تقول الطرفة ان أفرادا بينما هم سائرون في رحلة ما، إعترضتهم مجموعة من قطاع الطرق –الرباطة، عصابة- الذين لا يعرف من أين أتى هؤلاء. فأنزلوا كل الركاب وتحت تهديد السلاح قالوا لهم: كتومتوا ولا تموتوا!. لم يفهم أحد ماذا يقولون، إلا مجموعة صغيرة قالت لهم إن كتوموتوا معناها سرقتكم وإستباحتكم بكل الأشكال كالإعتداء الجنسي والإغتصاب ولا فرق في ذلك بين إمرأة أو رجل، أو طفل أو هرم. ومن ثم ترككم لتعيشوا هكذا في منتهى الذل والإحتقار. أما تموتوا فهي معروفة. فسألوا هل تعرض منكم احد لهذه الجماعة من قبل؟، ولما سألوكم: كتوموتوا ولا تموتوا؟ ماذا فعلتم؟، "عملتوا أيه يعني؟". ردوا قائلين: "أهو نحنا عايش"!!!. فتشاوروا قليلا وقال البعض إنهم لابد ان يقاوموا ويتوحدوا. فهذا هو حد الكرامة وسوف تكون هناك فرصة للنجاة من الكتوموتوا، وإن تموتوا فالشهادة والموت واحد في المقاومة أو في تموتوا. وظل الشق الأكبر صامتا. ومن ثم إنشقت الصفوف فتقدم المقاومون كثوار وفضلوا الموت لأن المسألة في النهاية مسألة مبدأ ودفاع عن العرض والشرف. وما لبث الشجعان يتقدمون للموت واحدا تلو الآخر ويقتلون أمام أعين البقية إلى أن جفلوا جفلة رجل واحد، فخرج صوت من بينهم كأنه لسان حالهم يصيح عاليا ويقول: خلاص عاوزين ال كتوموتوا. فأمر رئيس العصابة الزبانية قائلا: "أعملوا ليهم الكتوموتوا لحدي ما يموتوا". تذكرت هذه الطرفة ونحن نمر بهذه الظروف الإقتصادية الطاحنة وغلاء الأسعار الفاحش. فأقرأ فقط عنوانين هذه الأخبار: - قلق أممي لتدني مستوى الأمن الغذائي بالسودان والاتحاد الأوروبي يدفع 9 ملايين يورو - ارتفاع حاد لأسعار السلع الاستهلاكية بالبلاد - غرفة الزيوت تتوقع توالي ارتفاع الاسعار - ارتفاع جنوني في أسعار اللحوم البيضاء والحمراء، مع إكتشاف بيع لحوم الحمير ونصح وزير الصحة للمواطنين بأكل الضفادع المغذية. - جنوب دارفور....الزيت بالحقنة ....والبصل بالشريحة !! - خمسة مليون سوداني يواجهون خطر المجاعة بحلول سبتمبر - احتل السودان المرتبة (171) من بين (187) من حيث البلدان الأفقر في العالم بحسب تقديرات تقرير صندوق الأممالمتحدة الإنمائي عن التنمية البشرية للعام (2013). وغيرها من العناوين التي لا تعكس إلا واقع الحال وتعطيك إنطباعا بأننا في مرحلة الكتوموتوا حتى نموتوا. وبرغم ذلك يستمر أفراد العصابة في المراوغة. إقرأ الخبرين التاليين والتعليق عليهما:- o اعترفت القيادية بالمؤتمر الوطني وعضوة المجلس الوطني عائشة الغبشاوي بارتفاع الإصابة بالأمراض النفسية وتزايد نسبة الطلاق في المجتمع السوداني. وقالت في تصريحات اوردتها صحيفة ( الانتباهة ) إن الوضع الاقتصادي خلق نوعاً من انفصام الشخصية لدى بعض الناس وحولهم لمجانين. وحذَّرت الغبشاوي من انهيار المجتمع السوداني. وفيما أرجعت الأمر إلى الضائقة المعيشية والتدهور الاقتصادي بالبلاد، تغافلت سيادتها عن مسئولية حكومتها التي امتدت سلطتها المطلقة لربع قرن عن ذلك، وفي الأساس مسؤولية عصابة حركتها الإسلامية. o وزير المالية يعلن زيادة الأسعار بدءاً من يناير ل"5" سنوات..