نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    الفوز بهدفين.. ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانية و جوهر الدين و الرق و المسكوت عنه (21)
نشر في الراكوبة يوم 03 - 04 - 2014

أكتب وفاء لقضايا ناضل من أجلها أناس أطهار ، رجال و نساء من مختلف أركان الدنيا ، عاشوا و ماتوا من غير أبهة و لا بهرج ، لم يحلموا بالبرادو و لا القصور و لا بنكاح الجواري مثنى و ثلاث و رباع و لا بالتشفي من الفقراء و الفقيرات جلدا و إهانة و قطعا و رجما و قتلا و اغتصابا ، و لا زوّروا أعمارهم و هم في أعلى منصب قضائي تعتبر النزاهة أسه و أساسه ، ليكسب المزور أعواما إضافية في الكرسي ... حياتهم كانت من أجل الفقراء البؤساء المسروقة أقواتهم و عرقهم و حتى عقولهم ... ملأتني الأحزان برحيل محجوب شريف و تجددت أحزاني على حميد و خرج من بين أرتال الأحزان محمود محمد طه ... يجمعهم حبهم للناس و زهدهم في متاع الدنيا ، ربما لو ارتفع مستوى معيشة شعبهم لكانوا ارتفعوا معها ، على الضد من أولئك الذين يعيش غالبية شعبهم في الفقر و الضنك و يكابد الحرمان و هم يعيشون في بلهينة و يملأون بطونهم بأفخر الطعام الذي كثيرا ما يجلبونه في مكاتبهم الفاخرة من أغلى الفنادق ، و يسكنون القصور و بعضهم يزينها بأحواض السباحة و تفخر نساؤه بذلك (لله المنّة فكثيرون منهم لهم أربع) و يطلبون من الفقراء الصبر على (الابتلاءات) ، رغم ذلك هم من يقودون الأمة لأنهم و بكل خداع الدنيا و أكاذيبها و عمى البصيرة و إعادة انتاج التخلف ، يعتبرهم المجتمع قادة و حاملي حلم الخلاص الآخروي ... لغد أفضل لا شيء أهم من محاربة الأكاذيب ...
أيام المجاعة التي تزامنت مع تطبيق شريعة النميري عام 1984 و معسكرات الجوع في المويلح و الشيخ ابو زيد ، ملأني الغم و عافت نفسي كل بهرج الدنيا ، كانت تلك الصدمة الثانية التي فتحت عيني على الكذب و الوهم . كان التلفزيون في نشرة التاسعة يذيع أحكام محاكم الطوارئ (سموها محاكم العدالة الناجزة) ، في أيامها الأولى كانت أحكامها نهائية ، كنا نتابع المذيع و هو يذيع نشوان : حكمت محكمة الطوارئ رقم ... على المتهم فلان الفلاني بقطع اليد من مفصل الكف ... حكمت محكمة السجم و الرماد رقم ... برئاسة قاضي الغم و الوهم فلان الفلاني ، على المتهميْن فلان و فلانة بالجلد سبعين جلدة لإدانتهما بالشروع في الزنا (يا له من بؤس و تشهير)... أي كابوس خرج من تلك العقول المظلمة ؟ أي بلادة فاحت من تلك الرؤوس الفارغة ؟ كان الجوعى في المويلح و الشيخ ابو زيد ينتظرون من يستر عريهم ببقايا ثوب قديم و كانوا ينتظرون من يجود باللقمة و هؤلاء منتشون بأحكام الجلد و القطع في مفارقة لا تحس بها العقول المغلقة ... حقا العقول المظلمة لا تنتج إلا مثل تلك المناظر من البؤس .... كلما اقترب المجتمع من الفهم السلفي كلما ازداد تخلفه ...
