كعادتها كانت خطابات السيد الرئيس منذ بيان الانقلاب الاول الذي سمي ثورة الى خطاب قاعة الصداقة بالأمس إنشائية مرتجلة لا تحتاج الى تحليل او تأويل او مجرد الوقوف عندها ، تلقى صباحاً او مساء او حتى في منتصف النهار على شمس الهجير الى تلهب رؤوس الحاضرين المقلوب على امرهم من طلاب المدارس وموظفي الخدمة المدنية الذين يتم حشدهم في الميادين العامة من قبل اجهزة حزب المؤتمر الوطني المختصة او المتخصصة في ذلك حيث تعلو صيحات التكبير والتهليل وما اكثر الحناجر التي تتشدق بشرع الله بقدر ما تقبض في مثل هذه المناسبات ، يلقى الخطاب ويتفرق الحضور لا يحملون سوى لهيب الشمس التي استظلوا بها . ومع كل ذلك كانت الشعب السوداني باللامس يعلق امالاً عراض على خطاب السيد الرئيس الاخير حيث ان الظروف القاهرة التي تمر بها البلاد والتوقيت الدقيق الحرج كانا كفيلان بان ينتجا خطاباً يختلف عن سابقاته ويعطي حلولاً حقيقية وملموسة تخاطب جزور الازمة وتؤسس الى مرحلة جديدة من عمر البلاد بعد رحلة طويلة من العناء امتدت ولسنوات عجاف ذاقت فيها الامة شتى صنوف الاسى وشظف العيش ، الا ان الخطاب وكعادته جاء مخيباً للآمال كان خطاباً نخبوياً فضفاضاً وكانه اعد لمخاطبة ممثلي السلك الدبلوماسي المتواجدين في القاعة من حيث الفلسفة الطاغية على الخطاب والعبارات الموغلة في الفصحى وكانه يخاطب حشداً في سوق عكاظ ، لقد كان الخطاب انشائياً بامتياز اهتم فيه المعدون بالألفاظ اكثر من المعاني حتى تعسر فيه السيد الرئيس اكثر من مرة وكانه يصعد جبلاً شاهقاً لوعورة الخطاب وشدة عباراته من طراز "وثبة " التي كانت جديدة تماماً ومتكررة دون لزوم لتكرارها الا اذا كان المقصود منها الخطاب في حد ذاته وليس الغرض منه واذا كان ذلك كذلك فيمكن القول ان الخطاب كان وثبة على سابقاته وعلى الاحداث في الارض تجاوز بها السيد الرئيس فضاءات الواقع الى عوالم اخرى يعيش فيها مع حاشيته والمقربين فقط ناسياً او متناسياً ما يجري على الارض من احداث تحتاج الى حلول حقيقية ملموسة ووعود صادقة تنبع من القلوب والعقول وليس التفوه بطلاسم غريبة يحتاج فهمها الى تغريبة بني هلال في كتابات واسيني الاعرج . لقد كان اكثر المتشائمين بالأمس يتوقعون شيء جديد على اقل تقدير وذهب المتفائلين بعيداً الى توقع حل الحكومة والبرلمان ولم يحدث شيئاً من هذا او ذاك فتشاءم المتفائلين وذاد المتشائمين تشاءماً من خطاب كان مخيب للآمال بكل المقاييس بغض النظر عما تحمله الايام القادمة من وعود فهو على الاقل يعتبر بداية غير مبشرة لما هو قادم من حلول مفترضة للازمة . مصطفى كرار [email protected]