تمر علينا ذكرى أربع مناسبات احتفالية و أعياد خلال اسبوع واحد..ميلاد المسيح عليه السلام، و نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، و ذكرى استقلال السودان ، و رأس السنة الميلادية..و كلها مناسبات تعنينا و يجب الوقوف عندها مع النفس...أتحدث بصيغة الجمع و أعني كل متضرر من وجود نظام الاخوان المسلمين في السلطة..أو تتعارض سياسات النظام مع اخلاقياته كإنسان مخاطب برسالة المسيح و نبينا محمد صلى الله عليه و سلم.. و تأبى نفسه العيش عبداً مملوكاً للمستعمر البغيض المتجسد في النظام الحالي، و ليس المستعمر الذي طرده آباؤنا و أجدادنا..فأقصى ما نتمناه و نحن في قبضة عصابة الاخوان المسلمين هو الرجوع للوراء إلى فترة الاستعمار الانجليزي.. في هذه الذكريات المجيدة التي نحتفي بها علينا استصحاب العبر و المواعظ ، و التأمل في التضحيات العظيمة و الرسالة الانسانية النبيلة التي انعكست على سير حياة البشرية بقدومهم..و ليكونوا لنا غدوةً ويكون نهجهم و ما أتوا به من شريعة سماوية من الخالق جل و علا غذاءاً لأرواحنا ..و لنتفكر في بعض ما قدموا من تضحيات لأجل اسعاد البشرية في الدنيا و الآخرة..هدفها الأساسي هو تكريم الانسان و رفاهيته و التعايش السلمي بين بني البشر. و نحن نتأمل الرسالتين السماويتين فلنقارن الحالة التي وصل إليها وطننا بسبب أناس من بنو جلدتنا (لا نستطيع أن ننكر ذلك شئنا أم أبينا) بدلوا قيمنا السمحة بكل قبيح لم يخطر على بالنا يوماً..و استعاضوا عن عاداتنا السمحة بما هو أسوأ مما كان يسود في زمن الجاهلية الجهلاء التي أتت الرسالة الخاتمة لانقاذ البشرية منها..و بدلوا دين الخالق جل وعلا بدين الشيطان ، وباعوا أنفسهم للشر و الشيطان الأكبر الذي حذرتنا الشرائع السماوية من عبادته...يقول تعالى في سورة يس(ألم أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).. و لا أرى دليلاً على عبادة الاخوان المسلمين للشيطان أكثر من اعترافات من تخلوا عن فكرهم الشيطاني..و ما نراه ماثلاً بين أيدينا من منهجهم و عملهم الدؤوب لتشويه للأديان السماوية و إلغاؤها من حياة الناس.. ) عندما جاءت الرسالة الخاتمة كانت ظروفها شبيهةً بالحالة التي بعث الله سبحانه و تعالى بها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام و النبيين من قبله لبني إسرائيل... يقول تعالى في سورة المائدة: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ). حدثنا القرآن الكريم بأن المسيح عليه السلام بعثه الله ليدعو بمثل دعوة الرسل، في مجتمع يهودي سادت فيه الجاهلية و شريعة الغاب و أكل أموال الناس بالباطل و الربا و العنصرية البغيضة و الفساد في الأرض، و كثر فيه اليهود الخارجين عن دين الله وهم يزعمون أنهم على شريعة موسى التي حرفوها لتتماشى مع أهوائهم المريضة، و إدعاءهم بأنهم أبناء الله..حيث دخلت إلى شريعتهم تحريفات كثيرة مسّت أصولها ونصوصها، وشروحها وأحكامها. ..ثم بشَر المسيح عليه السلام بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ... جاء في القرآن الكريم على لسان المسيح : وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ..الآية...و لنا في هذا عبرة لمن أراد أن يعتبر..