تنبهت لخطأ حدث في الإحصائية عن حتمية تخلف المجتمع السلفي عن غيره في الإبداع العلمي ، التي ذكرتها في الحلقة السابقة ... فالصحيح هو حساب ساعات النشاط البشري ، فبما أن الإنسان يحتاج لسبع ساعات نوم في المتوسط و ساعة لوجباته و غيرها ، أي أن الثلث يقضيه الإنسان في النوم و الأكل و غيره ، فيلزم حساب العام للنشاط البشري باعتباره ثلثي العام أي حوالي 243 يوما . بما إن المجتمع السلفي يستغرق في الذكر و العبادات و الأدعية مدة 150 يوما على الأقل في العام من ساعات النشاط البشري (لو طالب أحد بإنقاصها كان كمن يحتج على المأثور) فيتبقى للمجتمع السلفي النموذجي من ال 243 يوما 93 يوما . لو اعتبرنا النخبة المفكرة و ذات الذكاء المرتفع و التي تقود الإبداع و الاختراع و الاكتشافات العلمية في المجتمعين السلفي و نقيضه متساوية (و هو ما لا يمكن أن يكون ، لظروف التنشئة القائمة على التسليم اليقيني عندنا و القائمة على التساؤل و الشك و البحث عندهم و اختلاف مناهج التعليم التي تزرع البؤس و التخلف عندنا و تزرع البحث و المعرفة عندهم) لو اعتبرنا نسبة النخب متساوية يكون في مقابل 243 يوما للنخبة في المجتمعات غير السلفية هناك 93 يوما للنخبة في المجتمع السلفي أي أنهم هناك يتمتعون بزمن أكثر من الضعفين و نصف من الزمن المتوفر لنخبة المجتمع السلفي النموذجي ، رغم أن الواقع يقول إن الفارق أكبر من ذلك بكثير . الإبداع العلمي يتطلب درجة عالية من اليقظة العقلية و الانشغال شبه الدائم بموضوع الابداع و التساؤل و الشك ، فالساعي لاختراع جهاز أو اكتشاف دواء أو حل معضلة رياضية لا ينجح عادة لو قطع حبل أفكاره انشغال بشيء آخر ... التاريخ و الواقع المعاصر يؤكد ما ذهبنا إليه ، فلا تكاد تجد في الماضي مبدعين من النخبة السلفية ، جلهم من الضفة الأخرى ، و المأساة أن المبدعين و العلماء ممن كانوا على الضفة الأخرى تعرضوا للتكفير و المحاربة و التبشيع بهم (انظر ما كتبه الشيخ السلفي ناصر بن حمد في زماننا عن حقيقة الحضارة الإسلامية و العلماء الملحدين والعلوم المحرّمة فى الحضارة الإسلامية ، يفتتح كتابه (حقيقة الحضارة الإسلامية) بالقول : "هذه المذكرة جواب عمَّن جعل حضارة الإسلام هي النبوغ في علوم الفلاسفة والملاحدة وجعلها هي تشييد المباني وزخرفة المساجد ، وجعل علماء الإسلام هم الملاحدة كابن سينا والفارابي و نحوهم ... " و في الفصل الأول من الكتاب المذكور يقول :" لا علم غير العلم الشرعى ، ولا يوجد فى الحضارة الإسلامية الحقيقية من علوم سوى علوم الفقة والحديث والتفسير ، أما ما هو غير ذلك فهو من الأباطيل والمحرمات والممنوعات والمكروهات والمنبوذات والتى يكرهها الله ورسوله ..." ..... و قد أثبت بما لا يدع مجالا للشك مستشهدا بابن تيمية و نخبة علماء السلفية أن كل الفلاسفة و العلماء من غير الذين على صورتهم لا خير فيهم ، اقرأ له ما ينقله عن شيخه ابن تيمية في كتابه المذكور : " جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علماً ، وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعاً ، وإما أن لا يكون علماً وإن سمي به ، ولئن كان علماً نافعاً فلا بد أن يكون في ميراث محمد ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه..."..... في الحقيقة لم يفعل ناصر بن حمد الفهد شيئا غير تجميع و نقل ما ظل يكتبه السلفيون و يؤكدون عليه من بؤس معارفهم عن الحضارة الإنسانية و تكفير كل العلماء تقريبا ، فمن شملهم جنابه الكريم بالتكفير (ابن المقفع : عبد الله بن المقفع ت : 145 ه ، جابر ابن حيان : ت : 200 ه ، الخوارزمي : محمد بن موسى الخوارزمي ت : 232 ه ، الجاحظ : عمرو بن بحر : ت : 255 ه ، ابن شاكر : محمد بن موسى بن شاكر : ت : 259 ه ، الكندي : يعقوب بن اسحاق : ت : 260 ه ، عباس بن فرناس : ت : 274 ه ، ثابت بن قرة : ت : 288 ه ، اليعقوبي : أحمد بن اسحاق 292 ه ، الرازي : محمد بن زكريا الطبيب : ت : 313 ه ، الفارابي : محمد بن محمد بن طرخان : 339 ه ، المسعودي : علي بن الحسين : ت : 346 ه ، مسكويه : محمد بن أحمد : ت : 421 ه ، ابن سينا : الحسين بن عبد الله : ت : 428 ه ، المعرّي : أبو العلاء أحمد بن عبد الله : ت : 449 ه ، ابن باجه : أبو بكر بن الصائغ ( محمد بن يحيى ): ت : 533 ه ، الأدريسي : محمد بن محمد : ت : 560 ه ، ابن طفيل : محمد بن عبد الملك : 581 ه ، ابن رشد الحفيد : محمد بن أحمد بن محمد : ت : 595 ه ، ابن جبير : محمد بن أحمد : ت : 614 ه ، الطوسي : نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن : ت : 672 ه ، ابن البناء : أحمد بن محمد : ت : 721 ه ، ابن بطوطة : محمد بن عبد الله : ت : 779 ه .." ..... و يرد على الشبهات (لله دره) كما يلي :
" الشبهة الأولى : أن هؤلاء العلماء قد نشأوا فى ظل الحضارة الإسلامية لذالك يجوز الفخر بهم رغم أنهم كفار ، رد هذة الشبهة أنهم ملحدين ولا يجوز الفخر بهم وإلا كنّا إفتخرنا بالعلماء اليهود والمسيحيين الذين نشأوا فى ظل الحضارة الإسلامية .
