قال لي أخي ( في الرضاعة) إنه يود أن يسالني عن معنى كلمتين، فتوجست خيفةً، سائلاً المولى جل وعلا أن تكون الكلمتان سهلتين من النوع الذي أعرف معناه، فلا أبدو بمظهر الجاهل مما يسعد أخي هذا - وهو "نمس" بطبعه ويتصيد أخطائي دائماً - لكني بالتأكيد أجيد المراوغة ولا أدع له فرصة للشماتة بي إلا وأفسدتها عليه - . فقلت له مرتدياً قناع المتعالم: (سل ما بدا لك ).فقال وعلى فمه شبح ابتسامة لزجة ( الكلمتان هما: الكبرياء و المكابرة)!.آه الحمد لله.. ابتسمت ابتسامة أعرض من شارع مدني – الخرطوم!.. (ده لو كان عريض طبعاً!)،وقلت له بتلك الطريقة التي تمغصه ( من أي منظور تريد معناهما: أ مِن منظور اجتماعي؟..أم ثقافي؟.. أم ديني أم سياسي؟..أم رياضي؟!). اندهش أخي دهشة استمتعت بها حتى النخاع حين سألني:( وهل لهاتين الكلمتين معان بهذا القدر؟) قلت له:( طبعاً). فقال:( إذن فسر لي معنى " كبرياء" و" ومكابرة " من زاوية ثقافية. قلت له: الكبرياء من زاوية ثقافية هي أن تكون مبدعاً سودانياً ( في السودان) فتبدع وتبدع وتبدع حتى تصنع مرتبة من الإبداع تنام عليها دون أن تنال من إبداعك عائداً مادياً تستطيع به شراء (ملاية) تفرشها على تلك المرتبة، لتحس بالرضا حين يصفك النقاد بأنك لا تتسوّل بإبداعك!. أما المكابرة فهي أن ترفض كل ال (ملايات) التي تهديها لك الحكومة كي لا توغر عليك صدور قرائك من أحزاب المعارضة!. *أما من ناحية رياضية، فالكبرياء أن تكون فريقاً في الدرجة الأولى، فتلعب في أرضك وبين جمهورك مباراة ودية مع فريق إقليمي هزيل، فيهزمك بجدارة شر هزيمة، عندئذ تعقد مؤتمراً صحفياً بقصد التعريض بذلك الفريق الهزيل فتسهب في الإشادة به وتقول إن انتصاره عليك هو شرف كبير ناله بسماحك له بهزيمتك!. أما المكابرة فهي أن تعلن في ذات المؤتمر الصحفي أن مباراتك القادمة ستكون ضد الفريق البرازيلي في ( ريو دي جانيرو )!!. * ومن الزاوية الاجتماعية فالكبرياء أن تكون ديواناً للزكاة مثلاً.. مثلاً يعني !..في بلد تسعة أعشار سكانه فقراء ومساكين وأبناء سبيل وغارمين..(مشيوكين وكده..) ومرضى وما شابه ذلك، وعندما يداهموا مكاتبك سعياً خلف إعانتك ( الفتات) التي ربما قد تجود بها عليهم، تنظر إليهم بتأنيب كبير وتخبرهم بأنك كنت تتوقع أن يكون ( عندهم دم )!..، فيسجلوا اسماءهم في قائمة الذين " تحسبهم أغنياء من التعفف"!. أما المكابرة فهي أن تبني برجاً من خمسين طابقاً، مجلداً بالزجاج و "الكلادن"، فتؤجر التسعة وأربعين طابقاً وتتخذ من الطابق الخمسين مقراً لك، بدعوى أنك بذلك تدرب الفقراء على ركوب ( الأسانسير)!. * أما من زاوية دينية، فالكبرياء هي أن تكون "اتحاداً مهنياً" لفئة من المظاليم، ومن منطلق احساس المسلم بأخيه المسلم ترى أن وضع هذه الفئة لا يرقى للحد الأدنى لمستوى أن يكون المرء إنساناً، فتعمل بكل السبل على قطع صلتك بقاعدتك الفئوية هذه حتى لا يقال أنك منهم!. أما المكابرة فهي أن تقنع هذه الفئة باستقطاع جزء من رواتبهم لبناء ( برج ) و(شركة) ترعاه، فتمر السنوات دون أن تعلم هذه الفئة شيئاً عن دخل البرج الذي يملكونه، و" الصكوك" التي من المفترض أن يحملوها باعتبارهم أصحاب أسهم، فينالوا دخلاً سنوياً نظير دوران صكوكهم في سوق الأوراق المالية!، وعندما يتكاثر اللغط وتتناثرالاتهامات حولك بفسادك ، ورغم قناعتك التامة بصحة كل ما يقال عنك، إلا أنك تغضب منهم غضب جدك ( الكُسَعي)، فتعض أصبعك حتى تقطعها!. أما المكابرة فهي أن تسارع بفتح بلاغ ( إشانة سمعة!) ضد هؤلاء ( المرجفين )!.وعندما ترفض المحكمة القضية لعدم الاختصاص، تقوم بتحويل أوراق القضية إلى المحكمة الدستورية!. وبعد مائة عام ( لو القيامة ما قامت) سترفض المحكمة الدستورية الموقرة القضية لذات السبب: عدم الاختصاص!!. ثم ابتسمت وقلت لأخي في الرضاعة: وطبعاً أنت كاتحاد لهذه الفئة المغلوبة على أمرها، تعلم جيداً أن المحكمة الدستورية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بقضيتك المدنية (المفبركة) هذه!. قال (في حيرة ): إذن لماذا أذهب إليها ما دام الأمر كذلك؟!. قلت له ( متعالماً): لأن هدفك هو المماطلة وإسكات الأفواه عن الحديث في موضوع معروض أمام القضاء!. وذلك بهدف تمييع موقف ناقديك وتفكيك أوصال قضيتهم العادلة وتفريق دمها بين المحاكم!. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.. الله غالب... أها .. بقيت زاوية واحدة.. معنى الكبرياء و المكابرة من ناحية سياسية. فقلت لأخي( في الرضاعة) ساخراً:( هو الكلام القاعد أقولو ليك من قبيييييل دا كلو، ما كان من زاوية سياسية)؟!. وبالمناسبة المكابرة من الصفات البشرية الذميمة، أما الكبرياء .. فكل ما قلته لك عن معانيها ليس صحيحاً.. فما قصدته كان " التكبُّر" وليس الكبرياء، فالكبرياء لله وحده..( لو ما عارِف أعرِف)!!. يوسف جابر جودة [email protected]