خلاف مسار وسناء صراع أجيال المؤتمر الوطني أيضاً يبالي بالرياح..!! سفينته لم تعد تمخر عباب السياسة بهدوء، بل إنّ الموج العاتي صار يتقاذفها من كل حدب وصوب، يدفع بها علوّا وهبوطاً؛ المجتمع الدولي من جهة، والحروب وبوادرها من جهة ثانية، والأفق في أعاليها تكتنفه العتمة وكذا الضبابيّة سيدة المشهد أسفل الأرض ما دام البترول صاحب اليد الطولى في تحديد معاني الرفاه وتوجيه دفّة الاقتصاد نحو وجهة العافية. بين هذا وذاك يسكن القلق الجميع وتعلو الأصوات وتتفشى معها حمى الكلام والتصريحات. ضيفنا أوكلت له مؤخرا مهمة الناطق الرسمي باسم الحزب. أستاذ الإعلام البروفيسور بدر الدين أحمد إبراهيم مجابه اليوم بتحدّي ضبط الإيقاع وتوحيد صوت الحزب الحاكم، تسنده في مهمته القادم إليها خبرات أكاديميّة باتعة، وإلمام بالعلوم الحديثة - مدرّب وحاصل على شهادة في البرمجة اللغوية العصبية – بيد أنّه معروف كذلك بالملل واستقالته حاضرة في جيبه، حيث يقال على الدوام إنّه لا يعجبه (الحال المائل). دفعنا له بحزمة من التساؤلات فأجاب عليها بدبلوماسيّة عالية. حوار - زواهر الصديق \ تصوير - أنس الطيب \
ليست هناك وظيفة اسمها (قيادي في المؤتمر الوطني) معروف عنك يا بروف أنّك قلقٌ وتسارع لتقديم استقالتك من كل المواقع التي شغلتها سابقاً؟ * - الرأي العام الذي تكون حولي أنّني أقدم استقالتي، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، أنا عملت في تلفزيون الولاية لمدة عامين، هذه أعتبرها فترة كافية لتقديم عطاء وفق رؤية محدّدة. قدّمت استقالتى وانتقلت لأعلى؛ تعاقدت كمدير للفضائيّة، وعملت تصوّرا لفصل الفضائيّة ولكنّ الإمكانات حالت دون تنفيذه، وانتقلت مديرا للقناة القومية لمدّة ثلاثة شهور - مكلّف - حتى تولاها إبراهيم الصّديق. منها انتقلت مديراً للبرامج بقناة النيل الأزرق بعقد لمدّة عام ولم أقدّم استقالتي، بل العقد لم يجدّد، ثم رجعت إلى الجامعة أستاذاً مساعداً بكليّة الإعلام، ثمّ عميدا لكليّة الإعلام قرابة عامين والوضع في الكليّة كان راتبا، ورتبت ما أقدر عليه. لم يكن هناك تمويل لتحقيق طموحاتي بالنسبة للكلية واستقلت. أمّا عملي كمدير لمركز (أ.أر.آتي) لمدّة عام الذي حدث قناة الجزيرة قامت بشراء المجموعة، تمّ إعفاء العاملين، رجعت للكلية للإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه حتى التكليف. * هذه المحطات والتقلب الدائب في دهاليز المؤسسات الإعلامية إلى أي مدى هي معين في تكليفك الحالي؟ - من نعم الله عليّ لا أقبل تكليفاً لا أقدر عليه. دخلت الإعلام كهاو، أنا خرّيج كليّة الكيمياء والنبات، لكن لديّ اهتمامات في الجامعة بالعمل التلفزيوني والصحف الحائطية، كل هذه المحطات، وكل هذه التراكمات صنعت مسيرتي الإعلامية بجانب العمل الإداري سواء في البرامج والمؤسسات أو العمل الأكاديمي وشكّلت رصيداً لبناء شخصيّتي المتكاملة في المجال الإعلامي والدراسات العليا في الإعلام حتى بروفيسور. كنت شخصا توافقياً وأعتقد أن العمل الإعلامي أيّ خلافات سوف تنعكس عليه لأن العمل إسقاطات للحالة النفسية للقائم بعملية الاتصال والرضا الوظيفي والرضا الذاتي عن نفسك ينعكس على الرسالة. * لكنك قبلت تكليفا في وقت حرج للبلاد، هذه أليست مجازفة؟ - أبداً، التكليف مهمّ لسدّ الثغرات، وكونه جاء في مثل هذه الأوقات فلا بدّ أن يكون فيه عطاء لأن العطاء في الأوقات العادية يكون راتباً، لكن في وقت الأزمات العطاء مطلوب من خلال الجهد العسكري أو تقدم جهدك وفكرك وتخدم في هذا الوقت العزيز، سعيد حقا بكوني في الموقع وسط هذه التحديات؛ لأن هذا مدعاة لأن نسهم بعطائنا بصورة مباشرة ونقول كلمتنا. * البلد في مواجهة مع المجتمع الدولي وهناك حروب في ظل وجود آليات إعلامية حزبية بميزانية ضخمة وخدمة يلازمها كثير من الإخفاق، كيف يمكن وزن هذه المعادلة؟ - وزن المعادلة في العمل الإعلامي هو صناعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتحتاج للأفكار والآليات والخطط والمهارات وتحتاج لتوافق حتى ينتج الناتج الأخير في شكل متجانس بصورته المطلوبة. * تحدثت بمعنى أو آخر حول التّجانس والتوافق لكن واقع الحال هذا التجانس مفقود في المؤسّسات، صراعات التلفزيون لا تخفى على أحد وقناة الشروق وآخرها الصراع المشهود في (سونا)؟ - أعتقد أنّ هناك إشكالا عاما ليس في المؤتمر الوطني وحسب. تطور الثقافة والعولمة بحكم ما أفرزته من تطور للأجيال أوجد في كل العالم جيلا صاحب خبرات وجيل التكنولوجيا وكثير من الصراعات داخل المجتمعات في كل العالم. هذه الصراعات لا بد من توظيفها من الناحية الإيجابية واختلاف وجهات النظر مطلوب ليس (أفلاطونيا)، ولكن هي سمة الحياة (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) واختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضيّة لكن أفسدنا قضايا باختلافنا، ويقوم على الفروق الفردية واختلاف السمات الشخصية، كل ينظر، وظهرت بصورة أكبر، هو آلية العولمة والتطورات غير المتوقعة واختلفت كل الروابط والإمكانيات وأنا أنظر للصراع نظرة إيجابية بأنه ضرورة أي الصراع الذي لا يفضي لمسار خاطئ. * كأنّك تشير إلى أن الصراع بين سناء ومسار هو صراع أجيال؟ - أي نعم هو صراع أجيال. * على ذكر سناء حمد لماذا ظلّ منصب وزير الدولة شاغرا كل هذه المدة هل هي أزمة كوادر؟ - منصب وزير الدولة هو منصب في وزارة الإعلام، هي مسألة ترتيب بين الجهازين التنفيذي والحزبي، والمؤتمر الوطني غني بالكوادر المؤهّلة ولكنه لم يسمّ شخصا حتى الآن. * ما هي معايير الحزب لاختيار المسؤولين في الحكومة؟ - بكل تأكيد معايير الكفاءة والقوي الأمين هي معايير ثابتة، قد يختلف الناس في النظر إليها فالأكاديمي فقط دون عمل سياسي والسياسي دون إلمام لا معنى له. * لكن هناك وجوه أسمنتية ومتكلّسة في المناصب رغم إخفاقها؟ - صحيح قد يكون هناك أشخاص لهم كاريزما خاصة في الرأي العام وفي الوسط المعين وقد يكون تم تداولهم في كثير من المناصب لا يوجد خلود في المناصب هناك تغيير، لكن التغيير الجذري غير مطلوب كما إن الخبرات مطلوبة ولابدّ أن يكون هناك دور للشباب في زيادة أعدادهم وتأهيلهم والتغيير ليس قيمة في حد ذاته. الناتج قد يكون منسجما، قد يرى بقاء أشخاص لاعتبارات نحسن فيها الظن أن يكونوا في مناصبهم. * العمل داخل الحزب تتفشى فيه الشلليات والتكتلات والجهوية؟ - الحديث عن الشلليات بأي حزب أو جماعة ليس مطلقا، هي ليست شيئاً سيئاً والرسل طلبوا شدّ أزرهم: (هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي)، وأقرب الناس لك هم أعرف الناس بك ولكن لا يجب أن تكون مثل (شبير شد طار بجماعتو). * ما هي أسباب تناقض التصريحات بين المسؤولين في الحزب.. هل هناك جهود لتوحيد القنوات الإعلامية وضبط تصريحات قيادات الحزب؟ - تناقشنا كثيرا حول محددات وأساليب توحيد الخطاب الإعلامي بحيث يكون وفق المصادر المعنيّة كل إنسان مكلّف بملف معيّن يصرح وفق الملف الخاص به وبتفويض وكلّ شخص يتحدّث من منطلق اختصاصه في الدائرة المعنيّة ولا توجد وظيفة تسمّى قيادي بحزب المؤتمر الوطني الشخص الذي يتحدث لوسائل الإعلام عليه أن يذكر وظيفته داخل الحزب وإذا صرح تصريحا ليست له علاقة بوظيفته يكون واضحا من الصحيفة أمام الرأي العام أنه يتحدث في شيء ليس معنيا به، أما التناقضات فتحدث بأن تكون هناك قضية في مرحلة التداول وتكون هناك آراء ابتدائية لم تتبلور بعد لتصبح قرارا من المكتب القيادي يصرح بها لوسائل الإعلام ويصبح الرأي الابتدائي ليس رأي المؤتمر الوطني ورأي الشخص الذي أدلى به أما القرارت قطعا فهي لا تتضارب. * هل في نيّة الحزب الحاكم الدخول في صحف جديدة وشراكات إعلامية مع جهات داخلية أو خارجية؟ - الحزب الآن عنده وسائله الإعلامية الخاصة وهذه عملية تخضع لتقديراتنا في اللحظة المعينة وفق القانون العام والدستور العام وذلك حسب مقتضى الحال. * يعنى الآن الحال لا يقتضي؟ - لا يقتضي.. * الدلائل والقرائن تشير لجهل المجتمع الدولي والشعوب الأخرى بالسودان.. إلى متى يظل الخطاب محليا وباللغة العربية فقط؟ - بالنسبة للخطاب الخارجي الآن لدينا دائرة الإعلام الخارجي وأسندت لشخص مقتدر في المجال حتى نصوغ خطابا إعلامياً خارجياً بمجموعة من النقاط المختلفة نبلوره للمرحلة ونفعل دور الإعلام الإلكتروني، هي أحد المنافذ الخارجية هناك صورة ذهنية عن السودان غير حقيقية وهي تحتاج لمراجعة وعمل وتكاتف الجهات التشريعية والتنفيذية وفي الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة. والدولة تحتاج لقنوات فضائية بلغات تواصل وإذاعة وتلفزيون لتعدل الصورة الذهنية للسودان عند الآخر وترسم الصورة الحقيقية وحتى نخاطب العالم باللغة الفرنسية والإنجليزية وأفريقيا بلغاتها الرسمية.