سيرجي سمرنوف.. دكتور روسي شرع في دراسة التاريخ وخصص سنوات من عمره لدراسة وبحث الحقبة التاريخية الخاصة بالدولة المهدية , ظل 30 عاما يبحث ويتجول , لم يترك مكتبة او جامعة شرقية ولا غربية الا وشرع يبحث في أرففها عما يفيد بحوثه . وجد ما كان يتلهف له , غير أن كل ما حاز به كان قد كتب بأقلام ذات توجه واحد ( تخدم جانب الانجليز ) فاضطر للسفر الى السودان لعله يحظى بما قد يعزز دراسته من الجانب الاخر بحثا عن الحيادية فزار السودان كما ذكرنا , غير أنه لم يجد الا ما قد تتناوله الألسن , فجلس مع بعض المؤرخين وتحاور معهم دون ان يجد شيئا بين الأوراق كما توثق الأمم لتاريخها . فنال الماجستير عن طريق رسالته التي عبر عنها في كتاب ( المهدية في السودان ) ثم نال الدكتوراة بعد ما توسع في البحث وضاف الى رسالته الاولى حقبة اخرى الى الرسالة ( حركة التحرر الوطني في المهدية وخلال الحكم الثنائي حتى 56 ).ونشرت تلك الدراسات كاملة في 1968 . مزيد من المعلومات في ( الدولة المهدية من وجهة نظر سوفيتية ) ترجمة هنري رياض ما نود قوله ان الباحث عن التاريخ السوداني خلال دولة المهدية لم يك باستطاعته الحصول على اي معلومات مخطوطة وموثقة بأيدي سودانية مئة بالمائة . مما جعل الاجواء أكثر ملائمة لنشر الوثائق والكتب بما يرضي الجهات الأخرى في سهولة ويسر . ولعل من أول الذين باشروا في التوثيق لتلك الحقبة هو سلاطين باشا . وسلاطين هذا ضابط نيمساوي صاحب ولاء وانتماء للانجليز . ولد في عام 1857 وحضر الى مصر 1878 وعمل فيها حتى عينه غردون حاكما على دارفور 1884 , فاعتقلته جيوش المهدي , وبقي أسيرا يدعي الاسلام والايمان بالمهدية حتى سنحت له فرصة فهرب والتحق بجيوش المصريين وحارب ضد المهدي في دنقلا . (راجع مقدمة كتاب السيف والنار ص 3 ) نقول هنا أن سلاطين كان له قصب السبق في نشر ما يخص تلك الحقبة من احداث و روايات بدليل أن سيرجي الروسي لم يجد مراجع سودانية ليلبي الحياد الذي كان يسعى اليه كمؤرخ تهمه الأمانة في الكلمة والرأي والنقل . لذلك ستلاحظ ان كل المراجع التي استخدمها الروسي والتي يوضحها اسفل صفحات كتابه هي مراجع غير سودانية , يحظى سلاطين بنسبة غير قليلة منها في كتابه السيف والنار ووثائق أخرى . وهذا يعني بالنسبة للقارئ الباحث أن الأساس والمرجع لكل الذين أرادوا الخوض في هذه السيرة هو بالضرورة من سبقهم في التوثيق على غرار سلاطين على سبيل المثال . بالتالي فاٍن كان تاريخنا يحوي أي سموم على سبيل حسن النية أو القصد المتعمد فان المؤرخون الأوائل يتحملون وزر ذلك قطعا ودون شك . ولنا في ( السيف والنار ) خير دليل بالتأكيد . كتب سلاطين على في الصفحة 20 من كتابه قصة ليعكس الذكاء الذي يتمتع به على حساب الجهل والأمية لدى الدروايش حينما اورد حكاية مرضه وكيف ان احدهم دلاه على طبيب يعالج بالقران ثم ضحك على نفسه لأنه كان جاهل على حد تعبيره .. ثم اضاف قصة خلاف المهدي مع الشيخ محمد شريف وانكسار المهدي وذله وكيف قال له الشيخ ( الدنقلاوي شيطان مجلد بجلد انسان ) .. راجع صفحة 37 ثم هو اول مؤرخ قال في ما قال ان المهدي ذكر انه ياتيه الوحي من عند الله ثم ذكر أن عبد الله التعايشي كان يعلمه أمور العرب في اشارة واضحة لدجل وشعوذة المهدي بمساعدة الخليفة . على كلِ فان تأريخ المهدية ان كان قد تم تزييفه ممن يهمهم الامر من احفاد المهدي أو سواهم , فانه بلا شك قد تم تزويره بصورة أعمق وأكبر من الموالين للغرب حتى اولئك الذين أعلنوا اسلامهم وانتمائهم . سيما في الفترة التي سبقت الاستقلال , ولا يخفى على القارئ انها كانت مساعي لازالة الصورة المهينة التي ظهر فيها الانجليز في فترتهم الأولى ومحاولة لغسل الأدران خاصة وقد بدأ انفتاح العالم وانجلترا تطمح للسيطرة وانهاء عقدة الاتراك .. المهدي هو القائد الوحيد على مر السنون في السودان الذي استطاع جمع اكثر من 50 الف محارب في معركة واحدة فهل من المنطق ان كل هذه الأعداد كانت لا تدرك ولا تعي , وهل كانت مخدوعة بأن المهدي هو المهدي المنتظر وهل كانت مصدقة ان المهدي يأتيه الوحي من فوقه , وهل قدموا أرواحهم الطاهرة لغير الشهادة في سبيل الوطن !!؟ المهدية ثورة قومية كان همها جلاء المستعمر وانشاء سياسة واضحة للدولة لذلك استطاعت كسب العقول والقلوب في حينها وكان لها ما أرادت . بغض النظر عن الحوادث التي جرت في فترة الخليفة بعد وفاة المهدي , وهي ايضا فترة زمنية مهمة ذات خلاف واسع سنتطرق لها بالتفصيل يوما ما .. ملخص القول , أن تأخر المؤرخ والكاتب السوداني في توثيق تلك الحقبة التاريخية هو الذي جعل الأمور تتقلب بين أيدي الباحثين مما جعل التهم تلقى جزافا على المهدي ودولته , وانا هنا لا أجزم بشئ ولكني مع الخيار الذي يكذب ما يقال وما يشاع عن شخصية تاريخية قادت الوطن لمحيط الحرية ببسالة وشهامة وكبرياء والله المستعان [email protected]