كما أننا مطالبون بوقفة قوية مع أنفسنا و نحن نستصحب و نحتفل بذكرى ميلاد يسوع المسيح عليه السلام. جاءت رسالة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم الخاتمة في ظروف مماثلة و على نفس النهج و لكافة الثقلين من الانس و الجن الحاضرين وقت بعثته و الآتين بعدها إلى يوم القيامة...قال تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ كَآفَّةً لّلنَّاسِ بَشِيرا وَنَذِيرا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ..و أخرجت الناس من حياة الجاهلية و شريعة الغاب حيث كانوا يعبدون الأصنام، ويقدمون لها القرابين، فجاء الإسلام وحررهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام..، وكان يسود النظام القبلي فقد كانت القبائل تقاتل بعضها بعضا من أجل العيش في حالة فوضوية كاملة، حتى جاء النبي محمد صلى الله عليه و سلم برسالة الاسلام وانتشل البشرية جمعاء من هذه الحالة...حيث كانت تسود حياة العصبية القبلية والدموية و لا شئ يعلو عليها..و لنا في ذلك عبرة لمن يعتبر تحتاج منا جميعاً الوقفة مع أنفسنا و تأمل ما آل اليه حالنا و نحن نحتفل بمولد المصطفى صلى الله عليه و سلم. ثم جاء استقلال السودان و بتلك المناسبة جاء في خطاب الزعيم الأزهري عليه رحمة الله (ليس اسعد في تاريخ السودان وشعبه من اليوم الذي تتم فيه حريته ويستكمل فيه استقلاله و تتهيأ له جميع مقومات الدولة ذات السيادة ففي هذه اللحظة الساعة التاسعة تماماً من اليوم الموافق أول يناير 1956م ، 18 جمادى الثاني سنة 1275ه نعلن مولد جمهورية السودان الأولى الديمقراطية المستقلة ويرتفع علمها المثلث الألوان ليخفق على رقعته وليكون رمزاً لسيادته وعزته ...إذا انتهى بهذا اليوم واجبنا في كفاحنا التحريري فقد بدأ واجبنا في حماية الاستقلال وصيانة الحرية وبناء نهضتنا الشاملة التي تستهدف خير الأمة ورفعة شأنها ولا سبيل إلى ذلك الا بنسيان الماضي وطرح المخاوف وأن نُقبل على هذا الواجب الجسيم أخوة متعاونين وبنياناً مرصوصاً يشد بعضه بعضاً ، وأن نواجه المستقبل كأبناء أمة واحده متماسكة قوية)...و لنا في خطاب الزعيم اسماعيل الأزهري عبرةً و لا ينبغي علينا المرور على كلماته هذه مرور الكرام... ثم ما لبثنا أكثر من عامين حتى جاء انقلاب عبود..ثم الانتفاضة الأولى و انتصارها في 21 من أكتوبر الأخضر العام 1964..ثم لم نلبث حتى جاء انقلاب مايو 1969 على السلطة الشرعية..ثم الانتفاضة الثانية مارس ابريل 1985...ثم لم نلبث أن أطل علينا الاستعمار الحقيقي متجسداً في انقلاب الاخوان المسلمين و ما ترتب عليه مما نعيشه الآن... عاد السودان أكثر من 1400 عاماً إلى الوراء متخلفاً عن ركب التطور و الانسانية و الحضارة..و رجعنا إلى أسوأ من عهد الجاهلية التي أتت الرسالة الخاتمة في الأساس لتخليص الناس من شرورها- و لا أبالغ- بل أمتلك الأدلة و الشواهد التي نعلمها جميعاً على صحة ما ذهبت اليه...فبالرغم من أن الجاهلية كانت تسود فيها القبلية و العنصرية إلا أن المجتمع الجاهلي قبل الاسلام كان يتمتع بصفات الشهامة و المروءة و الكرم..و كانوا يجرمون فيه اللص و الفاسد و ينفرون من كل قبيح..الواقع أننا إذا نظرنا لحال الجاهلية اليوم لوجدناه أكثر بكثير عن حال سودان الاخوان..