* أثار البيان الذي أصدرته رئاسة الجمهورية في ساعة متأخرة من ليلة أمس الأول لغطاً شديداً في الأوساط الإعلامية، سعياً إلى تحديد دوافعه ومآلاته. * ازدادت حدة اللغط عقب إقدام السلطات على مصادرة صحيفة (الصيحة)، واشتعلت مجموعات (الواتساب) بنقاشٍ ساخنٍ، أداره زملاء المهنة، وامتد حتى مطلع الفجر. * بغض النظر عن العجلة (غير المعهودة) التي صاحبت مولد البيان، وبتجاوز ما صاحب صياغته من هنات، نقول إن صدور بيان من قيادة الدولة بعد منتصف الليل أثار العديد من علامات الاستفهام. * حدد البيان (محظورات النشر)، واعتبر خوض الصحف في القضايا المتعلقة بالأمن والملفات العسكرية والأمنية والعدلية (مهدداً لسلامة الوطن، وتجاوزاً للخط الأحمر، وإخلالاً بالأمن والسلامة الوطنية). * كذلك اعتبر البيان (المساس ببعض المسؤولين ومحاكمتهم إعلامياً من دون تثبت والتشهير بهم أمراً غير مقبول)، وطالب الصحف بأن تنأى عن ذلك، وحذرها (بلغة صارمة) من التمادي فيه. * أعاد بيان الرئاسة ومصادرة (الصيحة) ترتيب أولويات الصحف، لأنه أذن بنهاية عصر الحرية التي تمتعت بها الصحافة مؤخراً، وأعلن بداية مرحلةٍ جديدةٍ، قد يصبح العمل الصحافي فيها أشد صعوبة مما كان عليه في الفترة التي سبقت إعلان إطلاق الحريات. * يشهد المراقبون للصحافة بأنها تعاملت مع أجواء الحرية بمسؤولية، وقدمت مردوداً مهنياً متميزاً، خلا من الاندفاع، ولم يشهد تجاوزاتٍ مخلةً.. إلا ما ندر. * ظل معظم رؤساء التحرير يتحدثون في ما بينهم عن أن تراجع الحكومة عن ملاحقة الصحف بالمصادرة قد يكون إجراءً مؤقتاً، ينهار مع أول هزة.. لذلك تعاملوا مع ما أتيح لهم بحذرٍ،عرّضهم إلى الكثير من التقريع، ووضعهم في مرمى نيران معارضين، هاجموهم بلا هوادة، وزعموا أن محتوى الصحف لم يختلف عما كان عليه الحال قبل انطلاق مبادرة الحوار الوطني. * اتهام صحيفة أو اثنتين من مجمل أكثر من عشرين صحيفة سياسية تصدر يومياً بتجاوز ما يسمى (الخطوط الحمراء) لا يصلح مبرراً لمعاودة الانقضاض على حرية الصحافة. * الإجراءات الأخيرة ستلقي بظلالٍ سالبة على مبادرةٍ سياسيةٍ شجاعة، حظيت بقبولٍ واسعٍ على الصعيدين المحلي والدولي، وأحيت الأمل في إمكانية الوصول إلى حلٍ سياسي لأزمة السودان. * للحرية مهرها. * سبق للزعيم الخالد إسماعيل الأزهري أن قال عنها: (الحرية نور ونار.. من أراد نورها فليصطلِ بنارها). * على المؤتمر الوطني أن يتحمل نار الحرية إذا أراد أن يمتع نفسه بثمارها، لأن تراجعه عنها سيمنح من شككوا في جدية مبادرته الأخيرة ألف سبب كي يطعنوا فيها. * لسان حال المعارضين: (ألم نقل لكم إنهم لن يستطيعوا على الحرية صبرا)؟ * حتى متمردي قطاع الشمال شككوا خلال جولة المفاوضات الأخيرة في جدية مسعى الحزب الحاكم لحل الأزمة السياسية بالحوار، واستشهدوا بنكوصه عن اتفاق (نافع عقار) ليدللوا به عن أنه لا يحفظ وعوده، ولا يفي بالتزاماته. * ها هو المؤتمر الوطني يهديهم ورقةً جديدةً، سيستخدمونها في الهجوم عليه والتشكيك في نواياه. * من طعنت الصحافة في نزاهتهم لجأوا إلى القضاء، وفي ساحاته الرحبة يمكن لكل من انتهكت حقوقه أن يستردها، وينال كل متجاوز حسابه بالقانون. * دعوا الصحافة تمارس عملها بلا تضييق، وامنحوا القضاء حقه في أن يفصل بين المتخاصمين، ويقضي بينهم بالحق.. وبالقانون.. لا بإجراءاتٍ استثنائية لن تفضي إلا للمزيد من الاحتقان السياسي والاحتراب. اليوم التالي