السياسة هي ادارة شؤون الامة من اجل ان تحقق التفوق علي بقية امم العالم وتيسير حياة الناس وتحقيق رضائهم عن انفسهم وعن بعضهم البعض ,وذلك وفق منهج (ايدلوجيا) تؤمن به الجماعة السياسية تصيغ به مجموعة العادات والقيم والتقاليد التي يعيش وفقها شعبها. والسياسي هو شخص منتظم ضمن جماعة سياسية او متعاطف معها ويؤمن بمنهجها السياسي علي الرغم من انه قد يكون صاحب رؤية فكرية خاصة به يعزز بها قدرات حزبه السياسي اداريا وفكريا ويترقي بها داخل حزبه وذلك بقدر قدرته علي تحليل المشكلات و طرح الحلول. وكما ان لكل شئ وحدة قياس فللطول وحداته وللوزن وحداته و للاعب كرة القدم وحداته وهي مقدرته علي احراز الاهدف او المساعدة في احرازها ووحدة قياس السياسي الحقيقي هي مقدرته علي تحليل المشكلات وايجاد الحلول لها. ولكن في بلادنا كما في كثير من الدول العربية التي ننتسب اليها لا تستعمل اي وحدات قياس لتقييم السياسيين اذ لا يحتاج الشخص لان يكون مفكرا او صاحب قدرة علي انتاج الحلول والافكار, بل يحتاج فقط ان يصبح مشهورا كسياسي, فلكي تصعد الي مسرح السياسة للأبد يكفيك ان يظن فيك احد السياسيين الخير بحكم صداقته او قرابته لك او ان توحي للاخرين بانك تمثل قبيلة او جهة ما فيتم اختيارك لمنصب سياسي عندها يبداء اسمك في اللمعان ولا يضيرك حتي ان اساء اليك الناس فالمهم ان يكثر الناس من ترديد اسمك عندها تصبح شخصا مشهورا ومعروفا ودائما سينسي الناس اخفاقك وفشلك وتبقي شهرتك ومع بريق المناصب وكثرة البسطاء المحيطين بك ستصبح ذا كاريزما ظاهرة بالرغم من انها قد تكون مجرد كاريزما فارغة لشخص فارغ وستصعد داخل حزبك وتصبح قياديا اذا احسنت اختيار اصدقائك داخل الحزب واستفدت من الخلافات التي حتما ستحدث داخل الحزب وستصبح رقما في حزبك خاصة اذا كنت سليط اللسان تجيد شتم الاحزاب المنافسة وستزداد مكانتك عند اعضاء حزبك الصغار فستكون هناك مسافة كبيرة بينك وبينهم وسياج من الهيبة والهيلمانة فهم لا يعرفون الا اسمك وشهرتك ولا تحتاج الا ان تبيعهم الوهم وتشعرهم بانك شخص مهم يمتلك مفاتيح نجاحهم وتقدمهم, وعندما تاتي الانتخابات وترجع للترشح في مسقط رأسك الذي لا تعرف عنه شيئا سوف تفوز فوزا ساحقا فالامر كله يعتمد علي شهرتك او شهرة حزبك, ولان الامر امر شهرة وليس امر انعدام البديل فكل قائد حزب يظل في موقعه الي ان يموت وكذلك معظم قيادات الحزب ومن له الشهرة الطاغية يظل في قمة حزبه بل يمكنه ان يصير قياديا حتي في حكومة يملكها حزبا اخر اذا انشق عن حزبه. والحزب الحاكم سيفوز وسيظل يفوز في اي انتخابات لانه الاشهر والاكثر لمعانا, واذا انهار النظام الحاكم وحدثت انتخابات سليمة فستفوز الاحزاب العائلية المعروفة لانها ستكون هي الاشهر ولسان حال الشعب امل من فاشل تعرفه خير من فاشل لا تعرفه. انه ليس عيبا ان ياتي الناس باصدقائهم او اقاربهم للحكم وليس عيبا ان يتولي المناصب السياسية الشباب او الكبار او ان يتولاها المدنيين او العسكريين او ان يحكم الناس شخص من الشرق او الغرب ولكن العيب ان يتولي امر الناس من ليس له رؤيا او فكرة واضحة لرفعة الامة وتحقيق مطالبها في التفوق علي بقية الامم فاي منصب سياسي يتولاه شخص غير كفؤ يعتبر ضياعا لعمر الامة فلو بقي ذلك الشخص في منصب ما لعشرة سنوات فقد اضاع علي الامة عشرة سنوات يكون منصبه خلالها منصبا معطلا فما بالك لو بقي ثلاثين سنة او اكثر حتما