حظيت الانتخابات البرلمانيه والرئاسيه في تونس بمتابعة واهتمام كبيرين من قبل المجتمع الدولي خاصة والعربي, وهي الانتخابات الثانيه التي اجريت بعد الثورة الشعبيه التي اطاحت بنظام الحزب الحاكم في تونس الواحد والقائد الاوحد, الذي وضع السلطات وكل مقدرات البلاد في يد الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبه وخلفه بن علي, تكمن في اهمية الثورة الشعبيه في تونس في انها رفعت عاليا شعارات الحريه والديمقراطيه وناضلت وقدمت التضحيات حتى تثنى لها اسقاط النظام القديم وفتح الافاق لاقامة نظام جديد يعبر عن مصالح الشعب واماله وتطلعاته في بناء دوله مدنيه حديثه مستقله تبسط الامن وتحقق الاستقرار وتحفظ لتونس المكانه التي تليق بها حرة مستقله بين دول العالم. الاهميه الاخرى للثورة التونسيه انها ساكن الحياة في عدد من بلدان العالم العربي وخلقت حاله من الحراك الثوري الذي تطور لانتفاضات شعبيه عارمه انهارت على اثرها اعتى الانظمه الديكتاتوريه في مصر وليبيا واليمن كما ان روح الثورة مازالت تحلق في سماء بقية الانظمة المستبدة وعلى الرغم من التراجع الذي حدث في بعض الانظمه التي اجبرت على تقديم تنازلات في مجال الحريات وتلبية الكثير من المطالب الاقتصاديه والمعيشيه واجراء اصلاحات هيكليه في ادارة الدوله وتقديم الوعود باقامة مشاريع التنميه والبناء والمشاركة في شئون الحكم والادارة في تقديري ان الحراك الذي تشهده منطقتنا العربيه بعد الثورة التونسيه ولن تقبل بأقل مما احرزه الشعب التونسي من مطالب. ان ماتحقق في تونس من خلال الاربعه سنوات الماضيه يمكن حصره دون الدخول في تفاصيل هو التوافق على القضايا الاساسيه للمرحله الانتقاليه وفي مقدمتها البرنامج واقامة اجهزة السلطه والاجهزة التابعه لها مع تحديد الاليات. بما ان الثورة انطلقت بصورة عفويه تحكمها ارادة الجماهير يعني ان لم يجري التخطيط لها من جهه معينه, حدث فراغ الكبير الذي ملأته القوى السياسيه المنظمه وفي طليعتها الاحزاب وفي مقدمتها احزاب النظام المنهار الذي يطلق عليه اسم حزب الدوله العميقه. في هذا السياق لابد من الاشارة الى ان المشهد السياسي العام وتركيبة القوى الموجودة في الساحه منذ تكوين الدوله التونسيه المستقله , لاتسمح بالهيمنه والغلبه لحزب واحد. وهذا ما أكدته التجربه في الماضي والحاضر. تونس بها عدد كبير من الاحزاب السياسيه بداية بالحزب الدستوري الذي أسسه الحبيب بورقيبه والذي تغير اسمه الى نداء تونس تحت قيادة محمد الباهي السبسي بعد الثورة, حزب المؤتمر من اجل الجمهوريه الذي يتزعمه المنصف المرزوقي, الجبهه الشعبيه التي تضم حوالي 11 حزبا بقيادة محمد همامي يضاف اليها حزب التكتل من اجل العمل والحريات وفي مقدمة الاحزاب الكبيرة حزب النهضة الاسلاميه بقيادة راشد الغنوشي. الشيء الذي يميز المشهد السياسي والصراع في تونس هو وجود حركة نقابيه قويه واسعه استطاعت ان تصمد وتناضل وتحقق مكاسب كبرى للعمال والفقراء والتي يطلق عليها اسم الاتحاد العام للشغل , وقد افردت تلك الحركة قادة