* اتخذ البنك المركزي قراراً مثيراً للجدل، بحظر البنوك التجارية من تمويل شراء السيارات والعقارات، بادعاء أنه يرغب في حض المصارف على تمويل القطاعات المنتجة، كي تسهم في تنشيط الاقتصاد. * يرى مسؤولو البنك المركزي أن البنوك انصرفت عن تمويل القطاعات المنتجة و(الجالبة للدولار)، واتجهت إلى تمويل الخدمات، وشراء السيارات والعقارات للأفراد، ويزعمون أن فعلها هزم الإنتاج، وأضعف الزراعة وقلص عوائد الصناعة، وقضى على الإنتاج الحيواني. * فاتت على البنك المركزي حقيقة مهمة، مفادها أن إهمال تمويل القطاعات المنتجة يمثل خطيئةً كبيرة، لا تتحمل وزرها المصارف، بقدر ما تلام عليها الحكومة نفسها، بدليل أن النسبة المخصصة لتمويل الزراعة في ميزانية الدولة للعام الحالي لم تتجاوز 2% فقط!! * النسبة مخجلة، بل مثيرة للاستغراب، لأنها تحدث في دولة زراعية، تمتلك أكثر من مائتي مليون فدان من الأراضي الخصبة، ووفرة في المياه، وخبرات نوعية في الزراعة. * إلقاء اللوم على البنوك في قضية ضعف تمويل قطاعات الإنتاج غير منطقي ولا مقبول. * ضعف أداء القطاع الزراعي مثلاً، له مسببات كثيرة لا علاقة لها بالتمويل البنكي، بقدر ما يتعلق بإهمال الدولة للقطاع المذكور، وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، وكثرة الرسوم المفروضة على الزراعة، ووضع متاريس عديدة في وجه مصدري المنتجات الزراعية، على رأسها فرض رسوم (بالدولار) عليهم، مثل ما حدث لمن تصدوا لمهمة تصدير فائض الإنتاج الهائل في محصول البصل في العام الحالي. * الحكومة التي تتشدق بالحديث عن رغبتها في تشجيع الصادر فرضت مائتي دولار رسوماً على كل طن معد للتصدير من البصل! * كان بمقدور البنك المركزي أن يلزم البنوك بتمويل القطاعات المنتجة بنسبٍ محددةٍ، ويعاقب من لا يلتزمون بما أقره، بدلاً من حرمان المصارف من عوائد تمويل العقارات والسيارات بقرارٍ مفاجئ وغير مدروس، علماً أن النشاط الأخير له أرباح سريعة ومضمونة، بخلاف تمويل الزراعة الذي يحوي مخاطر عالية، أدناها تفشي ظواهر التعثر بين المزارعين، وأوسطها مهددات تتعلق بالآفات وارتفاع أسعار المبيدات وبقية المدخلات الزراعية، ونقص الأمطار في بعض مناطق الزراعة المطرية، وأعلاها الشكاوى المتصلة من الضرائب والرسوم التي أثقلت كاهل المزارعين، وجعلتهم يفرون من الزراعة إلى ما سواها. * تمويل الزراعة متروك للبنك الزراعي وحده حالياً، وشكاوى المزارعين من ضعف التمويل متواترة كل عام. * السودان قُطر زراعي، والمنطق يدعو الدولة إلى الاتجاه لدعم الزراعة بكلياتها، بمنح المزارعين تمويلاً مجانياً لفتراتٍ محدودة، وتوفير المعدات والتقاوى والوقود والأسمدة والمبيدات لهم بالمجان، أو بأسعارٍ مدعومة، مع إلغاء الجبايات لضمان تحقيق وفرة إنتاجية، تنعكس إيجاباً على (قفة الملاح)، وتسهم في دعم الصادرات، لترفد الخزانة العامة بعوائد مقدرة. * حتى الأسعار التي تحددها الدولة لشراء المحاصيل الأساسية مثل القمح والقطن والذرة من المزارعين غير مجزية، وتنفّر الناس من الزراعة، والجزئية المذكورة لا تندرج تحت مسؤولية البنوك التجارية مطلقاً. * رفعت الإنقاذ شعار (نأكل مما نزرع) في أيامها الأولى، لكن شعارها لم يتنزل إلى أرض الواقع، بدليل أننا ما زلنا نأكل مما نستورد، ونجلب القمح والدقيق والسكر وحتى المعلبات والعنب والتفاح والشيبس من الخارج! * انظروا إلى ما يحدث لمشروع الجزيرة الذي تفوق مساحته مليوني فدان تروى فيضياً (بأقل كلفة)، هل ينبئ عن رغبة الحكومة في دعم الزراعة؟ * تطوير الإنتاج الزراعي يحتاج إلى قرارٍ سياسي، يضع الزراعة في مقدمة أولوليات الحكومة، وفي صدر ميزانيتها! * تخصص الحكومة 2 في المائة فقط من الميزانية للزراعة، ثم تتهم البنوك بعدم تمويلها، وتتشدق برغبتها في تطويرها وتحسين مردودها. * الفيك بادربو!! اليوم التالي