كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق امريكية عن ثورة اكتوبر (6): موالون لمصر يحاولون انقلابا عسكريا
نشر في الراكوبة يوم 03 - 10 - 2014


جعفر نميري من بين المعتقلين
عبود: القوميون العرب والناصريون خططوا لانقلاب عسكري
الاستخبارات المصرية تجند ضباطا داخل القوات المسلحة
"ليلة المتاريس"، ودور فاروق ابو عيسى
-------------------------------
واشنطن: محمد علي صالح
هذه هي الحلقة السادسة من هذا الجزء الاخير من هذه الوثائق الامريكية عن التطورات السياسية في السودان، وهي كالأتي:
الديمقراطية الاولى (25 حلقة): رئيس الوزراء اسماعيل الازهري (1954-1956).
الديمقراطية الاولى (22 حلقة): رئيس الوزراء عبد الله خليل (1956-1958).
النظام العسكرى الاول (19 حلقة): الفريق ابراهيم عبود (1958-1964).
النظام العسكري الثاني (38 حلقة): المشير جعفر نميري (1969-1975، اخر سنة كشفت وثائقها).
هذه وثائق الديمقراطية الثانية، بداية بثورة اكتوبر (1964-1969). وستكون 20 حلقة تقريبا.
وهذه عناوين حلقة الاسبوع الماضي:
-- الشيوعيون يخطفون الثورة؟
-- عبد الخالق محجوب: "نريد الاشتراكية"
-- ماذا كان يفعل الجاسوس الامريكي في جامعة الخرطوم؟
-- بابكر عوض الله، مرشح الشيوعيين، انسحب بسبب سر الختم الخليفة
-- وزارة االخليفة: نصفها تقريبا شيوعيون ويساريون
-- هل كان عبد الكريم ميرغني شيوعيا؟
----------------------------
احمد سليمان:
1-11-1964
من: وزارة الخارجية
الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: احمد سليمان
" ... الأن، وقد صار الشيوعي احمد سليمان وزيرا في حكومة السودان الجديدة، هذه هي المعلومات التي عندنا عنه، ونتوقع منكم المزيد ... ونامل عدم اطلاع غير الاميركيين على هذا الخطاب ...
اسمه بالكامل احمد سليمان محمد احمد، محامي، وعضو قديم في الحزب الشيوعي السوداني، منذ عام 1948، عندما كان طالبا.
وكان ولد عام 1923 في مدني، في عائلة انصارية هاجرت الى هناك من دنقلا. ودرس في كلية غردون التذكارية، التي هي الأن جامعة الخرطوم. في عام 1946، تخرج، وسافر الى مصر لدراسة القانون في جامعة القاهرة. وفي عام 1948، طرده الامن المصري من مصر بسبب نشاطاته الشيوعية. ثم سمح له بان يعود لاكمال دراسته. وتخرج عام 1951، وعاد الى السودان، وصار محاميا، وواصل نشاطه الشيوعي.
في عام 1956، عام استقلال السودان، كتب مسودة دستور جديد للسودان. وكان عضوا في الاتحاد العالمي للمحامين الديمقراطيين، وحضر كثيرا من المؤتمرات العالمية الشيوعية، مثل: مجلس السلام العالمي، واتحاد الشباب العالمي، واتحاد نقابات العمال العالمي. وزار الصين عام 1955. وفي عام 1956 (العدوان البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر)، نظم سودانيين في مصر، واشتركوا في الحرب (لجان المقاومة الشعبية) ...
وفي عام 1958، انتخب لعضوية اللجنة المركزية للحزب. لكن، بعد ذلك بسنة، عزل من اللجنة، بعد ان اتهم بانه يدعو الى شيوعية على طريقة الرئيس اليوغسلافي تيتو. غير ان ظل عضوا في الحزب، وظل مقربا من قادة الحزب. ثم، مرة اخرى في وقت لاحق، اعيد الى اللجنة المركزية ...
في ذلك الوقت، كان السودان يحكمه نظام الفريق عبود العسكري، وكان سليمان من قادة الذين قاوموا النظام. واعتقل، وسجن، اكثر من مرة ...
وقال لنا زميل له في الدراسة انه كان ذكيا و"ابورتيونست" (انتهازي) ..."
----------------------------
محمد احمد محجوب:
3-11-1964
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
الموضوع: مقابلة وزير خارجية السودان الجديد
" ... صباح اليوم، قابلت وزير خارجية السودان الجديد، محمد احمد محجوب. كانت المقابلة لطلب السماح لطائراتنا العسكرية باستمرار استعمال الفضاء السوداني في رحلاتها في المنطقة. غير ان المقابلة تحولت الى الوضع في السودان، والعلاقات بين بلدينا ...
