بسم الله الرحمن الرحيم الدولة المصرية والإتجاه نحو الإنحدار! القرارات الأخيرة التي أصدرتها الحكومة المصرية الإنتقالية، في حق جماعة الإخوان المسلمين، وإعلانها جماعة إرهابية، هكذا ضربة لاذب، تمثل نوع من صب الزيت علي النار المُشتعلة في الواقع المصري، وزيادة لحالة السيولة المسيطرة عليه! وهي قرارات أبعد ما تكون عن الدور المتوقع من حكومة إنتقالية، يتمثل دورها بالتحديد في وضع الأسس السليمة، لبناء دولة القانون والديمقراطية والمشاركة. ورغما عن صعوبة هذا الدور في ظل تعقيدات الواقع المصري الراهن، ووجود جماعة كجماعة الإخوان المسلمين، عصية علي الإحتواء وقبول الإنخراط في مؤسسات دولة المواطنة، التي تساوي بين الجميع بمختلف عقائدهم وأصولهم وإتجاهاتهم. إلا أن تلك الصعوبة لا تبرر إستخدام القانون وآليات الدولة، كوسائل للتخلُص من هذه الجماعة، حتي ولو كان ثمن هذا المسلك، الإنتقاص من قيمة الحرية او التناقض مع السلوك الديمقراطي السليم! وذلك لأن قيمة الحرية لا تقبل القسمة علي الأتباع، وحرمان المختلفين من نعيمها، حتي ولو كان هولاء المختلفون أكثر عداء لقيمة الحرية، كجماعة الإخوان عبر تاريخها وممارساتها ومنطلقاتها الفكرية او المرجعية. والسبب أن هذا المسلك يمثل إفراغ للحرية من مضونها وسلب لطاقتها كرافعة ديمقراطية، وتحويِّلها من غاية تُكسب الكرامة الإنسانية معناها، الي وسيلة يستغلها الإنتهازيون لتمرير مشاريعهم الخاصة، عبر المدخل الأخلاقي والوطني، اللذان تضفي عليهم شعارات الحرية، قدرة علي العبور وجذب الأنصار وتطويعهم او تنويمهم مغنطيسيا! كما أن تبرير حرمان الآخر من حقه في المشاركة وطرح برامجه، يفتح الباب علي مصرعيه لدخول الإستبداد، حتي ولو في صورة تنكُرية، تتلبس لباس الحرص علي المصلحة العامة! وحتي لو جاز هذا المسلك الإقصائي المُنافي لقيمة الحرية الشاملة، في مكانٍ ما! فإنه لايصلح في منطقتنا هذه، التي لم يُقعِّد بها شئ، مثلما أقعدت بها غياب قيمة الحرية، بمعني إن أكبر مشاكل منطقتنا التي تنتمي لها الدولة المصرية، هو غياب الحرية او النقص الشديد في مخالطتها وتغلغلها داخل أنشطة هذه المنطقة وممارساتها. بتعبير آخر، إن نقصان الحرية من الأسباب الأساسية، لظهور ونمو وتمدد جماعة الإخوان، بوصفها الوجه الآخر للإستبداد ورفض الآخر وإمتلاك الحقائق المُطلقة! لذلك يُمثل إقصائها بالقانون وقوة الدولة، تبرير لأفعالها وإعتراف بنهجها في التسلط والسيطرة وإحتقار الآخر المختلف والمجتمع ككل. كما أن صمت النُخبة المصرية او تصفيقها لقانون إستبعاد الجماعة أو دمغها بالإرهاب، يُمثل إعتراف صريح منها، بتخليها عن حقها في الحرية الكاملة! وإذن صريح للحكومة، للقضم من حق المجتمع او مكوناته، عبر مؤسساته وجماعاته المنتخبة، في تحديد أفضل الوسائل لبناء الدولة والأسس السليم لإدارتها. بمعني أن النُخبة المصرية أعطت الحكومة المصرية حق التصرف المُطلق في الدولة، أي تخلت مجانا عن حقها في التشريع والرقابة والمحاسبة، أي تحولت من صاحب حق في تقرير مصير دولته، الي مجرد ضيف فيها، تتنزل عليه القرارات من أعلي و لا يملك غير الصمت او الموافقة عليها! وإذا كان هذا المسلك الحكومي الإستبداي خدمها الآن ضد جماعة الإخوان، فهو لا محالة سيقف ضد مصالحها وحقوقها غدا، وعندها لن تجد من يقف بجانبها، ويتصدي لجور السلطة الحاكمة. لأن السلطة الحاكمة وبوصفها مكونة من أفراد و جماعات، تسعي لتحقيق مصالحها وإستدامة منافعها، وستسعي