لقد كان السودان في مقدمة دول العالم الثالث التي نالت إستقلالها وكان رقما قياسيا معتبرا يحتذى به في ساحات النضال ،ولكن أنظمة الحكم المتعاقبة عليه فشلت في إدارته ،فقد باضت المحسوبية وافرخت وعم الفساد مؤسسات الدولة بأكملها حتي أصبحت خاوية متآكلة مما جعلها تصنف بأنها من أسوأ بلاد العالم من حيث الآداء الحكومي والفساد وهذا الأمر زاد من معاناة الفرد في حركة بحثه عن حياة كريمة في بلاد تزخر بأطيب الموارد والخبرات الكامنة ، إنها أزمة قيادة ومحنة حكم ومأساة شعب . هذا الوضع الأسن لا بد من تغييره وتحريك بركة الحياة الراكدة من حوله ولا بد من إحداث نقلة نوعية في السلطة لترضي تطلعات وطموحات المواطنين كافة . إن التوجه الجديد للنظام في إطلاق الحريات وإتاحة الفرصة للأحزاب بممارسة نشاطها وعقد لقاءآتها مع عضويتها ومخاطبة الجماهير عبر وسائل الإعلام المختلفة وإنتظام النظام في ملتقيات حوارية مع القوى الوطنية المعارضة سيفسح المجال للمشاركة السياسية الكاملة والحقيقية ، (خصوصا بعد ترحيب أحزاب اليسار بإفساح الحريات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين) لكن هنالك إستحقاقات لا بدّ من تحقيقها علي أرض الواقع والعمل الجاد علي إنفاذها لنجني ثمرة ما أقدمنا عليه من عمل يهدف لطي ملف المشكل السوداني أولا: ان نمضي في الحوار إلي نهاياته المفضية لدولة مدنية ونظام ديمقراطي يتم فيه الوصول إلي كرسي الحكم عن طريق الإنتخابات النزيهة والشفافة. ثانيا الحوار السليم مع حملة السلاح وإقناعهم بأن حمل السلاح قد زالت أسبابه و مبرراته وأصبح الصراع في ميادين السياسة حرا وليس حكرا لأناس دون آخرين. ثالثا: لا بدّ من الوصول إلي الأغلبية الصامتة التي أضناها اليأس وأصابها الاحباط وملكتهم الحيرة حيال محنة السودان التي إضمحل عطاءهم فيها بسبب سياسات الإغصاء والتهميش والتي لم تشارك في الحكم ولم تنتظم في صفوف المعارضة. رابعا : لا بد من مخاطبة جيل الشباب خصوصا الذين تخرجوا من الجامعات والعمل علي إنتشال الذين إنكسرت نفوسهم بسبب إغلاق فرص الحياة أمامهم ولا بد من إشراكهم في إدارة عجلة النماء والتقدم وترقية مستوى الحياة كل حسب قدراته الذاتية ليدفع بها إلي الأمام. خامسا : لا بدّ من إنتهاج سياسة خارجية تشعر المواطن بقوة دولته وهيبتها ورفعتها وتأثيرها الموجب في محيطها الخارجي وحسم الملفات الخلافية مع دولة الجنوب وجمهورية مصر خصوصا ملف مثلث حلايب. ولئن صدقت النوايا في توجهنا القاصد إلي تداول سلمي للسطة فإنه ينبغي علينا إكمال الصورة المثالية لمرحلة إستشراف الديمقراطية بعد ربع قرن من الزمان مضي بالآهات والأحزان والجراح العميقة بالتالي: خلق بيئة تشريعية عادلة وفاعلة في مراقبة الجهاز التنفيذي تعكس رغبات وتطلعات المواطنين في حرية تامة لضمان توفير الإستقرار والطمانينة العامة وذلك بفك إحتكار النظام لمؤسسات البلاد التشريعية في المركز والولايات. ثانيا فك الإرتباط بين الحزب الحاكم والدولة ماليا وإداريا ، والدولة هنا لا نعني الأجهزة الرسمية فحسب بل حتي منظمات العمل المدني والإتحادات الطلابية والإتحادات الشبابية والنقابات والإتحادات العمالية والمهنية حيث ظل النظام بصورة أو أخري يفرض سيطرته حتي علي اللجان الشعبية في الأحياء السكنية وأغلب الناس التي ترغب في تقديم خدمات طوعية لا تجد واجهات تعمل من خلالها إلا أن تكون من منسوبي الحزب الحاكم مما جعلهم يعزفون عن المشاركة في أنشطة هذه الواجهات مما جعل عطاءها باهتا. تجميد كافة القوانين المقيدة للحريات خصوصا تلك التي تتصادم مع حقوق الإنسان ومقاصد الشريعة الإسلامية وكذلك التي تحد من الأنشطة الإجتماعية والمنتديات الثقافية والتجمعات الشبابية والنسوية. مراجعة آداء الولاة وإعفاء كل من له خصومة مع مواطنيه أو من عجز في النهوض بولايته ، فقد علت في الفترة الماضية أصوات الشكوي منهم جميعا خصوصا(سنار- الجزيرة - كسلا النيل الأبيض )إما لضعفهم أو لفسادهم أو لتسترهم علي الفساد أو لإستعلاءهم علي الجماهير وتعنتهم في تفهم قضاياهم وهموم مناطقهم. توحيد الخطاب الإعلامي والسياسي للحزب الحاكم المرسخ والداعم للتحول الديمقراطي والنأى عن التصريحات الإستفزازية التي تشكك في مصداقيته وتطعن روح الوفاق الوطني والتوافق في مقتل. بهذا نكون قد إستوفينا عمليا مطلوبات التحول الديمقراطي وتخطينا مرحلة عصيبة من حياتنا السياسية الحافلة بالأحداث المؤرقة والؤلمة التي كان من شأنها أن تعصف بنا في مهب الريح وتطيل من أمد الحروب ، وبذلك نستطيع أن نعيد للسودان ألقه المفقود وبريق حضوره في دوائر التأثير العالمي . أحمد بطران عبد القادر [email protected]