شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تنصح الفتيات وتصرح أثناء إحيائها حفل بالخليج: (أسمعوها مني عرس الحب ما موفق وكضب كضب)    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    إصابة مهاجم المريخ أسد والنادي ينتظر النتائج    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    إبراهيم عثمان يكتب: عن الفراق الحميم أو كيف تخون بتحضر!    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهر الحياة: تأملات سودانية (1)
نشر في الراكوبة يوم 04 - 01 - 2014

(1)..جوبا: رغم بعد برسل سلامي..!!
في بداية هذا العام ، طرأت على ذهني بعض الأسئلة: يا ترى لو كان الأستاذ محمود محمد طه موجود ، هل سيكون وضع الحزب الجمهوري و الفكرة الجمهورية (كمشروع نهضوي) بنفس الوضع الحالي؟..غياب الأستاذ اثر كثيرا في اداء هذا المشروع ، لدرجة انه اصبح مجرد ذكريات يتعاطف معها البعض و يعض اصبع الندم حسرة على تخريب مشروع سوداني و بايادي سودانية..نفس الخاطرة ، جالت بذهني و انا اتأمل اوضاع دولة جنوب السودان (مثلها مثل مشروع طه في طريق التخريب بايادي الجنوبيين انفسهم) ، و تساءلت: يا ترى لو كان الدكتور جون قرنق موجود هل سيصير مصير الحركة الشعبية و دولة الجنوب الوليدة الى هذه الأوضاع التي نراها الآن؟..الحركة الشعبية تبنت مشروع نهضوي ايدولوجيته فكرة السودان الجديد ، و لكن لماذا انتهت الأوضاع الى هذا الحال؟.. لماذا غابت الفكرة و انتشر الضراع (السلاح) بدلا عنها؟..
استقلال الجنوب ، الى حد كبير يشبه استقلال السودان ، و ربما كانت الظروف غير مواتية لإعلان كل من الإستقلاليين ، فكليهما جاء استقلالا سياسيا محدود الأثر ، و لم يصحب ذلك تحرر حقيقي ، و حينما نقول التحرر الحقيقي ، نعني التحرر الذي يمنح المواطن العادي الإحساس و الثقة بانه في بلده و انه قد نال الفرصة للتفرغ للبناء و التعمير و احداث النهضة..
و لكن ، احداث الجنوب ، هي الأخرى قد يمكن قراءاتها في سياق اخر . فتجربة ما يسمى بالربيع العربي ، احدثت تغييرات سياسية محدودة ، بمعنى الأمر اقتصر فقط على اسقاط الحكومات الديكتاتورية ، و غاب على الجميع أن الأهم ليس هو اسقاط الديكتاتوريات فقط و انما الأهم هو معالجة تركة هذه الديكتاتوريات ، و هي تركة تخلق مكانيزم بقاءها الخاص عبر التراكم المستمر لسنوات ، فحتى لو تم تغيير الأنظمة بصورة فوقية ، فان التركة تظل موجودة و تعمل على مقاومة جوهر التغيير..نفس الأمر حدث في الجنوب ، و المحزن أنه يثير اسئلة قد لا يرغب الكثيرون و الكثيرات من اثارتها في الوقت الراهن: هل مشاريع التغيير المسلح في السودان ستؤدي الى نفس النتائج التي حدثت في الجنوب؟.. كم من الوقت يحتاج المنتصرون عبر السلاح لكي يبدأوا معاركهم الخاصة و التطاحن البيني؟..
نضال الجنوب الطويل ، و صبر اهله على كل المحن حتى نيل الإستقلال ، كل هذا لم يشفع و لم يحميهم من العودة الى مربع الحرب.. فياترى ماهو الشئ المفقود؟..هل الأيدولوجيا الواضحة و وسائلها الواضحة امر كافي لإحداث التغيير في تجاه احداث النهضة؟..
