وفد الادارة العامة للرقابة على شركات صادر الذهب يختتم زيارته للولاية الشمالية    من داخل القاهرة.. كنت أحب عبد الناصر    ومَا أُبرئُ نَفْسِي !!    الأرصاد في السودان تصدر إنذارا برتقاليا    جامعة كسلا تكرم رواد البحث العلمي    الرابطة كوستي تواصل في تدعيم صفوفها وتكسب الثنائي    رئيس شركة اسكاي يقترب من دخول مجلس المريخ    الفاشر تمنحنا شارة إشارقة الغد المأمول    المصباح في مصر .. العودة إلي نقطة الصفر    تصنيف الهلال الذي اغضب المريخاب..!!    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا رودريغيز    برشلونة يلعب مباراة تاريخية في ميامي ويتكبد خسارة مبكرة    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    شاهد بالصور.. روماني الهلال يفاجئ جماهير فريقه بعد توقيع العقد ويظهر بالزي القومي السوداني    النصر السعودي يحسم صفقة كومان    شاهد بالفيديو.. بعد أن عثرت على صورة فاضحة لخطيبها مع عشيقته المتزوجة.. فتاة سودانية تفتح بلاغات في "نسابتها" وتقوم بسجن والده وشقيقته    شاهد بالفيديو.. مواطن مصري يودع مئات السودانيين العائدين إلى أرض الوطن بالورود: (هدفنا هو أن نترك ذكرى حلوة عند أخواننا)    شاهد بالفيديو.. أخذت تتفاعل في الرقص.. سيدة سودانية تفاجئ المعازيم وتقتحم "صيوان" فرح بأحد الأحياء وهي راكبة على ظهر "حمار"    بادي يستقبل وفد الامانة العامة لاتحاد المصدرين والمستوردين العرب    10 أشياء توقف عن فعلها على موبايلك لتحسين البطارية    تنويه مهم لمجلس السيادة السوداني    د. معاوية البخاري يكتب: السودان يدخل أخطر مرحلة على الإطلاق.. ماذا حدث؟    حُبّنا لك سوفَ يكُون زَادَك    رئيس لجنة انتخابات نادي المريخ السوداني يطلق البشريات    مصرع وإصابة عشرات المهاجرين بينهم مصريون وسودانيون    وزير المالية يوجه بسداد مستحقات الحكومة على قطاع الاتصالات في وقتها    السجن 20 عاما لرئيس وزراء تشاد السابق    شاهد بالفيديو.. أيقونة الثورة السودانية "دسيس مان" يظهر حزيناً بعد إصابته بكسور في يديه ويلمح لإنفصاله عن الدعم السريع والجمهور يكشف بالأدلة: (سبب الكسور التعذيب الذي تعرض له من المليشيا)    بعد قرعة الكونفدرالية.. رئيس نادي الزمالة أم روابة: (تحققت نبوءتي لكني لا أتمناها حالياً)    البشاعة والوضاعة تعتذران للنهود    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    النيابة المصرية تصدر قرارات جديدة بشأن 8 من مشاهير «تيك توك»    كارثة تحت الرماد    رافق عادل إمام في التجربة الدنماركية .. وفاة الفنان سيد صادق عن عمر يناهز 80 عامًا    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    ضبط عدد 12 سبيكة ذهبية وأربعة كيلو من الذهب المشغول وتوقف متهم يستغل عربة دفار محملة بمنهوبات المواطنين بجسر عطبرة    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مايا ورضيعٌ آخر
نشر في الراكوبة يوم 29 - 05 - 2014

أحسست بسعادة غامرة عندما سمعت بخبر ولادة مايا ابنة مريم يحيى ودانيال واني وأنها بصحة جيدة رغم ظروف القسوة والبؤس والقذارة التي تحيط بمريم يحيى وهي في سجنها، برفقة ابنها مارتن ذي العامين، تنتظر تنفيذ حكم الجلد عليها ثم شنقها حتى الموت. في قلب مأساة الأم وهي ترزح في السجن (والتي تحاكي في واقع الأمر مأساة مجموع الشعب وهو يرزح في سجنه الكبير) تأتي مايا شمعة صغيرة مشتعلة، تصرخ بوعد الحياة والمستقبل. ولا نعلم كيف سيكون مستقبل مايا: هل ستنشأ وهي محاطة بحبّ أمها ورعايتها أم ستنشأ يتيمة محرومة من دفء صدر أمها وحنانها؟
ووجدتني وأنا أفكر في الرضيعة مايا أفكر في رضيع آخر --- رضيع فقد أمه وفمه ملتصق بثديها. وهو رضيع حكى لنا التاريخ عن أمّه لأن حياتها تزامنت مع أعنف لحظة في تاريخ يثرب والجزيرة العربية وهي لحظة صعود دولة محمد. إلا أن التاريخ لم يحكِ لنا عن مصير هذا الرضيع الذي لا نسمع عنه إلا للحظة خاطفة وهو ملتفّ بليل بهيم.
اسمعوا قصة عَصماء بنت مَروان وكيف لاقت حتفها.
