة أمثال محمد المهدي بشرى وعيسى الحلو ونبيل غالي ومن الشعراء عبد الله شابو وحسن أبوكدوك وآخرون وظلت الملفات الثقافية طوال عقد الستينات وحتى منتصف السبعينات يتناوب في الإشراف عليها كبار أدباء هذا الجيل أمثال الراحل النور عثمان أبكر ويوسف عيدابي وعبدالله جلاب وعيسى الحلو الذي أصدر الأيام الثقافي !!؟.... التي سبقت أخبار الأدب المصرية بما لها من شهرة ورواج !!؟... وأعقب تلك المرحلة الزاهرة من تاريخ المشهد الثقافي السوداني قدوم الجيل الحالي المندفع في توثب !!!؟... يسعى جاهداً لوضع بصمته على جدار مسيرة الأدب السوداني إلا انه وجد مناخاً خانقاً قلل كثيراً من طاقة انطلاقه صوب مشارف الأعالي إلامن وجد مخرجاً الي دنياوات أخر!!؟... ربما أنجح في تحريض الذاكرة المثقوبة أصلاً !!؟.... لتذكر بعض أسماء هذا الجيل الذين ساهموا بقدر وافر في جنسي الشعر والسرد لعل عبد المنعم الكيتيابي اول من تستحضره الذاكرة ثم أسامة الخواض وروضة الحاج والراحل حميد وتحجب الغشاوة بقية الأسماء بسبب ضعف الإعلام السوداني الذي لا يصل صداه حتى الى مصر وماذا عن كتاب السرد؟ ربما حسن الجزولي كان أكثر قرباً من الوجدان باعتبار انه احد تلاميذي في مدرسة بيت الأمانة بأم درمان وكان وقتها يصدر جريدة حائطية بعنوان " حياة جديدة " بإشرافي تهتم بأقرب الأجناس الأدبية الى كلينا وهو جنس السرد ويحضر الى الذهن أحمد الملك ويحيى فضل الله الذي قرأت له مؤخراً قصة قصيرة من أروع ما كتب ، موسومة ب(تفاصيل) في صحيفة الراكوبة وتتوالى الأسماء بين الغياب والحضور تحت سماء الخرطوم ولعل الفجوة التي أحدثها نظام الإنقاذ القمعي و الأنظمة الشمولية السابقة له بين الأجيال خلقت نوعا من القطيعة !!؟... باعدت بين أجيال المبدعين وبترت حبل التواصل بينهم هكذا ظل حال المبدعين في السودان ردحاً من الزمن يراوحون في ذات النقطة دون حراك وربما يكون لمواقع التواصل الاجتماعي .... دوراً فاعلاً في إعادة لحمة همزة الوصل بينهما ثمة مبدع من جيلنا انقطع عدة عقود عن الكتابة ثم عاود الإبداع قبل بضع سنين فأحدث جدالاً حول رواياته المتوالية وهو المستشار القانوني "الحسن محمد سعيد" وآخر من الجيل الحالي من أميز كتاب النقد الحديث وهو الناقد والمبدع أحياناً "عثمان تراث" وكلا الأديبين يقيمان حالياً في صنعاء والقائمة تمتد بلا انتهاء !!!؟.... لأسماء مبدعين سودانيين يتبعثرون في كل واد من كلا الجيلين ولعل الآتي يحدث أمراً يعيد الطيور المهاجرة الى ما تبقي من أرض الوطن قبل ان يبتر ثلثه الآخر في غياب طبيب التخدير كما حدث سابقاً !!!!؟؟؟..... فيصل مصطفى [email protected]