(2) الترابي بديلا للترابي:
و انا اتابع اخبار السوداني في ايام نهاية العام المنصرم ، لفتت نظري بعض الأخبار. فقرأت في صحيفة الجريدة السودانية (و هي من الصحف التي احرص على مطالعتها) خبر فيه تصريح من المؤتمر الشعبي السوداني (حزب الترابي) يقول بان المؤتمر الشعبي لا يقبل ان يخرب طرف ما علاقته بالحزب الشيوعي السوداني. طبعا امر جيد للغاية أن يدافع الشعبي عن الشيوعي ، فكليهما حزب شمولي ، و اهل كل من الحزبين نالوا نصيبهما في التجريب في المشهد السوداني عبر الإنقلابات العسكرية و التغيير العنيف. و لكن كل هذا لا يهم ، و انما المهم يا ترى لماذا يحرص الشعبي على الشيوعي بهذه الصورة و في هذا الوقت بالتحديد؟..
هذا الخبر العابر ، تساوق مع موقف حدث بعد ذلك بأيام ، خصوصا في احتفالات الإستقلال وواقعة تكريم بعض الشخصيات السودانية ، و في هذا التكريم خرج موقف موحد من الحزبين و ذلك برفض التكريم على ايدى الجنرال عمر البشير. طبعا الحزب الشيوعي لم يتبنى امر رفض التكريم كحزب ، و انما ترك التقدير لأسرة المرحوم الأستاذ محمد ابراهيم نقد ، حيث جاء الإعلان بان اسرة نقد ترفض التكريم على ايدي الجنرال البشير.
يا ترى كيف تتم قراءة مواقف الترابي و حزبه؟..هل هي حقيقية؟..ام هي تكتيك من تكتيكات الرجل المرحلية التي يلجأ اليها بين الفينة و الأخرى؟..
في نفس الوقت ، خرج الأمين العام للحركة الإسلامية الى ساحة الصحف و الإعلان و الإشهار ، و هو يتحدث عن مؤتمر الحركة في مدينة الفاشر (و هذا امر غير برئ و انما هو ترميز تضليلي مقصود لذاته) ، بانهم يقومون باجراءات واسعة في سبيل الإصلاح ، و انهم اصبحوا ينتبهون لنبض الشارع العام الذي يتحدث عن امراض مثل الجهوية و القبلية و المحاباة و الفساد بصورة عامة ، ووعد باصلاح الأمور..و لكن السؤال لماذا اصلاح الأمور؟.. بالطبع لتستمر الحركة الإسلامية في السيطرة على امور السودان.
ظللنا نقول باستمرار ، ان السودان وصل المرحلة التي باتت فيه الحركة الإسلامية تعلن نفسها بديلا لنفسها ، بمعنى اخر ان هذه الحركة لا ترغب في ترك اهل السودان لحالهم.. فالترابي لن يقبل البتة بان يصفى مشروعه تصفيه نهائية و ابعاده من الساحة السودانية ، فهو قد ضحى اول مرة في المفاصلة الأولى ، و اعلن الإنشقاق عن تلاميذه ، و لو كان جادا فهو اكثر رجل مؤهل لمسحهم من على الأرض لأن المثل يقول ابو القدح بيعرف يعضي اخوهو وين..و الترابي منذ خروجه لم يعض عضة تكفر له سيئاته السياسية في الساحة السودانية ، بل اكثر من ذلك كان حزبه هو الحزب الوحيد الذي اعلن مشروعية انتخابات 2010 وادخل بعض من نوابه للبرلمان ليكونوا المعارضة الرسمية (يعني الحركة الإسلامية تعارض الحركة الإسلامية بصورة سلمية)..في المفاصلة الأخيرة التي ابعدت علي عثمان و نافع و عوض الجاز ، تمت اللعبة باتقان ، خروج افراد (كيف لأ و شيخهم خرج من قبل) ، و لكن الذي حدث بعد ذلك هو تلميع الترابي كمعارض يتحدث عن عدم قبوله لتخريب العلاقة بين حزبه و الحزب الشيوعي السوداني ، ثم خرجت الحركة الإسلامية تباشر التبشير الخطابي الواسع..!!
