حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا النبي لا كذب (3) الرسالة وكيف كان الصحابة
نشر في الراكوبة يوم 15 - 01 - 2014

قبل الرسالة، عرف محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين قومه بالصادق الأمين. أي الأمانة وعدم الكذب. هاتان الصفتان هما مفتاح شخصيته والإشارة الإرشادية العامة لكل من يريد السير في طريقه و التمسك بسنته والإقتداء بهديه والصدق في حبه، ولن أسهب؛ ولكن فقط أنظر اليوم لحال المسلمين عامة، هل هم أمناء لا يكذبون؟. أتركك لتكتشف درجة إنحراف البوصلة عن إتجاه طريق الحبيب والدين الصحيح.
في قرية مكة..
نزلت الرسالة في مجتمع أمي لا يقرأ، يعتمد الشفاهة وعدم التوثيق، ولا يكتب إلا نادرا. مجتمع متخلف يسود فيه الظلم للإنسان وكرامته، وصف بالجاهلية. مجتمع يحتقر النساء ويضطهد المرأة ويعتبرها فقط آلة جنسية. مجتمع يهين البشر ويستعبدهم كرق وعبيد وجواري ويقتل الطفلات الرضع. مجتمع مقيد بالموروثات والتقاليد والعادات الفاسدة.
كانت قريش صاحبة السيادة الدينية والإقتصادية على المجتمع ويمكن القول بأنها الزعيم السياسي، على حسب زمانهم، لقريتهم مكة. بل ولها تأثير قيادي على كل جزيرة العرب، فمكة تعتبر مركز ديني وتجاري.
صدر هذه الرسالة الخالدة الإصلاح الديني بالإيمان بالله وحده وتوحديه؛ أي نزع إحتكار قريش للسلطة الدينية التي يتحكمون بها في خلق الله وخداع الناس، فالله تعالى ليس حكرا لقريش. فهم يعرفونه سبحانه ولكنهم يشركون معه بتمثيله بآلهة و أوثان لإدعاء ملكيتهم لرب العزة باللات والعزى ليستداموا في عزهم وجاههم كسادة. فجاءت الرسالة لتصحيح فساد عقيدتهم الدينية والتي أفسدوا بها بيت الله رمز الوحدانية في هذه الدنيا. وفي الرسالة عبادة عمادها الصلاة لله وحده وعدم الإنحناء أو الركوع والسجود لأحد غيره. والعبادة المقرونة مع هذا العمود هي الزكاة والتي تأمر الأغنياء بالتصدق وإنفاق الأموال على الفقراء والمساكين لتقليص الهوة المجتمعية بين الطبقتين.
وفي صلب هذه الرسالة الخالدة إصلاح إجتماعي كامل يشمل تغيير جذري للمعتقدات والموروثات الفاسدة و بفتح الباب على مصراعيه للإنتباه لحقوق الإنسان، الذي خلقه الله في أحسن تقويم، بتغيير وسن أعراف أو قوانين جديدة تحفظ له حقوقه كبني آدم. فأخلاق الدين الجديد عجيبة فعلا على هذا المجتمع الفاسد. فمن تلك الأخلاق: دفع الظلم عن المظلومين، والنهي عن وأد الطفلات، وتحرير العبيد والجواري، بل وتحديد قوانين إنسانية للتعامل الإنساني معهم بإمكانية عتقهم. والحث على رعاية الشؤون الإنسانية للمستضعفين والفقراء واليتامى والمشردين أو ابناء السبيل والتصدق والإنفاق عليهم وإعطاء المحرومين. والتخلص من الربا بجشع المال. والتعطف على اليتامى وإعطائهم أموالهم والشفقة على المساكين وعدم نهر السائلين. وأيضا: صلة الرحم والمودة في القربى، وبر الوالدين والتودد لهما بتحنان، وخفض جناح الذل لهما من الرحمة، و ((وصاحبهما في الدنيا معروفا)) ولاحظ لم يقل سبحانه بمعرف، لأن مصاحبتهما هي المعروف ذاته. وتشجيع كل مكارم الأخلاق الحميدة وإحقاق الحقوق، وعدم الخوف من الحق لومة لائم، مع رد الإساءات بالإحسان والأمر بما هو معرف والنهي عن ما هو منكر.