بكل وسيلة لوضع الضمانات التي تحميها من المحاسبة او إنتزاع السلطة منها، والتي ستتحول بمرور الزمن الي حق إلهي، ضحت من أجل الشعب بالكثير وخاطرت بأرواح قادتها من أجله ولذلك تستحق البقاء الأبدي فيها. وموقف الحكومة المصرية الأخير، وهي تستفيد من كارثة تفجير مبني الأمن بالدقهلية بمدينة المنصورة، لتصدر تلك القرارات. يُبين أن السلطة الحاكمة كانت تُبيت النيَّة وتنتظر الفُرصة للخلاص من الجماعة، خاصة وأن الربط بين التفجير و الجماعة كان بصورة تعسُفية، أي دون إجراء تحقيق وتقديم أدلة مُقنعة! ولا يعني ذلك الدفاع عن الجماعة او تنزيَّهها من الوقوع في دم الأبرياء، كما حدث في مرات سابقة وطوال تاريخها، خاصة وأن نهج العنف يشكل جزء من أساليب عملها، ولكن في هذه القضية بالتحديد، كان الأمر يأخُذ طابع الإستعجال والإستهداف والترصد!! وبكلام آخر، إن الحكومة الإنتقالية تُمهِد الطريق، بإزالة الأعداء والمخالفين والمعترضين! لظهور حكومة تُعبِّر عن مصالح السُلطة الإنتقالية، وبالتحديد صاحب السيطرة الفعلية عليها! والمعني المؤسسة العسكرية ومن خلفها الفريق السيسي!! وما يؤكد هذه الفرضية، هو قانون التظاهر السابق والمُضمَّن في صُلب الدستور المُقترح للإستقتاء القادم!! وهو قانون يُعادي الروح الديمُقراطية، ويستبطن إستخدام الأدوات الإستبدادية والعقلية الشمولية، في حسم الخلافات ضد المُخالفين! وهو يحمل شُبهة تزوير الإرادة الشعبية، وإستبعاد أهم قطاعات الثورة وهم الشباب والمواطنين العاديين، من مُعادلة الحكم او التأثير فيه خلال الفترة القادمة. ولا يعني ذلك أن كل المظاهرات التي تقوم، هي من أجل أهداف ومصالح الدولة المصرية، بالتأكيد هنالك مظاهرات او ممارسات معادية لمصالح الدولة ومسيئة للديمقراطية! ولكن ذلك ليس مبرر كافٍ لمُحاصرة الديمقراطية وإفساد بيئتها او إلغائها بالمطلق! لأن مترتبات ذلك الإلغاء لا تُبشر بخير، وتعِّد بمزيد من التسلُط والإستبداد وتاليا الفساد الذي يعمل كسرطان يعطل جهاز الدولة، ويهدر حق الشعوب في العيش بكرامة او مجرد الإستمتاع بوضع الكفاف، كما علمتنا التجارب. وإذا كانت الحكومة المصرية جادة في معالجة مُعضلة الإخوان المسلمين، فهذة المُعضلة لها جوانب متعددة فكرية وسياسية وثقافية وإجتماعية وهي متداخلة مع بعضها، ويفضل إستصحاب كل تلك العومل عند الشروع في حلها، والأهم من ذلك أن تعمل هذه المعالجات في أجواء من الحرية والإقناع. لأن إستخدام الأساليب الخاطئة في حل المشكلة، كما فعلت الحكومة المصرية مستخدمة آليات الدولة في حلها قهريا! يعقِّد المُشكلة، ويُكسب الجماعة تعاطف أكبر من الشعب، مما يشوش علي الرؤية الموضوعية للمُشكلة وكذلك وضع المُعالجات لها. إضافة الي أنه يبرر للجماعة إستخدام أدوات أكثر عنف وتعطيل للدولة وتعريض حياة الأبرياء للخطر، وكل ذلك لمواجهة عنف الدولة. وهي كما أسلفنا لا تشكو من نقص مُعينات العنف، بإرتكازها علي تراث هائل من المصادر، التي تمدها بوسائل العنف والتبرير حتي للقتل الهمجي، الذي تمارسه ضد المخالفين، بعد شيطنتهم وتنجيسهم، ليمنحها ذلك ليس شرف التخلص منهم فقط! وإنما تزيين ذلك الشرف، بنيل الأجر والرفعة في الدارين!! وكل ذلك يقودنا للنقطة الهامة، وهي أن الحكومة الحالية، تتقاسم الأدوار مع المؤسسة العسكرية من خلف الكواليس. وهذه المؤسسة سابقا هي التي كونت الحكومة، أي لها دين عليها ولابد من إستحقاقه، في شكل تهيئة البيئة والأجهزة، لسيطرة