اما الحركة الإسلامية ، فلقد استرخت تماما ، لدرجة انها ظنت ان احابيلها اصبحت من الأمور العادية التي لا تساءل ، لأنها تيقنت ان الشعب السوداني اصبح في حالة من الدروخة التي لا تمكنه من تأمل الأمور..!!.. فات على هذه الحركة ، أن ديموقراطية مصر المؤودة ، السبب الأساسي في وأدها أن الشعب المصري اكتشف ان هناك دولة داخل دولة ، و ان الحكومة التي انتخبها الشعب ، تتلقى اوامرها ليس من احزابها و انما من جسم غامض لم يدخل التنافس مع المتنافسين ، و كان ذلك هو هيئة المرشد العام للأخوان المسلمين في مصر ، وهو جسم يعادل الحركة الإسلامية في السودان..و لو سمع اهل الحركة الإسلامية السودانية كلامنا او لم يسمعوا.. فهذا سلوك مرفوض.., هذا يعني أن هناك اكثر من حزب للحكومة.. حزب المؤتمر الوطني الذي يعمل في العلن ، و حزب اخر يعمل في السر و هو حزب الحركة الإسلامية..!!
و كل هذا ليس ببعيد عن التغيير ، و كل هذا غير معصوم من غضبة الشعب الأخيرة و التي سوف تغيير وجه التأريخ السوداني و الى الأبد..!!
رفض الترابي للتكريم ، هو تسويق لنفسه بانه هو البديل الوطني ، و قد نجح الرجل في خم الكثيرين و الكثيرات بانه يمكن أن يكون بديل.. فهل نصحو بعد؟؟
(3) حكومة الحر و حكومة الظل:
و نحن على اعتاب خواتيم السنة المنصرمة ، تناولت اخبار السودان فكرة قامت بها مجموعة من الشباب و الشابات من اهل السودان ، و هي فكرة حكومة الظل ، و الفكرة على غرابتها الإ انها لم تخلو من طرافة ، و الطرافة التي نراها الآن هي حالة الإحباط في اوساط الشباب السوداني ، الذي بلغ به اليأس ان يتناسى اهم القيم التي تنادي بالتغيير و هي قيمة الديموقراطية و التداول السلمي للسلطة عبر مشاركة سياسية من قبل جميع افراد الشعب السوداني. و لقد نقد الفكرة البعض نقدا جوهريا بان الأمر لا يعدو استبدال حكومة ديكتاتورية بحكومة ديكتاتورية اخرى..!
غاب على هؤلاء الشباب ان جوهر فكرة حكومة الظل ، حينما ابتدعت في بريطانيا مهد الديموقراطية التي طبقناها ابتسارا في ماضينا السوداني ، انها تقوم على الإنتخاب من قبل الشعب ، بمعنى اخر مشروعية التفويض محفوظة عبر اليات واضحة و معروفة ، و افرادها يتم انتخابهم او انتخاب احزابهم للتمثيل في هيئة تشريعية معروفة. و مثل هذا التفويض هو الذي يمنح اهل حكومة الظل الحق في دخول أي مؤسسة حكومية ، مراجعة أي سياسة حكومية ، مناقشة البرامج التي تطرحها الحكومة ، و تقديم بدأئل لكل شئ تم نقده و تبيان مساوئه . مثل هذه الأمور لم تنطبق على حكومة ظلنا ، فهي لم تملك التفويض الكافي من الشعب السوداني ، و بالتالي لو وجدت طريق لسياسات الحكومة أو مؤسساتها فهذا يتم كعطية من حكومة الحر ، و تلك حكومة ان اعطت احد شئ فهذا يعني أن في الأمر اٍن و اخواتها..!!!
بيد ان الفكرة قد تكون احدثت بعض الأثر الذي لا يريد اهل السودان رؤيته الآن و تدبره ، فلقد كانت الرسالة واضحة و ذات ابعاد مهمة ، سواءا في جانب المعارضة أو في جانب الحكومة ..