ويجب أن ننتبه بأن هذا التعامل ليس مع المستضعفين من المسلمين، أو مع مستضعفين المشركين لإستقطابهم لكي يسلموا ويقووا شوكتهم فتتكون فئة مسلمة ضد قريش ليحاربوهم. بل هذه أخلاق الدين العامة التي يجب تطبيقها والتعامل بها مع كل الناس على حد سواء، بغض النظر عن دينهم، إن أسلموا أو لم يسلموا، أو جنسهم أو لونهم أو عرقهم. أي لتسود الحرية، والمساواة، والعدالة والكرامة. فمسألة الحرية الدينية هذه حسمت ب ((قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين)). ولاحظ بتكرار "لا" تأكيد لمبدأ الحرية لي ولكم.
ولكن كان هذا المنطبق بالطبع لا يخدم قريش ولا من مصلحتها لأنه سيهدم معبد الشرعية الدينية الكاذبة التي يحتمون تحتها. لذا قامت بإنشاء جهازا إعلاميا ضخما لصد القبائل التي كانت تمر على مكة خصوصا في مواسم الحج. وقريش تحاربه وتمانعه ولا تمنحه صلوات الله وسلامه عليه الحرية ليقرأ القرآن على الناس وتقول ((لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون)) [فصلت: 26]. وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أنه نهى نهيا صارما على عدم تدوين أحاديثه، على الأقل في تلك الفترة، خشية أن يختلط بعض حديثه الشريف بالقرآن، ولكي يتبعوا التطبيق العملي ولا يتشاغلوا بالأحاديث عن القرآن. فهم كما ذكرنا مجتمع يعتمد الشفاهة والحفظ وعدم التوثيق بالكتابة. وإن كان ما كان فإن الأحاديث الصحيحة تجدها أصلا لا تتعارض مع القرآن لأنه خلقه العملي.
وقامت بتضييق الحريات أكثر فأكثر بالبطش والتعذيب والإهانة، بل وحتى القتل، لكل من يعتنق الدين الجديد أو تسول له نفسه. وبكبتها للحريات بتلك الطريقة كانت قريش طاغية بمعنى الكلمة التي نفهمها حاليا.
و عليك، بل وعلى كل إنسان في الكون، تصور كم جاهد رسول الله في هذا المجتمع وهو يقرأ من كلام الله لهؤلاء الطغاة ثلاثة عشر عاما، حيث نزلت عليه الصلاة والسلام 89 سورة في تلك الفترة، ولم يؤمن به صراحة غير بضع وثمانون شخصا من الرجال والنساء والأطفال في كل تلك السنوات. فكم صبر صلوات الله وسلامه عليه على هؤلاء القوم وكم عانى ومن معه في هذه البيئة الضالة المظلمة المضلة ليصل هذا النور للإنسانية.
ولم تحاول قريش في البدء قتله لأن مكة بلد أمين محرم حسب إرثهم، ولنسبه الهاشمي. ولكن بعدما وجدوا إصراره على الحق لأكثر من عقد وهو يدعو ويستمر بتلاوة القرآن، إإتمروا وإتفقوا على قتله بأيدى عدد من قبائل جزيرة العرب ليتفرق دمه بينهم، ولكن الله غالب على أمره.
في مدينة "يثرب"..
والدعوة لا تريد إلا الحرية، لقيت الدعوة صدى في يثرب، "القرية" المتعددة الطوائف والقبائل على خلاف مكة التي تحتكر سيادتها قريش. فيثرب تسكنها أمة من الناس: طائفة اليهود التي كانت تسيطر على الوضع الإقتصادي فيها، وقبيلتي الأوس والخزرج اللتين يعملون لديهم ( وهم لا دينيون ومنهم وثنيون)، مع وجود طائفة لبعض النصارى أيضا.