قال محجوب ان الحكومة الجديدة تريد علاقات معنا اقوى، لا اضعف، عما كانت عليه خلال حكم الفريق عبود. وان سياسة السودان الخارجية هي، طبعا، الحياد الايجابي (بين المعسكرين الغربي والشيوعي). لكن، يريد السودان علاقات قوية معنا، خاصة لانه يحتاج لمساعدتنا ...
وقال محجوب انه يريد ان يقول لى شيئا خاصا (ليس رسميا). وبدا بان قال انه يركز تاسيس نظام ديمقراطي قوي. وانه يعرف قلقنا بسبب كثرة عدد الوزراء الشيوعيين في الحكومة الجديدة. لكن، قال ان عدد الوزراء الشيوعيين مبالغ فيه:
اولا: الشيوعي الوحيد في الوزارة هو احمد سليمان، وزير الزراعة.
ثانيا: الامين محمد الامين، وزير الصحة، انصاريا، وليس شيوعيا.
ثالثا: عابدين اسماعيل، وزير الحكومة المحلية، "شيوعي اذا كنت انا شيوعيا"...
وقال محجوب ان اهم شئ الان هو اجراء انتخابات حرة، وباسرع وقت ممكن. وتوقع الا يفوز الشيوعيون باي مقعد ...
وانا قلت له اننى سمعت اخبارا بان الشيوعيين سيحولون جبهة الهيئات (التي جمعت منظمات واتحادات قادت ثورة اكتوبر) الى حزب سياسي. وهو قال ان هذا لن يحدث. واذا تحولت جبهة الهيئات الى حزب سياسي، سيتركها كثير من قادتها الحاليين. وهم ليسوا كلهم شيوعيين او يساريين. بل ان اغلبية هؤلاء القادة من الاحزاب التقليدية ...
ونصحنا محجوب الا نقلق من ضجة الشيوعيين. وقال انها ضجة اكثر منها تاييد جماهيري حقيقي. وان الشيوعيين ربما سيحققون انتصارات هنا وهناك. لكننا، نحن، يجب الا نقلق، لانهم لا يتمتعون بتاييد حقيقي في اقاليم السودان. وان هذا سيتاكد عندما ستجري الانتخابات العامة ..."
----------------------------
اعتقال نميري واخرين:
7-11-1964
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
الموضوع: اعتقالات ضباط موالين لمصر
" ... حسب اوامر من الفريق عبود، الذي لا يزال يراس الدولة (رغم ان الثورة ضده نحجت، وتشكلت وزارة من الذين قادوا الثورة ضده) امر باعتقال عدد من الضباط العسكريين الذين كانوا ضغطوا عليه ليقدم تنازلات لقادة الثورة.
من بين الذين اعتقلوا: محمد عبد الحليم، احمد عبد الحليم، فاروق حمد الله، الرشيد نور الدين، الرشيد ابو شامة، توفيق محمد نور الدين، جعفر النميري، فيصل حماد توفيق، فؤاد طاهر فريد، حسن نور الدين ...
وقال عبود ان المعتقلين تأمروا للقيام بانقلاب عسكري لصالح مصر. وانهم وزعوا منشورات داخل القوات المسلحة عن القومية العربية، وعن "وحدة عربية من المحيط الى الخليج."
اثار خبر الاعتقالات مظاهرات صاخبة. وذهب بعض المتظاهرين الى مجلس الوزراء. وخاطبهم رئيس الوزراء سر الختم الخليفة. وقال لهم انه سيقابل الفريق عبود حول الموضوع ...
وطالب متظاهرون باعتقال اعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة، الذين كان عبود تخلص منهم بعد زيادة الضغط الشعبي عليه ... وطالب متظاهرون،ايضا، باعتقال شخصيات من نظام عبود. منهم: وزير الخارجية احمد خير، ورئيس القضاء محمد احمد ابو رنات، ووكيل وزارة الداخلية حسن على عبد الله، ومدير الشرطة احمد ابارو ...
في وقت لاحق، علمنا ان الخليفة تحدث مع عبود حول الموضوع. وان عبود قال له ان هذا "امر داخلي يخص القوات المسلحة." وان الاستخبارات المصرية تريد السيطرة على السودان، مستغلة ظروف الثورة، والتوترات، والمظاهرات ..."
---------------------
اعتقال اعضاء المجلس الاعلى:
" ... بسبب المظاهرات والضغوط، وافق الفريق عبود، رئيس الدولة الذي لا يحكم، على اعتقال زملائه اعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة، الذين كان اعفاهم بسبب ضغوط شعبية، وبسبب تدخل "الضباط الاحرار"...