فمن الفوائد:
اولا: فكرة اعلان حكومة ظل بتفاصيل افرادها و مناصبهم ، هذا فعل يعني ان السودان بلغ مرحلة الإفلاس السياسي الكامل ، و ان ادواتنا في التغيير و الحكومة اصبحت غير مواكبة لتطلعاتنا ، و فكرة حكومة الظل (معها ايضا فكرة قائمة المحاميين المهنيين في انتخابات المحاميين الأخيرة) تذكرني بفكرة الحياد في الجامعات السودانية في سنوات مضت ، فظهرت حركة الحياد استجابة لتطلعات الطلاب ، وفي نفس الوقت لفت نظر للقوى السياسية بانها اصبحت بعيدة عن نبض جماهير الحركة الطلابية ، و نجحت الحركة لسنوات ثم ذابت فيما بعد (خصوصا بعد اختراق الأحزاب لها). فحكومة الظل تعني ان السودان اصبح مفلسا في ادوات التغيير ، و ان الأدوات اصبحت بعيدة عن تطلعات الجماهير ، سواءا كانت ادوات عمل مسلح أو ادوات احزاب سياسية و منظمات مجتمع مدني. فاصبحنا في الحالة الصفرية ، و هي حال ايجابية ، و لكن الخوف ان ننحدر اكثر فنصبح في الحالة السلبية.
ثانيا: مجرد اعلان فكرة حكومة الظل بالكيفية التي تمت ، الجهة الوحيدة التي تعاملت مع الأمر بجدية هي الحكومة ، و تحديدا الحركة الإسلامية ، فتلك جهات تأخذ الأمور بجدية اكثر مما يتصور اهل السودان . اعلنت حكومة الظل ، فماذا فعلت الحكومة السودانية و حركتها الإسلامية؟ خرجت مؤسسة الرئاسة بتصريحات تفيد بأن عهد التمكين قد ولى و انه قانون المصارين البيضاء أو غيرها قد ولى ، و ان الأمر عاد لأهل السودان. مثل هذا التصريح يعني ان حكومة الحر تعتقد ا ن اهل حكومة الظل لهم مشكلة حقيقية ، و بالتالي تنظر اليهم انهم شباب ربما يعاني العطالة أو شباب طموح يريد أن يشارك في بناء وطنه و لكن محروم بسبب تعنت حكومة الحر ، فكانت الإستجابة الأولية أن نقول لهم نعم نعرف انكم موجودون. لم يتوقف الأمر هناك في مسالة التشغيل و فرص العمل ، و انما خرجت الحركة الإسلامية بتصريحات في مؤتمرها في الفاشر باعترافها بالجهوية و القبيلة كأمور مضرة و انها ليست من الإسلام في شئ و ان الحركة ستحارب هذه الأمور من اجل تصحيح الأوضاع ، في نفس الوقت ، عادت مؤسسة الرئاسة تتحدث عن أن الحوار هو السبيل الأسلم لحل قضايا السودان العالقة..كل هذه الأمور حدثت لمجرد اعلان حكومة ظل سودانية ، و هذه هي طاقات الإنسان السوداني الذي لا يهتم بها كثيرا.. فلقد خرج غازي صلاح الدين و تحدث و تحدث و لم يحدث شئ ، و كون الطيب زين العابدين حزبه أو حركته و لم يحدث شئ وقبلهما خرج حملة السلاح و طرقعت الذخيرة و لم يحدث شئ يذكر، و لكن خرجت حكومة الظل ، فتحدثت الرئاسة و الحركة الإسلامية ، و هذا هو الفرق..
ثالثا: و المعارضة ايضا كان لها نصيبها من الإهتمام بالأمر ، فلقد خرجت تصريحات من بعض الأحزاب (حزب الأمة ، الحزب الشيوعي) تحدد موقفها من انتخابات 2015 و انها لن تشارك فيها . فحزب الأمة ، بالرغم من اعلاناته المتكررة بعدم المشاركة يعود ليشارك (و لو رمزيا) ، و لكن هذه المرة شعر ان البساط سينسحب من تحت اقدامه و ان عضويته سوف تتسرب نحو افق اخر..!!
و بالرغم من اننا في السودان ، لازلن حبيسين لفكرة الأيدولوجيات الكبيرة و ان الفعل السياسي الفعال لا يأتي الإ من قبل منظومة منظمة ، الإ انه ان الآوان ان نغير مثل هذه العقلية ، فالتغيير قد يأتي من جهات لم تكن في الحسبان . بالطبع لا نريد أن نكبر رأس حكومة الظل ، و لكننا نريد أن نقول اليأس لن يفضي الى التغيير ، و انما ارادة التغيير هي التي يمكن ان تبدع ادواتها الخاصة الفعالة..!!