بارزين يشار اليهم بالبنان داخل وخارج تونس. نتائج الانتخابات النيابيه الاولى اوضحت بجلاء ان امكانية تكوين حكومة من حزب واحد غير متوفرة ,نسبة لان الفارق الذي تحصل عليها حزب نداء تونس وحزب النهضة من اصوات ومقاعد لايسمح بتكوين حكومه من حزب واحد اوحتى حزبين, بناء عليه لجأ الحزبان إلى تكوين حكومة توافقية من ثلاثة احزاب بعد ضم حزب التكتل من أجل العمل والحريات والتي اطلق عليها حكومة الترويكا, أما رئاسة الجمهورية فكانت من نصيب الدكتور محمد المنصف المرزوقي زئيس حزب المؤتمر من اجل الجمهورية وكان ذلك بمساعدة حزب النهضة الإسلامي تحت قيادة راشد الغنوشي. من هنا أصبح الصراع حول السلطة يحتل المركز الاول بدلاً من التركيز على حل القضايا الاساسية التي أدت إلى انتفاضة الشعب واسقاط النظام وقد فشلت حكومة الترويكا في حل قضايا الفقر والبطالة والتقدم بخطوة جادةة وان كانت وئيدة في ردم الهوة بين الشمال المتطور نسبياً والجنوب الذي يفتقد إلى ابسط اسباب الانعتاق من الفقر. حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من مليون نسمة من الشباب الذين شكلوا النصر الحاسم في انتصار الثورة والنتيجة التي ترتبت على ذلك الواقع المتردي هو عزوف الشباب عن العملية الانتخابية ومقاطعته لها. في ظل ذلك الواقع نشأت حركة معارضة واسعة لسياسات الحكومة وتوجهها في تكريس السلطة في يدها قوامها الشباب والاحزاب السياسية في مقدمتها الجبهة الشعبية التي فقدت اثنين من قياداتها التاريخية شكري بالعيد ومحمد البراهمي الذين سقطا برصاص الغدر والخيانة للثورة واليسار التونسي, وما تجدر الاشارة اليه ان اصابع الاتهام وجهت لحركة النهضة وانفلات الامن وعدم احكام السيطرة على الاوضاع الداخلية فتح المجال أمام أعداء الثورة من الحرس القديم ورجالات الرئيس السابق زين العابدين بن علي والعناصر الاسلامية المتشددة الملتفة حول حزب النهضة التي تعتبرها درعاً تحتمي به وسيفاً تحارب به القوى السياسية التي تقف حجر عثرة في طريق توجهها الرامي ألىى اسلمة المجتمع التونسي واقامة الدولة التي يحلمون باقامتها على كامل تراب الوطن العريض, الوضع في تونس أصبح مخترقاً والسلاح صار في متناول اليد حيث يتواجد حوالي 160 مليون قطعة منه في المنطقة المحيطة بتونس, بناء عليه اصبحت هجرة المجاهديم من الجنسين إلى ساحات القتال في الدول العربية شرقاً و غرباً تتم أمام أعين وسمع السلطات المختصة دون رقيب أو حسيب, أخطر مافي الامر ان الجيش التونسي الذي حمى وشكل صمام الامان لانتصارها أصبح مستهدفاً من قبل الخلايا النائمة والجماعات الظلامية الاسلامية المسلحة من الخارج. دخل المجتمع التونسي تجربة الانتخابات البرلمانية الثانية وكذلك انتخاب رئيس الجمهورية بعد ان تكشف امامه خطل فشل حكومة الترويكا التي ضمت حزب نداء تونس والنهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية في تحقيق ما بشرت به في برامجها الانتخابية وكان الهدف تكبير الكوم والوصول الى الفوز باكبر عدد من المقاعد والهيمنة على السلطة