يحكي الواقدي:
حدّثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه، أن عَصماء بنت مَروان من بني أمية بن زيد ... كانت تؤذي النبي ... وتَعِيب الإسلام، وتحرّض على النبي ... وقالت شعرا ... قال عُمير بن عَديّ بن خَرَشة بن أُمَيّة الخَطْميّ حين بلغه قولها وتحريضها: اللهم، إن لك عليّ نذرا لئن رددتَ رسول الله ... إلى المدينة لأقتلنَّها- ورسول الله ... يومئذ ببدر- فلما رجع رسول الله ... من بدر جاءها عُمير بن عَديّ في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها، وحولها نَفَرٌ من ولدها نِيامٌ، منهم من ترضعه من صدرها، فجسّها بيده، فوجد الصبيّ تُرضعه فنحّاه عنها، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم خرج حتى صلّى الصبح مع النبي ... بالمدينة ...
ونقرأ في رواية الواقدي أن محمدا قال عندما أخبره عُمير عما ارتكب: "لا ينتطح فيها عَنْزان"، ثم التفت إلى أصحابه وقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغَيب، فانظروا إلى عُمير بن عَديّ ...
(كتاب المغازي، 1966، ج 1، ص 173)
هذا رضيع يقفز من صفحات التاريخ، بلا اسم ولا وجه --- ينحّيه عُمير بن عَديّ الذي تسلّل مستترا بظلام الليل لينتهك حرمة مسكن أمه وحياتها ويأخذها منه. والتاريخ، كما نعرف، لا يتوقف عند الأطفال، ناهيك عن أن يتوقف عند الرُّضعاء --- وهكذا فرواة التاريخ يصرفون نظرنا في الحال بعد مشهد القتل هذا ليحدثوننا أن عُمير بن عَديّ "خرج حتى صلّى الصبح مع النبي ... بالمدينة ... إلخ" دعونا لا نفعل ما يفعله التاريخ ولا نخرج مع الرواة ونبارح المشهد، دعونا نتوقف لحظة بإزاء جثة عَصماء بنت مَروان المضرجة بالدماء وأطفالها النيام وهذا الرضيع الذي امتدت له يدٌ في جُنح الليل وأزاحته عن صدر أمه. دعونا نعطي هذا الرضيع حظّه من الاهتمام ونتأمل هذه اللحظة وكأن مركزها هذا الصبي الصغير العاجز الذي لا يعي ما يدور حوله. إن فعلنا ذلك وأحسسنا بالأسى الذي لم يحسّه هذا الرضيع لحظتها (ولكنه أسى لابد أن الزمان اختزنه له في قابل أيامه) فإن ذلك ربما يفتح وعينا لقراءة بديلة للتاريخ تجعلنا منتبهين ونحن نجوس التاريخ لجماجم الضحايا الذين راحوا ضحية عنف الأقوياء في أي مكان أو زمان.
وعندما أفكر في هذا الرضيع الذي غشيه التاريخ لحظة فقده لأمه أجد ثمة خيط يربط بينه وبين مايا التي على وشك أن تفقد أمها. وعندما أقرأ عن تهديد الجماعات الإسلامية بأنهم سيُقيمون الحدّ على مريم يحيى إن استسلمت السلطات لضغط الرأي العام العالمي وحملات التضامن وأطلقتها فإنني أرى عُمير بن عَديّ قد انبعث من رماد التاريخ وعاد شاهرا سيفه منطلقا بين أهل السودان --- إلا أنني لا أراه هذه المرة متخفيا متسللا في جوف الظلام وإنما أراه حاملا سيفه في وضح النهار لا يأبه بضمير العالم.
خرجت مايا للعالم وهي "تحمل صليبها" --- ولدت مسجونة، وقررت محكمةٌ وهي ما تزال في رحم أمها أنها لن تنعم بها إلا لسنتين وأن يوم فطامها سيكون يوم خروج أمها من العالم، وولدت وهي في سجن آخر اسمه الإسلام لا تملك منه فكاكا طالما بقيت المادة 126 بين ظهرانينا، وولدت وقد حكمت عليها محكمةٌ قبل أن تولد أن تنبذ أمها وتمحوها من ذاكرتها وأن تقطع علاقتها بأبيها وأن تقبل أنها ابنة سِفاح عوقبت عليه أمها بمائة جلدة قبل شنقها. وما نستطيع أن نهمس به في أذن مايا وهي ترضع من ثدي أمها وتلتصق بصدرها أنها ولدت في عالم يحمل الكثير من مظاهر القبح وينضح بالكثير من الكراهية والتعصب إلا أنه في نفس الوقت يحمل قدرا كبيرا من الجمال والحب والتسامح وأن أعدادا متزايدة من الناس في كل بقاع الأرض قد وقّعوا ويوقعون كل يوم المذكرات والبيانات والاحتجاجات التي تساند حق أمها في الحرية والحياة، ونهمس في أذنها وهي تغالب النوم بأنها ربما تكون أفضل حظّا من ذلك الرضيع الذي فقد أمه في تلك الليلة البهيمة في المدينة، ونرى طيف ابتسامة على فمها وهي تستسلم للنوم.
محمد محمود أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان.
[email protected]
* انطلقت حملات تضامنية عديدة للوقوف مع حق مريم يحيى في حرية الاعتقاد والحياة ويمكن للقراء التوقيع على المذكرة المنشورة في موقع الحوار المتمدن على الرابط:
http://ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=596


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.