هذه البيئة خلقت جوا من الحرية الدينية والإتزان السياسي. أما إتساع رقعة الطبقة المتوسطة، وهما الأوس والخزرج، صنع نوعا من التساوي الإجتماعي و الإتزان الطبقي الإقتصادي فيها. فإختيار الأوس والخزرج لهذا الدين الإنساني سيرفع من شأنهم كبشر، ويجمعهم ويألف قلوبهم ويساويهم باليهود والنصارى، بل ويجعل لهم قيمة للحياة بالإيمان بالله و رسوله. ولعل انه أسلم أيضا البعض من أهل الكتاب، من الذين تفيض أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحق.
ويجدر بنا ذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يطلق على هذا الموطن "يثرب" والتي معناها عند العرب، التثريب والتخليط الشديد، مما يوحي بفساد الشئ بإختلاط القبائل ببعضها بحسب بيئتهم القروية. ولكن رسول الله لم يطلق عليه إلا إسم "المدينة" تيمنا للعيش في موطن مدني أو مجتمع مدني City Society يتعايش فيه الناس جميعا كمدنيين يحترم بعضهم بعضا. ففي جو الحرية هذا سينتشر الإسلام بسهولة ويسر، وذلك على خلاف مجتمع القرية Village Society التحفظي المقيد بالموروثات والتقاليد الذي عاش فيه بمكة.
وبالفعل شرع صلى الله عليه وآله وسلم في تعليم الناس الحياة المدنية الراقية من كلام الله عز وجل، ومن سورة الحجرات التي كانت من أوائل السور التي أنزلت عليه في المدينة المنورة. فتعلموا التواضع وعدم السخرية من الناس وإحترمهم، وبأن الله خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا، وإن أكرمهم عند الله أتقاهم. وتعارف الناس هو أن يأتمروا بينهم بالمعروف، وأخذ العفو والتمسك بالمسامحة والعفو عن المسئ. والأمر بالعرف بأن يمتثلوا للأعراف السائدة بينهم، والإعراض عن الجاهلين الذين لا يريدون العيش في أجواء الطهر والرحمة.
وعلمهم المساواة الإنسانية بين المرأة والرجل ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)) فهذه هي العدالة الإلهية. وعلمهم العفاف والطهارة وعدم التجسس والغيبة والنميمة والبهتان وترويج الشائعات المقرضة. و أن يحب الأخ ما يحب لنفسه، وعليهم الإحساس بالمساكين والمحتاجين والفقراء وابن السبيل والموالي والجواري والعبيد بالإنفاق عليهم. وفي صلب العبادة أن يزكي الغني من ماله ليعطى للفقراء لكي لا يكون دولة بين الاغنياء منهم. وجعل كفارة الخطأ في بعض العبادات هو عتق رقاب العبيد وتحرير الجواري، فعبر هذا المنوال سيزال بالتأكيد شبح الرق عن مدينتهم وعن الإنسانية على مر الزمن. فلا فضل لأبيض على أسود، ولا عربي على أعجمي إلا بالتقوى. والعروبة ليست ميزة، فهناك أعراب (العرب الذين يسكنون البادية، ولهم عادات فظة ومتخلفة)، أشد عروبة منكم، ولكنهم متعصبون لقبليتهم المنتنة. لذلك سيكون منهم فريق أشد كفرا ونفاقا، يقولون أمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، و منافقون مردوا على النفاق.
وعلمهم انه لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه، ولا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به، وقد يكون جاره يهودي أو نصراني أو مشرك. فالكل يجب أن يحترم حرية غيره الشخصية والدينية ليعيش الجميع في سلام وأمان، كأناس في موطن واحد، فهنا تجمعهم الهوية المدنية للموطن الواحد.
والقرآن يتلى والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يطبق والصحابة رضي الله عنهم يتعلمون. وقد كان نموذج المدينة الذي أراده النبي أن يكون خير مثال للمجتمع المدني.