علمنا ان هؤلاء العسكريين المعتقلين نقلوا الى سجن زالنجي في غرب السودان. وان احمد خير، وزير خارجية عبود، واحمد ابارو، مدير شرطة عبود، اعتقلا، ونقلا الى سحن كوبر هنا في العاصمة ...
ولليوم الثالث، وبعد هدوء ايام قليلة، عادت المظاهرات الصاخبة الى شوارع الخرطوم. هذه المرة ابتهاجا بالاعتقالات السالفة الذكر، وطلب المزيد ...
من بين هتافات المتظاهرين: "الاعدام لا التحفظ" و "شنقا شنقا حسن بشير" و "شنقا شنقا ابارو" و "راسك راسك يا ابو رنات" و "اطلقوا سراح الضباط الاحرار"...
واصدر اسماعيل الازهري، زعيم الحزب الوطني الاتحادي، ورئيس وزؤاء اول حكومة ديمقراطية في السودان، حكومة الاستقلال، بيانا طالب فيه عزل الفريق عبود نفسه. واصدرت نقابة المحامين بيانا طالبت فيه عزل ابو رنات، والا، سيعلنون اضرابا جماعيا حتى يعزل ..."
---------------
ليلة المتاريس:
" ... يظل السودان تعصف به الريح بعد الثورة على نظام الفريق عبود العسكري. وكانما انفجر السودانيون بعد كبت سنوات كثيرة. وكانما لم يعودوا يقدرون على البقاء في منازلهم دون الخروج الى الشوارع والتظاهر.
صباح امس كان يوما هادئا نسبيا. وحتى المساء. لكن، فجاة، وقبيل منتصف الليل، عاد المتظاهرون الى شوارع العاصمة. هذه المرة بدعو من الحكومة نفسها، ومن اذاعة الحكومة نفسها، ومن اشخاص لهم صلة بالحكومة .
اصدر المحامي الشيوعي فاروق ابو عيسي بيانا من اذاعة امدرمان، اذاعة الحكومة، والاذاعة الوحيدة في كل السودان، بان ضباطا في القوات المسلحة بداوا التحرك مع قوات دبابات ومصفحات، من الخرطوم نحو دار اذاعة امدرمان لاعلان بيان انقلاب عسكري ضد الثورة. وسارع المتظاهرون ووضعوا متاريس في الشوارع. خاصة قرب الكوبري الذي يربط الخرطوم بامدرمان، حيث دار الاذاعة. وخاصة حول دار الاذاعة نفسها ...
وعلمنا ان ابو عيسي فعل ذلك بطلب من عبد الخالق محجوب، سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني. وان الشيوعيين يريدون، باسم مواجهة "انقلاب يميني رجعي"، السيطرة على السودان. بعد ان فشلوا خلال تشكيل الحكومة الجديدة. رغم ان نصف الحكومة شيوعيون او حلفاء لهم ...
حاولوا هذه المرة الالتفاف نحو الحكومة بدليل انهم لم يسالوا خلف الله بابكر، وزير الاعلام، والمسئول عن الاذاعة الحكومية. وبدليل ان بابكر اسرع نحو الاذاعة، بعد بيان ابو عيسي، واعلن ان خبر انقلاب عسكري ليس صحيحا ...
رأينا:
اولا: عندما بدات الثورة، حاول الفريق عبود القضاء عليها. وعندما توسعت، وطالبت بالتخلص منه، ومن نظام حكمه العسكري، قرر ان يستغني، اولا، عن زملائه. واعلن حل المجلس الاعلى للقوات المسلحة، الذي يتراسه، ومجلس الوزراء، الذي يتراسه. ووافق على حل وسط: يصير رئيسا للبلاد، مع مجلس وزراء من قادة الثورة، تقليديين وثوريين.
ثانيا: عندما بدات الخلافات بين عبود العسكري وبين مجلس الوزراء المدني، حاول عبود ان يعود الى قواعده العسكرية. وبدا بالتخلص من "الضباط الاحرار" الذين ضغوط عليه في ايام الثورة الاولى. ووصلتنا اخبار بان اللواء حسن بشير، ساعد عبود الايمن، قابل عبود، وانتقده انتقادا شديدا، واتهمه بانه "خائن"، على اساس "الخيانة العسكرية." وان عبود قال له ان عليهما ان يصبرا، لان الثورة لن تستمر، لان قادتها سيختلفون مع بعضهم البعض. وبالتالي، يمكن ان يعود الحكم العسكري. في عام 1958، عندما اسقط عبود نظاما ديمقراطيا، كان يرى ان العسكريين اقدر على حكم البلاد من المدنيين. حتى اذا جاء ذلك على حساب الديمقراطية. وها هو، في عام 1964، يريد ان يبرهن على ان المدنيين فشلوا، حتى خلال العشرة ايام الاولى من الديمقراطية ...