حيث كانت تسود صفات قيمة في المجتمعات آنذاك منها الكَرم، الوَفاء، وإغاثة المَلهوف، وحماية الضعِيف، والعفو عند المَقْدرة، ورفض الهَوان والضَّيم، ولهم في الكرم قِصص كثيرة، ولهم في الوفاء قصص كثيرة، حتى أن القَبيلة عندهم تنبذ و وتنْفُر ممن لا يفي وعده وتطرده. ولذا كانوا ينادون بالوفاء بالوعود، والوفاء بالمواثيق والعهود، وإغاثة المَلهوف، وحماية الضَّعيف..و كان عندهم الذي يفعل فعلاً غير شريف، أو يقوم بأعمال غير كَريمة، القَبيلة تحْكُم عليه بالخُروج عن الأعراف والتَّقاليد، ثم يَنْبذونه... و كانوا ينظرون للمرأة نظرة كَريمة برغم أنهم وأدوا البنات ...هذه الصفات التي كان يتمتع بها مجتمع الجاهلية لم تعد واحدة منها موجودة في دولة المشروع الحضاري التي أقامها المستعمرون الماسونيون في السودان...و هذه أكبر وصمة عار في جبيننا جميعاً إن لم نزلها.. بتلك الشواهد..حالة المجتمع الجاهلي قبل مجئ الاسلام كانت أفضل من حالة المجتمع السوداني بعد مجئ نظام حكم الاخوان..و هذه عبرة لنا بأننا بالعودة لخطاب الزعيم الأزهري..و أننا لا زلنا نرزح تحت استعمار أبغض من الاستعمار البريطاني، و جاهلية أبغض من الجاهلية التي أتى الاسلام لتخليص الناس منها...فماذا يا ترى تبقى لنا حتى نستكين و نمارس حياتنا المزرية بشكل طبيعي؟ و كيف لنا أن نتعايش مع أنفسنا و مجتمعاتنا في سلام في ظل واقع مماثل؟..ما يقوله الواقع أنه لم يتبقى لنا الكثير حتى لا نجد مكاناً في أرض الله الواسعة يقبل بنا بعد أن يتشظى وطننا الى دويلات تسود فيها شريعة الغاب و الفتن بدرجة أسوأ مما كان يحدث في داحث و الغبراء..و بعد أن تضيق علينا الأرض بما رحبت..إذاً لا بد من العمل و اقتلاع هذا النظام الخبيث من جذوره..و لا خيار أمامنا غير ذلك..إما هذا أو الطوفان.. و لكي ننجح في اقتلاع نظام البؤس هذا أولاً يجب علينا أن نكون صفاً واحداً بغض النظر عن معتقداتنا و أدياننا و مرجعياتنا الفكرية..(بطبيعة الحال عدا تلك التي يتبعها النظام)..عدا ذلك يجب أن يكون لدينا حد أدنى يجمعنا جميعاً و هو ضرورة ذهاب هذا النظام..يجب أن نرتب أوراقنا جيداً و نجلس بكل هدوء و رويةً كل مع نفسه ثم مع بعضنا البعض و نبحث أين هى أوجه القصور فينا التي أدت إلى هذا المآل البئيس؟ أين أخطأ كل منا؟ و أين تعثرنا ، و في أي مكان؟ و أي زمان؟ و ما هى الأسباب؟ و كيف يمكننا معالجتها، و ما هى عواقب الفشل؟..و كيف نعمل على تفاديها...ثم بعد ذلك يمكننا أن نرسم خططنا معاً و تحديد كيفية بلوغ أهدافنا مستصحبين ما ذكر أعلاه نصب أعيننا كعبرة لنا جميعاً..و الأهم من هذا كله علينا فوراً أن ننسى كل عثراتنا و أخطاؤنا بحق بعضنا بعضاً عدا العبرة بما يفيد..ثم نقيم ما أحدثناه من أشياء ايجابية طوال فترة حكم الاخوان المسلمين و ما قبلها منذ بداية التدهور الذي أعقب ازدهار الفترة بعيد الاستقلال..ثم نجمع كل أفكارنا في قالب واحد حده الأدنى معلوم لدينا جميعاً..يدفعنا التفاؤل و سمو الهدف للانجاز..و لنستحضر جميعاً أننا أبناء شعب واحد ووطن واحد يجب أن ننقذه من المجهول لأن في انقاذه انقاذ انفسنا و اجيالنا القادمة..و في التهاون ضياعنا نحن و الوطن و كذلك الاجيال القادمة...و ضياع كل شئ و للأبد.. إننا حقاً محتاجون لإعادة ترتيب خططنا وفقاً لضرورات المرحلة..و كذلك محتاجين أن نرتب أولوياتنا بشكل جيد..و أن نعمل بصورة جماعية حتى ندرك أهدافنا.. و بسم الله نبدأ.. مصطفى عمر [email protected]