كان بيانه صلى الله عليه وآله وسلم بالعمل، فالدين المعاملة، ولم يكن بمجرد الأقوال والأحاديث فقط. ومهما تحدثت لك عن سيرته العطرة لن نوفي حقه في جهاده وصبره، ولكننا نشهد الله الذي لا إله إلا هو بأنه عليه الصلاة والسلام بلغ الرسالة و أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده لينشر دين الله على هذه الأرض.
و علينا التنويه بشدة مرة أخرى بأن تعامله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن قصرا على المسلمين بل مع كل من في المدينة من مشركين ويهود ونصارى ومسلمين، وليست عبارة عن رشوة أو إستقطاب لكي يصبح من في المدينة مسلمون وتكبير أكوام وتقوية شوكة المسلمين ومن ثم الإنقلاب والعداوة على الناس وتفريقهم إلى عدة فسطاطات. فللأسف نجد أن بعض المسلمين يتخذ هذا النهج للأغراض السياسية ليوحي بأن هذا السلوك ينطبق فقط بين المسلمين لعمل "دولة إسلامية" مثلا، وبالتالي يغلق باب هذه الدعوة على بقية الناس، بل ويحكم على من يعارض هذا النهج معارضة الإسلام. و يوهم ويخدع الكثير ليلتفوا حوله، ويسيروا من خلفه. ويبدأ بوصم دولا بعينها بالكفر، لمزيد من الإلتفاف المخادع بإدعاء إن هؤلاء الكفار يريدون هدم دولته الإسلامية المزعومة. وكل أولئك الهتيفة المخدوعون ينسون أو يتناسون بأنهم كانوا يمكن أن يكونوا في مكان ذلك الشخص "الكافر" إذا ولدوا في تلك الدولة، لولا فضل الله عليهم.
فما يفعله هؤلاء السياسيون المخادعون بإسم الإسلام يعطل الدعوة ويشوه الدين؛ لأن الإسلام دين ودعوة وليس دين ودولة. فالله يريدنا أن نكون رحمة للعالمين كرسولنا الكريم إذا كنا نود فعلا أن نكون خير أمة أخرجت للناس.
وخير أمة ليست بالأشكال والمظاهر، إنما بالقيم العليا والمثل المجتمعية السامية التي تحملها تلك الأمة للبشرية كلها. وتزيد عظمة تلك الأمة بمقدار سعيها الحثيث في التطور لتكون نموذجا للحضارة الأمثل من أجل الإنسانية.
صحابته الكرام..
والعظماء دائما يحققون الحرية والعدالة الإجتماعية لمجتمعاتهم لتتمكن شعوبهم من صنع حضارة. فالصحابة رضوان الله عليهم كان شكلهم ومنظرهم مثل شكل أي واحد في زمنهم. فكانوا أناسا عاديين وليسوا متكلفين، فقد تعلموا من الآيات والذكر الحكيم وبيان رسول الله العملي، كما ذكرنا، بأن الله لا ينظر إلى أشكالهم ولكن إلى قلوبهم. ولم ترد آية واحدة في القرآن تحدد شكلا للمؤمنين سوى سمات منها: عدم الخشية في الله لومة لائم، والتواضع، وإحقاق الحق. وجاهد الصحابة بالأفعال وليس بالأشكال والأقوال. وبرغم أننا من حيث المعارف الحياتية والدينية قد نعرف أكثر من بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم، والذين ربما لا يحفظ معظمهم القرآن والاحاديث والقصص كفقهاء اليوم، أو يتعبد أحدهم أكثر مما يتعبد به أكثر الناس عبادة اليوم، ولكنهم أفضل من هؤلاء كلهم، ليس لأنهم صحابة وعاصروا النبي فقط، بل لأنهم قادوا صناعة التغيير الجذري في مجتمعهم الجاهلي. فكانوا مع المساكين والفقراء في مأويهم و يربطون بطونهم معهم وينصرون المظلوم وعذبوا وشردوا وقتلوا وقدموا التضحيات لأجل مجتمعهم. كانوا أتقياء أطهار وفقهاء بالبيان بالعمل ونجوم هداية في الدين بتعاملاتهم وتطبيقهم الرسالة بحذافيرها مع السراج المنير.