الشبهة الثانية : أننا لو أنكرنا الفخر بهؤلاء سينقص من حضارة الإسلام الكثير ولا يمكننا أن نقدم للغرب ما نملكه حتى ندعوهم للإسلام . و الرد أن الإسلام هو كما هو ولا يجب أن نخدع الغرب حتى ندخلهم فى الإسلام .
الشبهة الثالثة : الغرب الآن متقدم لأنه أخذ بأسباب هذة العلوم . و الرد : " لا نريد تقدمهم هذا المبني على الإلحاد والكفر . "
الشبهة الخامسة : لقد تراجع المسلمون وتخلفوا بسبب تركهم لهذة العلوم . و الرد " أن قوتنا فى المشاعر الدينية لا فى التقدم العلمى الحضارى ." انتهى ما أوردناه عن العالم العلامة و الحبر الفهامة ناصر بن حمد و آمل ألا يزعجنا السلفيون ممن هم على شاكلته بكلامهم عن المذكورين أعلاه بأنهم علماء مسلمين .
في عصرنا تتكرر نفس المفاهيم في الوعي و اللاوعي و تتحقق نتائجها و قد كنت أشعر بالحسرة و أنا في جماعة الأخوان المسلمين من أن الشيوعيين و من نسميهم بالعلمانيين يتفوقون علينا بالشعراء و المبدعين في كل المجالات و يؤلفون الكتب في قضايا الفكر و نحن نجيد الانتقاد ، أي كما يحدث اليوم ، يجيد العقل السلفي العمل على إبداعات الآخرين هدما و شتما و استهزاءً و سخرية ، لكنه كما نلمس لا يستطيع صناعة الإبداع أو التقدم ، يمكن مقارنة المجتمعات التي تسيطر عليها الثقافة السلفية بمجتمعات تشبهها في كثير من الظروف لمعرفة الفرق ، قارن بين الهند و باكستان أو بين ماليزيا و تركيا من جانب و بقية دول عالمنا الإسلامي من جانب آخر ، قارن بين مصر و كوريا الجنوبية في الستينيات من القرن الماضي و كيف كانتا متقاربتين في الانتاج و التصدير و قارن حالهما اليوم ، أما المقارنة بين تلك الدول و بين اسرائيل مثلا فمضحكة ناهيك عن المقارنة بينها و بين أوربا أو أمريكا ... المهم أيضا الملاحظة المخيفة من أن الفارق يزداد ربما بمتوالية هندسية مما دعا أحدهم للتبنؤ بأنه في ظرف ثلاثين عاما سينقرض عالمنا هذا (حامد عبد الصمد ... سقوط العالم الإسلامي) ..لا يمكن أن يكون كل ذلك صدفة ... من يفكر جيدا يعرف لماذا تموّل و تساند المخابرات الغربية و الاسرائيلية الحركات الإسلامية السلفية ، ذلك أنها الترياق الفعال ضد التقدم ، و أفضل وصفة لبقاء العالم العربي و الإسلامي في تخلفه ، عكس ما يشيعه أهل الإسلام السياسي عن عداء الغرب و اسرائيل لهم ... صحيح أن الغرب و اسرائيل يريدونهم لخدمة أدوار معينة بعيدا عنهم ، لكن الزمن أثبت أن الحريق الذي يشب في بيت جارك سيصلك حتما أن لم يتم اطفاؤه ، و هذا ما صار يدعوهم لإبعاد الدمار عنهم .
نعود لخيطنا ... بما أن عنوان هذه الحلقات تمّ تناول العلمانية منه و القول أن جوهر الدين و كل الأديان العدالة ، تبقّى تناول الرق و المسكوت عنه و منه المرأة . سنبدأ بالرق و نحاول تتبع هذه الظاهرة التي تمثل أبشع و أقبح ممارسة تاريخية استغلالية للإنسان . نعم هناك صور متعددة للإستغلال كالقنانة ثم العمل المأجور و هناك صور للظلم مثل التفرقة العنصرية و الاضطهاد الديني و ... و ... لكن سيبقى الرق الوصمة الأشد قبحا في التاريخ الإنساني و الذي لا يدانيه في القبح و الفجاجة و الوحشية أي قبح أو وحشية ، فإن تملك إنسانا كما تملك الحيوان و أن يكون محروما من أي أمل في الدنيا فذلك شيء فظيع . تناولنا للرق ليس ترفا فكريا أو لنبش مرارات الماضي ، لكن لأن آثار الرق لا زالت تحفر جراحا عميقة في مجتمعنا و هذه الآثار هي جزء من المسكوت عنه . الكاتب الإنسان لا قبيلة له و لا قومية و بل هو ينتمي لبني الإنسان ، كنت و لا زلت أؤمن بالحكمة : قل لي ما هي قضاياك التي تدافع عنها أقول لك من أنت .