التحرير الاقتصادي سيكون منضبطا بضوابط الشريعة الإسلامية،!!. أليس الأمر مضحكا بمواصلة الضحك علينا بالدين وعراب النظام الإقتصادي للإنقاذ، والذي بشرنا بالإقتصاد الإسلامي، وتحريره فإزداد الأثرياء ثراء، ووجد الأخوان الإسلاميين فرصتهم ليغنوا ويزدادوا غنى بمال السحت، وإزداد عدد الفقراء وتلاشت الطبقة الوسطى وأصبحت في مرمى الكتوموتوا. فقد حاول متملصا الزوغان بقوله: إنعل أبو المؤتمر الوطني!!. فكان من الأولى أن يقول: "إنعل أبو الحركة الإسلامية ذاتها". إن كل هذا الواقع أتى نتيجة للفساد السياسي ثم الفشل الإداري والإقتصادي في إدارة الدولة بسبب إعتراض هذه العصابة طريق الوطن. إن الحل هو ليس في إهداء طبقة الكتوموتوا سمكة لتسد جوعهم، أو أدوية تخفف عنهم ألامهم المبرحة وليكونوا كما هو عليه، ولكن الحل هو كيف النجاة من تلك العصابة التي تهددهم بالكتومتوا حتى يموتوا. الكتوموتوا يمثلون الطبقى الوسطى في المجتمع والتي أدى سقوطها لتشوه في النموذج الإجتماعي. وقد غدا المجتمع طبقتين. الشريحة الأولى تمثل العصابة/الرباطة الذين صاروا من أصحاب الثروات الكبيرة من السرقة. أما الأخرين، وهم الغالبية العظمى من الشعب، هم الذين يعانون العوز والفقر والمرض والجوع ونقص التعليم والصحة، من محدودي الدخل والمستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، يمثلون طبقة الكتوموتوا. وأغلب هؤلاء لولا مساعدة ضمير المغتربين المستتر من أقاربهم لكانوا أسوأ من ذلك. وفي طبقة الكتوموتوا يتعايش بينهم الطفيليون والأرزقية والإنتهازيين، والذين يحتلون مساحة إسفنجية تضخ قيما مشوهة وتنفث غبار القيم غير الأخلاقية وغير الحميدة على المجتمع من جراء الوضع الإقتصادي المزري. فتجد الغلبة أصبحت للقيم المادية على الأخلاقية وذلك للحوجة الماسة. كل هذا يساهم في غياب الأمن الإجتماعي بمعنى زوال الطمأنينة في التعاملات بين الناس وتلاشي الثقة بين افراد الأسرة الواحدة مع إنتشار الجريمة بشتى انواعها. ويساهم أيضا في غياب الخطوط الحمراء للعيوب، وتكسير مؤشرات الصاح والخطأ، وتآكل القيم الأسرية. فالناس مثلا تفكر في الغنى دون الإلتفات لمصدره، فأموال الغني تذهب سيئاته وتغطي كل عيوبه. أما الفقير فيريد أن يخرج نفسه من دائرة الحرج بالمجاراة. لذلك نرى التنافس البائس بين الناس بالبوبار التعيس بينهم وهم يرفلون في الفقر والعوز، و هم في أغوار طبقة الكتوموتوا. الحل الوحيد للخروج من هذه الدوامة قبل مرحلة تموتوا، هو عدم الإستسلام والمواجهة والمقاومة، والوقوف في وجه هؤلاء العصابة/ الرباطة وتهديدهم لنا بال: "كتوموتوا لحدي ما تموتوا"، بالرد عليهم ونحن على قلب رجل واحد ب: "س نثوروا لحدي ما تغوروا". [email protected]