وحقق الصحابة التغيير في المجتمع بتلك الصفات الجوهرية وبتحقيق مقاصد الدين. كان يوصيهم رسول الله بأن لا يختلفوا ويفترقوا فيما بينهم، ولكن أمرهم قبل ذلك بإتباع الحق، ولا يكن أحدهم إمعة، فإذا رأى الحق حقا عليه إتباعه حتى ولو خالف الجماعة، ولا مجاملة في ذلك سيما لو كان ظلما، والله تعالى يقول: ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)) [هود: 113]. فالله هو وليهم وليس السلطان.
ولا تتخيل أبدا إنهم كانوا يتحدثون ويتمشدقون مثل المشايخ والوعاظ الكثر الذين تراهم اليوم ويمتسحون في سيرة الصحابة الكرام ليلا ونهارا، ولهم أشكال معينة ليوهموك بانهم يشبهونهم، و يخوفون الناس وينتفضون ويصرخون و يوصون بربط البطون والصبر على الإبتلاءات والمصائب ثم يتباكون بنصرة الإسلام والدين، وكل ما ذكرنا آنفا لا يمنعهم من الإنصراف بعد ذلك لملأ بطونهم في بيوتهم وقصورهم الفخيمة، و ركوب الفارهات، ثم الجلوس أوالنوم على الوسائد الوثيرة للتمدد والإستمتاع بالمضاجعة مثنى وثلاث ورباع، وبما يرضي الله.
وتجدهم يكثرون من المواعظ الرنانة والخطب المبكية وغيرها من الأساليب التي يمارسونها لعقود من الزمان ولم ولن تخدم المجتمع في شئ، بل تخدم مصالحه وتخدر الناس ليبقى الوضع كما هو عليه.
وتجدهم يوعظون بالحرص على العبادات وطاعة الله، لطاعة ولي الأمر حتى وإن كان فاسدا أو ظالما أو يسير على الباطل. و يوصون بعدم الخلاف والفرقة ويقيدون كل من يريد أن يفكر أو يبدع بأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. أما لهم هم أو للسلطان فإنهم مجتهدون، فمن يخطئ منهم فله أجر ومن أصاب فله أجران، ولنا نحن العامة الويل والثبور والعذاب إذا فكرنا أصلا في الإجتهاد. ولعمري إنها كلها خطرفات والله يقولها صريحة في كتابه العزيز: ((من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون)) [الأنعام: 160]. هذا هو الله، عدل مطلق ورحمة واسعة، ليس بأمنينا ولا أماني رجال الدين.
فالصحابة رضي الله عنهم بقيادة رسول الله غيروا مجتمعا كاملا في مدة وجيزة جدا حوالي 23 عاما فقط. كانوا في تلك الفترة يزيدون إنسانية يوما بعد يوم، ويفيضون رحمات تغيرت بعدها كل الأرض.
فهؤلاء المدعون بأفواههم بأنهم أمثال الصحابة المصلحين لم ولن يكونوا مثلهم البتة، لا شكلا ولا مضمنونا. فإننا لا نعرف أشكالهم رضي الله عنهم أصلا، لأن الجدير بالذكر إن أبا جهل وأمثاله كانوا يلبسون الجلباب ولديهم لحى طويلة أيضا. أما عن مضمونهم، وهو المهم، فبالقطع لا، ولا يأتون بجانبهم، و الكثير منهم الذين يشوهون دين الله "الفيهم إتعرفت تب"، فتبت أيديهم كما تبت يدا أبي لهب وتب.
هدانا الله وإياكم، وأرجوا أن نكون قد عرفنا جزءا من رسالة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الخالدة.
*الحلقة القادمة الجمعة إن شاء الله.
سيف الحق حسن
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.