للوصول الى ذلك الهدف, جرى التلاعب بارادة الناخبين ومورس الاستقطاب واستخدم المال السياسي الفاسد, جاءت ردود الفعل من قبل نسبة عالية من الشباب والتي اعلنت مقاطعتها للانتخابات والتي تشكل70% من افراد المجتمع تحت سن الاربعين والنتائج النهائية للانتخابات النيابية خيبت آمال وتطلعات الاحزاب الثلاثية حين لم يحصل احدها على الغالبية المطلقة للانفراد بتشكيل الحكومة. حصل نداء تونس على 80 مقعد يليه حزب النهضه ب70 مقعدا والجبهه الشعبيه15 مقعدا,والاتحاد الوطني الحر 14 مقعدا, بقية الاحزاب بمافيها حزب الرئيس المرزوقي كان نصيبها ضعيفا. المهم في الامر ان النسب متقاربه بين الاحزاب الثلاثه التي اسلفنا ذكرها الامر الذي يؤكد غياب اغلبيه مريحه لتكوين الحكومه, بناء عليه وحتى كتابة هذه السطور اصبح موضوع تشكيل الحكومه خاضعا للتشاور مع بقية الاحزاب التي ستتوافق أو تتحالف مع نداء تونس فيما يتعلق بحملة انتخابات رئيس الجمهوريه بين رئيس الجمهوريه الحالي الدكتور المرزوقي والسبسي رئيسحزب نداء تونس والذي فاز بأغلبيه اصوات الناخبين وبذلك اصبح الطريق معبدا امامه للوصول الى قرطاجه مقر رئاسة الجمهوريه. المفاجأة الكبرى كانت ان حزب النهضة لم يقدم مرشحا من جانبه, وقد كان موقف موضوع تساؤل واستغراب. بعض التسريبات افادت ان القيادة لم تكن موحدة وسادت في داخلها خلافات غير قابله للحل واكتفت باصدار توجيه للقاعدة الحزبيه, ان تتصرف حسب ماتراه من خيار البعض يعزو موقف القيادة الى تاكتيك سياسي فيه نوع من الذكاء والدهاء الذي يوصف به القائد الغنوشي الذي اراد ان تذهب اصوات ناخبي النهضة الى الدكتور الباجي السبسي في كسب جولة الانتخابات, لقد كسب السبسي جولة الانتخابات ليست نتيجة خطأ ارتكبته حركة النهضة او لضعف المرزوقي وحزبه, بل لان توازن القوى بصورة عامه الذي مال لصالح نداء تونس, بالاضافة الى ذلك مقاطعة الانتخابات من قطاع واسع من الجماهير خاصة الشباب لعب دورا مؤثرا في النتيجة. ان اهم النتائج التي يمكن رصدها منذ تكوين المجلس التأسيسي ومادارفيه من حوار حول قضايا المرحله الانتقاليه وكتابة الدستور ثم حملات الانتخابات الاولى والحاليه تؤكد على ان تونس مقبله على مرحله هامه ودقيقه في السنين القادمه من تاريخها. الدستور الذي يعتبر من مصادر السلطات يعطي رئيس الجمهوريه سلطات واسعه وهو السبسي الذي تولى اهم المناصب في عهد بورقيبه وبن علي لفترة 8 سنوات وزيرا للداخليه, العقليه والذهنيه الضيقه الامنيه للدوله في السابق ثم تدخل الشركات الاجنبيه وسيطرتها على الاقتصاد والسياسه والدين الخارجي كلها عوامل بدأت عمليه التحول الديمقراطي اكثر صعوبة وحدة في الظروف الحاليه على الصعيدين الداخلي والخارجي واضعين في الاعتبار ان العامل الخارجي اصبح اكثر تأثيرا من العامل الداخلي بل اكثر حسما في بعض الاحيان. الاهم في الامر ان الشعب التونسي يراقب وبحذر ماسيظهر من نتائج وتطورات على المدى القصير والبعيد بعد تكوين الحكومه خلال الايام القادمة. د. محمد مراد الحاج براغ 3 يناير2015