تاريخ الإنسان بدأ على هذا الكوكب منذ زمن قديم ، منذ أسلافه الأوائل قبل سبعة ملايين سنة
Why Evolution Is True: Jerry A. Coyne (لماذا يعد التطورحقيقيّا جيري كوين منشورات مطابع جامعة أكسفورد، بنيويورك 2009م باللغة الانجليزية) منذ حوالي مليونين و ثلاثمائة ألف سنة يقابلنا العصر الحجري ... بدأ سكن الإنسان للكهوف منذ أكثر من مليون سنة عندما خرج الإنسان العاقل من أفريقيا على الأرجح ... هذا الإنسان الذي يظهر السجل الأحفوري أسلافه منذ حوالي مليونين من السنين في مجموعات تضم "الإنسان الماهر Homo habilis" و"الإنسان المنتصب Homo erectus" و"إنسان هيدلبرغ Homo heidelbergensis" . من الإنسان العاقل الخارج من أفريقيا ظهر الإنسان الحديث (Homo sapiens) منذ حوالي مائتي ألف عام . يُعتقد حسب كل المعطيات أن التغيرات المناخية أدت لهلاك أسلافنا و تبقت مجموعات صغيرة ربما لا تتجاوز بضع مئات نمت و توزعت ذريتهم في أركان الدنيا الأربعة ، هؤلاء هم أسلاف كل سكان الكوكب من البشر اليوم . من المثير تتبع تطور الجمجمة البشرية و نمو الدماغ ، فقد ازداد حجم الجمجمة باطراد عبر الزمن ، و نلاحظ أن شكل الجبهة لإنسان اليوم مختلف عن الشكل الذي كان لأسلافنا و أن تجويف الجمجمة زاد حجمه تدريجيا . هناك شواهد كثيرة تدل على أن الإنسان بدأ يشيد مساكن خاصة به بدل الكهوف قبل أكثر قليلا من ثلاثين ألف سنة ، لكن الراجح أن الإنسان بدأ في إقامة مستوطنات جماعية في السهول بداية الألفية التاسعة قبل الميلاد و اكتشف الزراعة و دجن الحيوان . سيبدأ كما قال (ول ديورانت في (قصة الحضارة) تاريخ الرق متزامنا مع الزراعة .
قبل تطوير الأدوات لانتاج فائض اقتصادي لم يكن باستطاعة العقل الإنساني أن يفكر في الرق ، العامل الحاسم لنشوء الرق هو تطور أدوات الانتاج بحيث يستطيع الإنسان المستعبد أن ينتج ما يكفيه و يفيض. لا أحد يعرف بالضبط كيف بدأ الرق و لكن الأرجح أن الغارات و الحروب كانت المدخل للرق . قبل تطوير الأدوات لانتاج فائض غذائي لم يكن لاستعباد إنسان فائدة فهو سينتج ما يكفيه فقط لذا من الراجح أن المنتصر كان يقتل أسرى المهزوم . سنرى أن الرق يحتاج لآليتين إثنتين مهمتين : أولا آلية القهر ( السيف و السوط) التي من غيرها لا إمكانية للرق ، ثانيا نشر أيديلوجية السأدة التي تبرر الرق و تجعله أمرا حتميا و طبيعيا و أنه من إرادة الآلهة و تقسيمها للأدوار بين البشر و أنه يجب الرضا بإرادة الآلهة و عدم الخروج من طاعتها .... في كل عصر تتلون ايديلوجية التبرير ، فحتى عهد قريب حضرنا خواتيمه كان بعضهم يعلق مظالم الرق على شماعة الإرادة الإلهية ، بل لا زال من يدعو لعصره كما أوردنا في المقال رقم (1) من هذه السلسلة .. انظر :
http://www.alrakoba.net/articles-act...w-id-45407.htm
من التبريرات أن من لم يقبل دعوة الرب يجب استعباده و أن العبد الآبق عاص للرب و سيكون مصيره العذاب في اليوم الآخر .الرق إذا كان وصمة و مأساة بالنسبة للرجال فهو وصمة و مأساة أفظع بالنسبة للنساء . سنلقي نظرة على الرق في الحضارات القديمة و نتابعه عبر دروب التاريخ ما أمكننا ذلك في قادم الأيام إن شاء الله .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.