ستسير بقية الشعوب التي احسنت اختيار سياسييها للامام وتبقي امتنا واقفة في مكانها ان لم ترتد للخلف, ان الاسلوب المتبع حاليا في اختيار القيادات السياسية في الاحزاب وفي ادارة شؤن البلاد والقائم علي اختيار اصحاب الكاريزما الكاذبة والعقل الفارغ والشهرة المكتسبة من العمل السياسي بدون اي انجازات ينبغي ان يتوقف. وعلي كل المستنيرين واصحاب الرأي ان يضغطوا في ذلك الاتجاه ليكون التقدم لاصحاب الفكرة والراي واكثر طريقة متبعة في العالم لعرض الرؤي والافكار هي كتابة الكتب وهكذا يفعل السياسيون وقادة الاحزاب في دول العالم المتطور وليس ان يجرب الشخص في المنصب السياسي وعندما يفشل يقال او يحول لمنصب اخر, ففي امريكا مثلا كتب وزير خارجيتها الحالي جون كيري اكثر من عشرة كتب فتأمل هذه العناوين (رؤيتي لامريكا افضل , خطتنا لامريكا قوية من الداخل ومحترمة في العالم , الجندي الجديد, شبكة الجريمة الجديدة التي تهدد امريكا), تري كم كتابا كتبها وزير خارجيتنا , وقد كتب الرئيس الامريكي الحالي باراك اوباما عددا من الكتب منها (خطة اوباما لتجديد الوعد الامريكي وهو كتاب يوضح فيه رؤيته للتغيير في امريكا وخطته لاصلاح الاقتصاد والصحة وتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة , وكتب افكار في استصلاح الحلم الامريكي و خطة جعل امريكا امنة) كما كتب الرئيس السابق جورج بوش (نقطة اتخاذ القرار , سننتصر , وكتاب مسؤلية للحفظ) كما كتب الرئيس الاسبق كلينتون ( لماذا نحتاج حكومة ذكية لاقتصاد قوي , بين الامل والتاريخ , كيف يستطيع كل منا ان يغير العالم وكتب حياتي). وهكذا تقريبا كل السياسيين في التعليم والصناعة والاقتصاد وغيرها فالسياسي بالاصل مفكر يفكر ويستفيد من افكار الاخرين ومن حق امته عليه ان يشرح لها بالتفصيل ما يريد ان يفعله وكيف سيفعله, فيا تري كم كتابا كتبها وزراؤنا , وكم كتابا اصدرها زعماء الاحزاب السودانية توضح اهداف احزابهم ورؤيتهم لحل مشاكل السودان علي كثرتها, وعندما نقول كتابا نقصد الكتاب الجيد الذي يحمل فكرة واضحة ويقدم معلومة مفيدة لقارئه باسلوب لغوي واضح وسلس, وليس مجرد نقد و تنظير فارغ او تستطير لمفردات لغوية عديمة المدلول والمعني خالية من الفكرة. اننا اليوم نري الشخص يفشل ويفشل ثم يفشل ولا يذداد الا بريقا وشهرة تضمن له عمرا مديدا في عالم الحكم والسياسة وتوحي شهرته للاخرين بان لا بديل له وفي السودان يري المؤسسون الاوائل لاي حزب نتيجة لانعدام الفكرة بانهم هم الاصل وان الباقين تبع لهم فيذهب اصحاب المواهب في دروب الحياة المختلفة منشغلين بمشاريعهم الشخصية تاركين الاحزاب والسياسة لمن هم اقل موهبة ولمن اتخذوها مصدرا للاسترزاق والتكسب ومثل هؤلاء يجب فضحهم وتبيين جهلهم ووضعهم في مكان يناسب احجامهم وتشجيع اصحاب الرؤي والافكار علي الكتابة فمن اظهرا نبوغا وبراعة في حل المشاكل ينبغي ان يقدم حتي وان كان من الصفوف الخلفية للاحزاب, ان المناصب السياسية ليست كالمناصب الادارية العادية فهي مناصب عظيمة الاهمية وتسليمها لغير اصحاب الفكر والرؤية جريمة في حق الامة وتضييع لوقتها وان اي شخص يظل يتقلب في المناصب السياسية ويجري ورائها لعشرات السنين بدون رؤية واضحة لحل مشاكل الناس والبلاد هو شخص عبيط (بافتراض ان العباطة هي الالحاح في طلب الشيئ) ولو اضفنا اليه كلمة سياسي لاشتغاله بامور الحكم والسياسة يصبح السياسي العبيط.