هذه الحلقة مكتوبة تحت ثقل واقع الحكم باعدام أبرار أو مريم أو ايا كان اسمها و ذلك لأنها مرتدة حسب الحكم و قد تم إمهالها ثلاثة أيام لتتوب عن ردتها و لكنها لم تتب ، ما أبخس قدر الإنسان في بلادنا ، فالمجتمع و الدولة تحب المنافق التائب الذي يظهر التسليم بما يحبه المجتمع و تكره الصادق الشجاع الذي يعلن ما يبطن ... رغم كل ملابسات قضية مريم أو أبرار و أسرتها فإن ما أخرجته للعالم هو مدى بؤس أفكارنا . غالبا سيجد فقهاؤنا فتوى تجعلهم يتجنبون حكم قتل المرتد مثلما وجدوا الفتاوى للخروج من أزمة الرق بعد أن كابروا زمنا طويلا و كفروا من كان يدعو لإلغاء الرق باعتباره يريد تحريم ما أحله الله و الله لا يحلل إلا طيبا ، حسب زعمهم حينذاك أن الرق من الحلال الطيب . مررنا على غزوات السنة الثانية للهجرة دون أن نتعرض لسرايا السنة الأولى و الثانية و ذلك لأن الغزوات تمت بمشاركة صاحب الدعوة ... إذا كانت لدينا جملة اعتراضية قبل الاستمرار فهي ملاحظة ما ورد في الحلقة قبل الماضية عن استنكاف و استهجان قبيلة ربيعة للسبي ، الملاحظة في شكل تساؤل : كيف طورت تلك القبيلة أعرافها لتستنكر السبي ؟ لا شك أن تجارب الغزو بين القبائل للأسباب التي سقناها قد حفرت في النفسية العربية البدوية مرارات جعلت إمكانية ملاحظة أن تعيش على جثث الآخرين مسألة تشك الضمير بوخزات ، فأن تعيش على نهب خيرات غيرك و قتل أطفاله و استرقاقهم و سبي نسائه تجعل تراكمات تلك الوحشية غير مقبولة في الضمير و كان لا بد أن تتطور تلك المشاعر بصورة وئيدة لتنتج أعرافا تكره نتائج الغزو و بالتالي الغزو نفسه ، لكن استمرار الغزو و السلب و النهب و الاسترقاق ظل رهين بشيئين أساسين : أولا ظروف البيئة القاسية و ثانيا و الأهم هو إيجاد مبرر مقدس يريح الضمير ، أي الستارة الدينية التي تكلمنا عنها في الحلقات السابقة . سنلاحظ إن مؤسسة الغزو تاريخيا حتى محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر (1703 1793م) و مع الدولة السعودية الأولى ، جعلت الضمير البدوي يجد مبرراته المقدسة في قتل و سلب الآخر و استرقاق ذريته و سبي نسائه ، و كان التفسير الوهابي بسيطا جدا و مستندا على نصوص دينية ، حتى قتل الأسرى كان يجوزه اعتمادا على الآية الخامسة من سورة التوبة ( ... فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) ، كان يعتمد التفسير المتشدد الذي يجوّز قتل الأسرى لأن الاختلاف بين المفسرين كان : هل يجوز قتل اسرى المشركين أم لا يجوز ، أما (خلوا سبيلهم) فلا تعني تركهم بعد الإمساك بهم بل قبل أن يقدروا عليهم ، و قد طبق ذلك عندنا محمد احمد المهدي في غزواته فقتل من أنكر مهديته عندما قدر عليه و نهب أمواله و سبى نساءه و على هديه سار خليفته في القتل للمخالف و السلب و النهب و السبي المقدس يجعل القاتل يقتل و هو فرح بالقتل لذا جاء القول : لا يرتكب الإنسان الشر مثلما يرتكبه باسم الدين .... ذلك لأنه يكون ميت الضمير فيقتل و ينهب و يسترق و يسبي رجاء الثواب ... لكن حتى المقدس لا تبقى تفسيراته ثابتة ، ستتغير تبعا لتغير الظروف و المرحلة التاريخية و مستوى التطور أي ظروف الزمان و المكان ، فلم تثر مسالة إرضاع الكبير مثلا ضجة في زمنها الأصلي في عهد النبوة ، لكنها أثارت ضجة و استنكارا بل و رفضا و استهجانا كبيرا عندما أفتى بها الشيخ د.عزت عطية رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر في مايو 2007 معتمدا على حديث صحيح و معتمدا على ما كانت تقوم به السيدة عائشة التي كانت تأمر بنات أخيها وبنات أخوتها بإرضاع من تحوج الظروف إلي دخوله عليها ليكون محرماً لها من جهة الرضاعة .. كان الشيخ عزت عطية طيبا حد السذاجة ، فقد كان يطمح في حل مشكلة خلوة الموظفات بزملائهم ليجعلها شرعية حسب وجهة نظره فقال : " إرضاع الكبير يكون خمس رضعات وهو يبيح الخلوة ولا يحرم الزواج، وان المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته، مطالباً توثيق هذا الإرضاع كتابة ورسميًا ويكتب في العقد أن فلانة أرضعت فلانًا..." . http://www.alarabiya.net/articles/2007/05/16/34518.html لكنه ما كان يعيش العصر إذ أنه كان يعيش فيه بجسده فقط أما عقله فهو هناك في ذلك الزمن و هو زمن خارج التاريخ ، مما اضطره تحت الضغوط لسحب الفتوى و الاعتذار و الاضطرار للاستقالة . نرجع لتسلسل أفكارنا . في السنة الثالثة للهجرة حدثت غزوات : ذي أمر ، بحران ، أحد ، حمراء الأسد . هناك سرية مهمة مهدت للتعجيل بغزوة أحد و هي سرية زيد بن حارثة : في جمادي الآخرة سنة 3 ه خرجت هذه السرية تطلب عيرا لقريش بقيادة صفوان بن أمية متخفية متنكبة طريق الساحل و كان دليلها فرات بن حيان و لكن بلغت أخبارها المدينة و ذلك أن سَلِيط بن النعمان كان قد أسلم اجتمع في مجلس شرب وذلك قبل تحريم الخمر مع نعيم بن مسعود الأشجعي ولم يكن أسلم إذ ذاك فلما أخذت الخمر من نعيم تحدث بالتفصيل عن قضية العير وخطة سيرها ، فأسرع سليط إلى النبي (ص) يروي له القصة . تم تجهيز حملة بقيادة زيد بن حارثة فاستولت على عير قريش و أسرت دليلها و فر صفوان و من معه فلم تكن القوة متكافئة ، و تم تقسيم الغنائم بين أفراد السرية بعد أن إخراج الخمس للرسول (ص) ... أول من سن سنة إخراج الخمس هو عبد الله بن جحش في السنة الثانية للهجرة لقريش في آخر يوم في رجب ، عندما غنم عيرا تحمل زبيبا و إدما وتجارة من تجارة قريش و ذلك قبل نزول الوحي بإخراج الخمس ... سرية زيد بن حارثة أججت غضب قريش و زادت رغبتها في الانتقام فتجهزت لغزوة أحد .... غزوات السنة الرابعة للهجرة ثلاث : بني النضير ، ذات الرقاع ، بدر الآخرة ... ندخل السنة الخامسة فنمر بغزوة دومة الجندل تلتها غزوة بني المصطلق التي سنتوقف عندها قليلا ... [email protected]