بعد أكثر (24) عاماً من عمر الإنقاذ لسان حال الأوضاع المعيشية، وشبح الجوع الذي استبانت معالمه في وجوه السواد الأعظم من الفقراء في أطراف العاصمة الخرطوم، يستحق أن يخاطب بلغة بيان الإنقاذ رقم (1) في صبيحة 30 يونيو 1989.. نعم أزمة الخبز وارتفاع أسعار السلع الضرورية من وقود ومواد غذائية ودواء تتطلب أن نقرأ للإنقاذ بعض مما ورد في البيان الذي بررت فيه دوافع الانقلاب الشرعية الديمقراطية واستبدالها بنظام عسكري أحادي.. بيان رقم (1)" لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف هذا التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية فازدادت حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم إما لانعدامها أو لارتفاع أسعارها مما جعل كثيراً من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطل الإنتاج وبعد أن كنا نطمح أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود وانشغل المسؤولون بجمع المال الحرام حتى عمَّ الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء الفساد والتهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراءً يوماً بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظام". إذاً ما دامت هذه دوافع مجئ الإنقاذ للانقلاب بأي منطق يقبل الشعب بعد 24 عاماً هذا الواقع المزري والفقر والتضخم والفساد، والحروب.. ولماذا تطالب الشعب بالصبر عليها ما دامت لم تفلح في إنقاذه، ولم تصدق الوعد، بل الواقع يشير إلى أن السودانيين وصلوا حد الرهق والفقر والمرض والعوز والحاجة إلى الغذاء والدواء والأمن.. من يقرأ هذا البيان ويقارن بينه والواقع من حوله يدرك تماماً أن سيناريوهات الحياة اليومية بعيدة تماماً عن أنظار المسؤولين أو يتجاهلون النظر إليها كي لا يتذكروا وعودهم.. نعم لم ترفع المعاناة، بل تضاعفت بأرقام هائلة والشاهد أن كرة الحاجة إلى الغذاء تتدرج بشدة نحو أطراف ولا أحد يدري إلى أين تنتهي كرة الثلج.. ولا أحد يدري كيف تنقذ الإنقاذ الشعب من سياساتها الاقتصادية التي يدفع الفقراء فاتورتها بعد أن زادت الطفيلية الرأسمالية الجديدة غنىً وزاد الفقراء فقراً إلى درجة أوصلتهم إلى أكل (رؤوس الدجاج، والقوانص بلا خبز) بقيمة (5) جنيه، ليس هذا فحسب، بل يأكلون الجهاز التناسلي للخرفان (الخصيتين وملحقاتها)، والأخطر أن بعض الأحياء تواجه أزمة انعدام الخبز، وفي وسط الخرطوم يباع (سندويتش الموز) بجنيه، بدلاً عن سندويشات الفول والطعمية التي أصبحت بعيدة المنال لبعض الفقراء. نعم وصلنا إلى مرحلة أن نحشو الموز في الخبز لإطفاء نار الجوع.. أين الإنقاذ من البيان رقم (1)؟؟؟!! الجريدة [email protected]