غاب الفرح عن السودان 25 عاماً، لكن ابراهيم الشيخ جاء ليلهم 25 مليوناً بجرعات الأمل في رحلة البحث عن البسمة. ولأن السنوات الماضية شهدت كثيراً من الضعف والوهن في مواجهة نظام الإنقاذ الظالم فقد وحد الموقف البطولي لرئيس حزب المؤتمر السوداني أبناء الوطن وبدأ يفجر فيهم قيم التحرر التي نادى بها المناضل العالمي أرنستو تشي جيفارا الذي يقول:"أنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا، وأينما وجد الظلم فذاك هو وطني". الشعوب المحاصرة بالظلم والخانعة له لا تستحق الاحترام وتصبح في نظر الآخرين إما غير واعية بحقوقها أو متخاذلة، فالوطن المحكوم ببطانة الفساد والقمع والهوس أشبه بسجن كبير لا ترقى مساحته لمساحة الزنزانة التي يجلس فيها ابراهيم الشيخ في مدينة الفولة بغرب السودان شامخاً فرحاً بحب الناس الذين أصبح الحزن وطناً لهم يسكنونه ويتكلمون لغته ويتأبطون جنسيته. نعم نجحت الإنقاذ في صرف أنظار بني وطني عن أفعالها الشائنة وجعلتهم يهيمون على وجوههم يعيشون مأساة الفقر وشظف العيش والخوض في مياه الأمطار واجترار أسباب الأمراض في عاصمة انشغل واليها بتجفيف المستشفيات وتبرير سرقات بطانته الفاسدة لأموال لو رصت على الطرقات لأغلقت تدفق نهر هائج دعك عن أمطار لا يتعدى منسوبها ربع ما يهطل يومياً من مطر في أفقر مدينة أفريقية ويمشي ناسها دون عناء بسبب أنظمة الصرف الجيدة في تلك المدن التي لا تساوي مداخيلها عشر مداخيل الخرطوم. تتفق الغالبية العظمى من أبناء الشعب السوداني على سوء نظام الإنقاذ وتسببه في تدمير كافة مناحي الحياة في البلاد، لكن في الجانب الآخر نرى البعض من هذه الفئة يتمنى أن يصحو من نومه ليرى الإنقاذ قد أزيلت بلا رجعة لكن دون ان يحرك ساكناً فهذه أزمة حقيقية إذا لم نتنبه لها بشكل عاجل سندمن ظلم الإنقاذ وسنرى بأم أعيينا انهيار وتفكك ما تبقى من وطن، وسيزيد حزننا على أطفالنا وأمهاتنا وأخواتنا في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق الذين تدك مليشيات الإنقاذ قراهم ومستشفياتهم ومدارسهم ليل نهار، وسنظل نقف في طوابير التوظيف الوهمية والمحسومة قوائمها سلفاً، وسنسمع عن غسان وغسان آخر وستهدر مئات المليارات من خزينة الشعب على مواكب واحتفاليات وانتخابات المؤتمر الوطني الصورية، وستسمر حملة التجهيل الممنهجة المسماه زوراً بثورة التعليم العالي، وسنمشي في حواشات مشروع الجزيرة التي يبستها الإنقاذ متحسرين على أيام خضرتها، وسنظل نتذيل قوائم العالم في مؤشرات الشفافية والسلم الاجتماعي والتنمية وغيرها من المؤشرات العالمية التي إذا أردنا أن نبحث عن اسم السودان فيها نبدأ من آخر 5 بلدان إلا إذا استدث مؤشراً للظلم فبالتأكيد ستنقلب الآية. الشيء الوحيد الذي ينقصنا هو تحريك بركة الوطنية الراكدة في دواخلنا وحينها فقط سنخرج إلى السطح ونشمر الأيادي لإصلاح جزءً من الكم الهائل الذي أفسدته الإنقاذ نعم تأخر قطار الحرية في السودان ربع قرن من الزمان بسبب آلة الأمن المدمرة وتعطش النظام لدماء الأبرياء، لكن لحظة الحقيقة قد حانت فمن يعتقد أن نجم الثورة أفل فإما أن يكون خائنا أو متساقطا أو جبانا, فالثورة قوية كالفولاذ, باقية كالسنديان عميقة كحبنا الوحشي للوطن. ولأن الشعوب هي من تحرر نفسها فإن ابراهيم الشيخ لا يمكن إلا أن يكون ذلك المرء الذي أيقن بأن المرء لا يستطيع أن يكون متأكدا من أنه هنالك شيء يعيش من أجله, إلا إذا كان مستعدا للموت في سبيله. [email protected]