ثالثا: نعتقد ان عبود وبشير، وبقية كبار العسكريين، لم يدرسوا الوضع دراسة عقلانية. واعتبروها مواجهة بين رجال يحكمون، ورجال غيرهم يريدون ان يحلوا محلهم. وزادت عواطفهم، وغلت دماؤهم. لم يرتفعوا الى مستوى رغبات الشعب السوداني، مثل اي شعب آخر، في حياة حرة وكريمة. وفي رفض الكبت، مهما كان نوعه.
رابعا: في نفس الوقت، ظل عبود يشك، ان لم يخاف، من نوايا المصريين. كان واضحا ان علاقته الودية مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر تخفى عدم شك، تاريخي ومستمر، من جانب السودانيين نحو جيرانهم المصريين. وكان واضحا عدم رضى المصريين عن علاقة عبود الطيبة معنا. خاصة عندما تحالف معنا، ومع حكومة الكونغو الشرعية (التي اعترفت بها الامم المتحدة، ضد الثوار اليساريين الموالين للزعيم الكونغولى المقتول باتريس لوممبا).
خامسا: رغم ان طموحات عبد الناصر ليحكم العالم العربي اصابتها نكسة عام 1961 عندما انفصلت سوريا من الجمهورية العربية المتحدة، صعد نجم عبد الناصر بسبب استقلال الجزائر بقيادة اليساري احمد بن بيلا. وبسبب سقوط الملكية في اليمن، وصعود نجم الضابط القومي العربي عبد الله السلال. وبسبب سقوط الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم، المتذبذ الشخصية، لصالح عبد السلام عارف، القومي العربي. لهذا، كان عبد الناصر يريد نظاما ثوريا في اقرب الدول الى مصر، في السودان.
سادسا: حسب معلوماتنا، تظل الاستخبارات المصرية تتصل مع، وتشجع، ضباطا داخل القوات السودانية المسلحة. ليس هؤلاء، بالضرورة، شيوعيين، وذلك بسبب حرب عبد الناصر ضد الشيوعيين داخل مصر نفسها. انهم قوميون عرب، يؤمنون بالقومية العربية. لكن، لا يريدون ان يسموا انفسهم ناصريين، حتى لا يتربطوا مباشرة مع عبد الناصر. كانوا يؤمنون بالشعارات الثلاثة: "وحدة، حرية، اشتراكية"، التي تجتاح العالم العربي منذ عشرة سنوات تقريبا.
سابعا: بالمقارنة مع الشيوعيين في السودان، ليس نشاط القوميين العرب كبيرا، ولا منظما، ولا مدعوما، ولا مغامرا، ولا يرحب بالسجون. يتمركز نشاطهم في جامعة الخرطوم، واهم منها، في جامعة القاهرة فرع الخرطوم. ومعهم بعض الصحفيين المدعومين ماليا من السفارة المصرية في الخرطوم. لكن، هناك شخصيات هامة قومية عربية. مثل بابكر عوض الله، الذي تعود جذور عائلته الى مصر، وزوجته مصرية. ومثل عدد من الوزراء في الحكومة الجديدة، برئاسة سر الختم الخليفة، كما فصلنا في رسالة سابقة ..."
------------------
(تعليق:
(لا توجد معلومات كثيرة في هذه الوثائق الامريكية عن "ليلة المتاريس." وهذه اقوال فاروق ابو عيسى نفسه التى نقلها الصحافي السوداني الكبير كمال الجزولي ("الراكوبة"، 12-11-2013):
" ... أثناء خروجي ("ليلة المتاريس"، من ندوة في المعهد الفني، جامعة السودان حاليا)، صادفت الاقتصادي والسَّفير عبد الكريم ميرغني، والمهندس سيِّد عبد الله، والأستاذ الجَّامعي محمد عبد الله نور، وعلي محمد إبراهيم، وآخرين. وعندما أخبرتهم بأنني لم أذق الطعام طوال اليومين الماضيين، اقترحوا أن نذهب لنتعشى في الفندق الكبير. قدت سيَّارتي بمفردي، وتوجَّهت أولاً إلى موعدي الحزبي المحدَّد، مِمَّا أخَّرني شيئاً.