(4) حزب المواطن العادي:
في ليلة وداع الليلة المنصرمة و استقبال السنة الجديدة ، تذكرت احتفالات مبسطة مضت ، و في لحظة ذلك التذكر/ المراجعة ، كنت استمع الى الراديو..و تم ذكر طريقة غريبة للإحتفال برأس السنة حدثت في الجزء الشمالي من مقاطعة كيرلا في جنوب الهند (منها بعض زملائي في العمل) ، و فكرة هذا الإحتفال أن موظفي مدينة صغيرة قرروا أن يحتفلوا براس السنة بطريقتهم الخاصة المدهشة ، حيث قرروا الذهاب الى مواقع عملهم من السادسة مساء و البقاء هناك حتى السادسة صباحا ، و بالتالي شطبوا كل الملفات المؤجلة ، و جعلوا صحائفهم مواكبة للعام الجديد..!!
ايضا من الهند كانت اتابع اخبار حزب سياسي حديث النشأة ، و اسمه حزب المواطن العادي. هذا الحزب في البدء كان حركة مدنية اسمها حركة مناهضة الفساد في الهند ، و لقد قامت الحركة بمسيرات و مظاهرات و انشطة اخرى تتحدث عن ضرورة مقاومة الفساد في الهند ، و لقد نجحت في احداث اثار كبيرة ، ثم انشق بعض من اهلها و كونوا حزب المواطن العادي و الذي نجح لقلب الموازن في ولاية نيودلهي (العاصمة) و استطاع ادخال 28 نائبا في البرلمان الولائي.
من وسائل هذا الحزب في مكافحة الفساد ، ربط مؤسسات الدولة بشبكة تلفونات و خطوط ساخنة ، و متابعة كل موظف بصورة فردية ، و بالتالي أي موظف متقاعس سوف يكون معروف ، و تتم معاقبته بخصومات من مرتبه الخاص في كل يوم يتأخر عن اداء الخدمة.. بمعنى لو هناك ملف معين ، و ان انجاز الملف يحتاج يومين ، فان أي تأخر يعني ان يتم الخصم من مرتب الموظف المسئول..!!
الفكرة على بساطتها احدثت اثر كبير للغاية في الهند ، و بالرغم من ان الحزب اصبح موضع حديث المحللين ألأ انه اصبح واقع. بعض المحللين يتساءل ماهي ايدولوجية هذا الحزب؟ هل يكتفي باجندة محددة مثل اجندة مناهضة الفساد أم سيؤسس خطاب ايدولوجي سياسي يتبني حلول كافة المشاكل (اقتصاد ، سياسة ، اجتماع ، الخ)؟..
عبارة ذكرها رئيس هذا الحزب في لحظة اداء القسم في البرلمان الولائي ، ان قال بان الهند نالت استقلالها في 1947 ، و لكن الآن نالت الحرية..!!!
فالتغير ليس عملا مستحيلا ، و الإمكانيات عمرها لم تقعد ارادة الإنسان ، و ان كنا ننشد تغييرا حقيقيا في السودان فلنكن اكثر واقعية ، مخاطبة الحاجات اليومية لإنسان الشارع السوداني هي المدخل لإحداث التغيير ، و تحصين هذا المواطن بالوعي هو الضمانة لتصفية تركة الأنظمة الشمولية بصورة سلسلة للغاية..جربنا كثير من الأدوات ، الحرب ، العصيان المدني ، الإنتفاضات المطلبية ، كل تلك الأدوات لم تنجح فأين الخلل؟.. الخلل لأننا نضع شعارات و اجندة غير واقعية بالمرة..و قلتها من قبل ان خرج حزب سياسي يتحدث عن هموم المواطن التفصيلية (شريحة الموبايل ، خدمات اسهل ، اهتمام بحاجات الناس العادية..الخ..الخ) فان مثل هذا الحزب سيصنع الفرق ، لأنه يكون حزب الناس و ليس حزب الصفوة..
(5)..
امنياتنا بسنة سعيدة للجميع ، و نشوفكم في تأملات اخرى..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.