هذه المؤسسة علي الدولة المصرية، وإستدامة حكمها. علي أن تُعَبِر هذه السيطرة، عن مظاهر الحكم المدني والمؤسسات المدنية في إدارة الدولة، ولابد من التمهيد لذلك بشعارات الكفاءة والنزاهة والوطنية! وأفضل من يمثل هذا الدور هو الفريق السيسي، بعد تلميعه وصُنع تاريخ خاص له يتناسب مع الدور الجديد! وكذلك خلع بزته العسكرية لزوم التمويه ومجاراة عالم الثورات والتغيير! ولكن المؤكد أن الروح العسكرية ونزوعها للسيطرة بالعنف والقوة، هو ما سيحكم الفريق السيسي أبن المؤسسة العسكرية، الذي تربي وترعرع داخلها وتشرب نهجها وسلوكها. كما أنه لن يبخل بالمنح والعطايا والمناصب، علي أعضاء هذه الحكومة، الذين مهدوا له الطريق وأوصلوه لهذه المكانة، وساعدهم في ذلك غفلة النُخبة المصرية وكراهتها للإخوان. ولكن عندما تتضارب المصالح ويستبين الوجه الآخر، أي الوجه الكالح للمؤسسة العسكرية، في صورة إعتقالات وتضييق للحريات وتصفية للخصوم، وإنغماس المؤسسة العسكرية في مستنقع الفساد، وكله بالقانون وأدوات الدولة وحتي الديمقراطية المغدورة، عندها ستعلم النخبة أي منقلب إنقلبت إليه، ولأت ساعة مندم! والمُدهش أن هنالك مجموعة من كبار المُثقفين والكُتاب المصريين، الذين نقدر كتابتهم ونحترم مواقفهم. تنادي بتنصيِّب الفريق السيسي، ليبعث الإستقرار في فؤاد الدولة المصرية المضطرب، والمُهدد من قبل الجماعة الإسلامية! وهذا يمثل من جهة، تهرب من مسؤولياتهم ومساهماتهم في بناء دولة ديمقراطية حقيقية ومُشرِفة، تُعيد للدولة المصرية حضورها وألقها وللمواطن المصري قيمته وإحترامه. ومن الجهة المُقابلة، فهي دعوة مجانية تتشوق لها المؤسسة العسكرية، ممثلة في الفريق السيسي. لإعادة التغول و السيطرة علي الدولة المصرية، سياسيا وإقتصاديا وعسكريا وحتي مزاجيا، كما كان حادث تاريخيا، وأدي الي هذا التردي، الذي ثار عليه الشعب المصري. بمعني أنه وبعد الأكلاف العالية التي تم دفعها خلال الثورة، و قبلها من كرامة وراحة الشعب المصري، حتي تمكن من إخراج منظمومة الفساد و الفشل، التي رزح تحت نيرها طويلا من الباب، وبما فيها المؤسسة العسكرية، ولا يعفيها مساهمتها في الخلاص من مبارك، من إشتراكها بالنصيب الأكبر في هذا التردي. نجد أن هذه المجموعة من المثقفين تنادي الآن بعودة هذه المؤسسة من الشباك. عبر خدعة الحكومة الإنتقالية، وتمرير الدستور الذي يُمكِّن هذه المؤسسة من إحكام قبضتها علي رقبة الدولة، و كتم أنفاسها وقت ما تريد! أي بعد إفتكاك الدولة المصرية من براثن المؤسسة العسكرية، بطريقة إعجازية يندر أن يسمح التاريخ بتكرارها قريبا! يحاولون مرة أخري إعادتها الي بيت الطاعة العسكري، الذي سقاها المر والإذلال والقهر والإرهاب والعجز. وإستبدال الذي هو أعلي، أي الحرية الشاملة والممارسة السياسية الديمقراطية، وإحترام إرادة الشعب، وفتح الدولة أمام المنافسة العادلة، لتنال الكفاءات حظها والمجتمع إستقراره. بالذي هو أدني، أي النهج العسكري بروحه الإستبدادية، والنافي للسياسة كفعل سلمي مرن، يحترم حقوق الإنسان وخياراته، ويستبدلها بسلوكه العنفي القهري الوصائي المستهتر بحقوق الإنسان! وأول الغيث إلغاء جماعة الإخوان المسلمين، بقوة الدولة وجبروتها، والبقية تأتي لأحقاً! وفات علي المؤسسة العسكرية، كعادتها في إزدراء اللعبة السياسية و تهميشها للقوانين الحاكمة للمجتمع وتعاليها علي حقائق الواقع! أن القول الفصل في إلغاء أي تنظيم او حركة او حزب، يرجع للشعب