ولمَّا ذهبت من هناك إلى الفندق الكبير، وجدت الصَّديق الصَّحفي والكاتب المصري اليساري أحمد حمروش الذي كان في زيارة قصيرة للبلاد، ووجدت في معيَّته الكاتبة السُّودانيَّة اليسارية البارزة خديجة صفوت، وكانت قد حضرت للترحيب به.
علمت منهما أن أصدقائي وصلوا قبلي، وفوجئوا بإضراب عمال الفندق في ذلك اليوم، فانتظروني لبعض الوقت. ثمَّ توجَّهوا إلى مطعم المطار طالبين إبلاغي باللحاق بهم هناك.
بالفعل لحقت بهم، ووجدت عبد الكريم ميرغني، وأحمد سليمان، وعلي محمد إبراهيم، فطلبت الطعام وجلست أتعشى. لم يمض وقت طويل حتى لمحت محمد نور السَّيِّد، عضو الحزب الشِّيوعي المقرَّب من عبد الخالق محجوب، يلوِّح لي بيده عند باب المطعم. هُرعت إليه. فأبلغني بأنه يحمل رسالة من عبد الخالق لأحمد سليمان.
عدت، وهمست لأحمد، فذهب إلى حيث يقف محمد نور، ثمَّ ما لبث أن عاد ليخبرنا بأن ثمَّة معلومات خطيرة مفادها أن انقلاباً يوشك على التحرُّك، خلال الساعات القادمة، من سلاح الخدمة، بقيادة القائمقام بشير حسن بشير ...
اقترح أحمد سليمان أن يذهب هو وعبد الكريم ميرغني لإبلاغ سر الختم الخليفة، على أن أذهب أنا وعلي محمد إبراهيم للتشاور مع قيادة الجَّبهة بنادي الأساتذة حول ما ينبغي عمله...
ما أن دلفنا من بوَّابة النادي، حتى هبَّ يركض نحونا كلٌّ من مكاوي خوجلي، والشَّفيع أحمد الشَّيخ، والبيطري مصطفى بعشر، إلى جانب علي طالب الله، المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين وقتها، ومحمد كامل العاص القيادي الأخواني. وعلمنا منهم أن بعض الطلاب والشَّباب الذين يسكنون بالقشلاق جاءوا مسرعين إلى مكان الاحتفال بالمعهد الفني، بعد مغادرتنا مباشرة، وطلبوا مقابلة رئيس الحكومة في أمر عاجل. ولمَّا أخبروهم بأنه قد غادر الحفل أيضاً، طلبوا مقابلة مدير المعهد.
ولمَّا لم يكن متواجداً هو الآخر، فقد قابلهم نائبه عبد الله رابح في مكتب المدير. هناك أفضوا له بأنهم آتون، لتوِّهم، من سلاح الخدمة، حيث كانوا قد ذهبوا إليه بتكليف من أسرهم للسؤال عن آبائهم من ضباط الصف الذين تأخروا كثيراً، على غير العادة، عن موعد عودتهم إلى القشلاق.
لكنهم فوجئوا بهم في حالة اصطفاف يستمعون إلى تنوير من الأميرالاي عثمان نصر عثمان، القائد الجديد المنقول للسلاح، لتوِّه، من قيادة الفرقة بملكال؛ وفحوى التنوير عزم الجيش، في ذلك اليوم، على استرداد كرامته التي مرَّغها في الوحل شويَّة أفنديَّة وصعاليك ...
تشاورنا. كان لا بُدَّ من تحرُّك سريع. اقترح علي طالب الله، مرشد الأخوان، استنفار الشَّعب من مآذن المساجد للخروج لحماية الثورة. لكن، ولما لم تكن للمآذن مايكروفونات أوان ذاك، فضلاً عن تأخر الوقت، فقد اقترحت الاتصال بخلف الله بابكر، وزير الإعلام، لاستخدام جهازي الإذاعة والتلفزيون.
وافق الجميع. وكانت عقارب الساعة تقارب التاسعة، موعد نشرة الإذاعة. صحبني في سيَّارتي طالب الله، والشَّفيع، وبعشر، والعاص، وعلي محمد خير. وقبيل حديقة الموردة بقليل استقرَّ رأينا على ألا نهدر الوقت في التعريج على بيت وزير الإعلام الذي قدَّرنا أنه لن يرفض فكرتنا، فواصلنا انطلاقنا إلى الإذاعة، على أن نتصل به هاتفياً من هناك ..."
(حسب الوثيقة الامريكية، لم يتصلوا، واصدروا بيانهم. ثم اسرع وزير الاعلام الى الاذاعة، ونفي محاولة الانقلاب العسكري).
============
الاسبوع القادم: استقالة الفريق عبود
[email protected]
..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.