نفسه، وهو يعلم ما يريد بعد إرجاع ثقته إليه وإعطاءه مطلق الحرية في الإختيار. وأن تهميش أي فصيل لا يتم بقوة الدولة وإرهاب الشعب، ومُسايرة الأنصار في هيجانهم! ولكنه يرجع بشكل حصري، لحالة تطور الدولة والمجتمع، وفي ظل أجواء من الحرية بكامل تفاصيلها، فهما كفيلان بإبراز الأحسن والأفضل والأكثر تعبير عن مطالب الجماهير، ومواكبة للإحداث والتطورات. وفي نفس الوقت إستبعاد الآخر، الذي فشل في تلمس همومها ومعرفة إتجاهات إهتماماتها، لتضعه أمام خيارين، إما التطور والسباحة في إتجاه إحتياجات المجتمع، وإما الإندثار وذهاب ريحه غير مأسوف عليه! ومن ثم لا حاجة لتدخلات الدولة الخشنة لمناصرة طرف ضد آخر، او فرض أسلوبها الأبوي الوصائي، تجاه المجتمع ومعاملته كمجتمع قاصر! ومعلوم أن الدولة القاهرة تكرس لحالة القصور المجتمعية، التي تبرر لها الإستمرارية والوصاية الإحتكارية!! أضف الي ذلك أن وجود حركة الإخوان المسلمين، هو تعبير عن حالة عجز النخبة المصرية في طرح بديل أفضل وإقناع المجتمع به هذا من جهة، وتعكس تأخُر المجتمع المصري في مضمار الحداثة، من الجهة المقابلة. وستظل الجماعة موجودة وتعبر عن هذا الواقع، مهما حاولت الدولة محاربتها! لأن العلة ليست في الجماعة المصرية، كما تشتهي وترتاح المؤسسة العسكرية وبعض مناصريها لهذا التفسير! ولكن في الظروف التي أنتجت تلك الجماعة، وأكسبتها هذا القدر من التعاطف الشعبي، الذي أثار غيرة وحنق المؤسسة العسكرية ومناصريها!! ولا تعلم المؤسسة العسكرية المصرية، أن سيطرتها علي الفضاء السياسي والإقتصادي المصري طوال الفترة الماضية، هو المتهم الأول والوحيد، بتوفير الظروف المناسبة، التي ساعدت علي رعاية وعملقة هذه الجماعة! التي تعكس من ناحية أخري، حالة تشوّه المجتمع المصري، كأحد الإفرازات السالبة لسيطرة العسكر وإنغماسهم في شأن السياسة، الذي لا يعنيهم ولايتلاءم مع تكوينهم وتربيتهم! لذلك يستحيل علي هذه المؤسسة، مواجهة الجماعة او إقتلاعها من جذورها! لأنهما وجهان لعملة واحدة، عنوانها نكسة الدولة المصرية. ولن تكتب النجاة لهذه الدولة، إلا بعد الخلاص من سيطرة المؤسسة العسكرية، وقفل الباب أمام تدخلاتها في الشأن السياسي، وإشاعة جو من الحرية الشاملة، والصبر علي الممارسة الديمقراطية مهما كانت عثراتها ونتائجها المعاكسة للطموح والتوقعات! مع فرض الرقابة التي تمنع التنكر للقيَّم الديمقراطية، او إتخاذها كوسيلة للوصول الي السلطة ثم لعنها وركلها!! وكل ذلك لن يتم إلا بالرفض المبدئي والصارم، لتدخلات المؤسسة العسكرية في شؤون الحكم بصورة مباشرة او غير مباشرة! حتي ولو في صورة إنتخاب ديمقراطي للفريق السيسي!!! وبكلمة واحدة تطور الدولة المصرية، رهين بعودة السياسية والسياسيين الي متن الدولة المصرية، وإبتعاد العسكر والعسكريين الي هامش الدولة، اي حراسة الحدود وحماية الدستور، كوظيفة تتناسب مع إمكاناتهم وخياراتهم في هذه المرحلة التاريخية من التطور في مفهوم الدولة و تكامل الأدوار! وكفي المصريين شر إعادة إنتاج التجربة الفاشلة!! آخر الكلام لأ توجد نصف حرية او نصف ديمقراطية، او ظروف إستثناية تحوّل دون حضورهما بشكل كامل وفي كل الأوقات، وأي حديث غير ذلك هو فرية وخديعة كبري، وتمهيد لحضور الشمولية وإحتلالها للمشهد، وتمكُّنها من الدولة والمجتمع! وعندها لا يصح السؤال عن حقوق الإنسان او الحريات العامة. ويصبح السؤال المفروض ولو بصورة صامتة، متي الخلاص؟! [email protected]