الحروب والنزاعات المسلحة ليست بالشئ الجديد في عالم اليوم, بل كانت سائدة بين الشعوب والقبائل علي مر الازمنة والحضارات, حيث أوجز ذلك إبن خلدون بقوله: "إن الحروب وأنواع المقاتلة لم تذل واقعة في الخليقة منذ برأها الله". إلا أنها وفي العصر الحديث الذي نعيشه وما اصطلح علي تسميته بعصر العولمة والتكنلوجيا والرقميات.. (وياللعار), فبدلا من استخدام امثل لهذه النعمة, فقد حدث العكس, فقد استطاع العقل البشري من صناعة احدث ادوات القتل والدمار الشامل, وما جريمة قنبلة (هيروشيما) و(نجازاكي) الا خير شاهد. فقد فاقت كل التوقعات في الفظاعة والشناعة من قتل ممنهج للنساء والأطفال وكبار السن, إضافة الي تدمير للمتلكات ووسائل العيش الرئيسية كالزرع والضرع ومصادر المياه وغيرها, من غير مبالاة وضرب لعرض الحائط باي مواثيق وضعت لتنظم سير العمليات العسكرية مهما كانت الظروف! نعم لقد أرسي القرآن الكريم قواعد للحرب منذ نشأة الكون فيما يتعلق بالأسري وحقوقهم بنصوص قرآنية صريحة, قال الله تعالي: (فإما من بعد وإما فداء حتي تضع الحرب أوزارها). فضلا عن حماية النساء والاطفال وكبار السن. ثم جاءت السنة النبوية لتؤكد, وقد تجلي هذا في حديث الرسول الكريم لجيوشه التي أرسلها للحرب بقوله: (انطلقوا باسم الله وعلي بركة الله, لا تقتلوا شيخا فانيا, ولا طفلا صغيرا, ولا إمراة, ولا تغلوا, وضعوا غنائمكم, وأصلحوا وأحسنوا, إن الله يحب المحسنين). كما اوصي ابوبكر الصديق يزيد بن ابي سفيان عندما ارسله علي رأس جيش الي الشام فقال: "أما بعد..فإني موصيك بعشر, لا تقتل إمراة ولا صبيا, ولا كبيرا هرما, ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلا, ولا تحرقها, ولا تخربن عامرا, ولا تعقرن شاة ولا بقرة الا لمأكلة, ولا تغلل ولا تجبن". أي معاني سامية وقيم نبيلة هذه التي أرساها الاسلام كقواعد وأسس للحرب..!! لكن اليوم ورغم التشدق بالحداثة و بالقوانين الانسانية وقضايا حقوق الانسان والمعاهدات والاعراف الدولية التي وضعت بخصوص النزاعات المسلحة, الا ان اعمال القتل الهمجي البربري الممنهج, خاصة للنساء والاطفال وكبار السن قد بلغ حدا تدمع له العيون وتتفطر له القلوب!! والمشاهد ظاهرة امام أعين الجميع لا تحتاج الي برهان او دليل لاثبات صحتها..!! فالحرب كلمة والعياذ بالله! مرة الطعم والمزاق, غير مستساقة ومرفوضة من كل الاعراف والقوانين السماوية والوضعية. فهي حالة صراع عنيف مسلح بين طرفين أوأكثر استعصي علي الحل, فاضحت لغة الرصاص ومشاهد القتل والدماء والمعاناة هي المسيطرة بدلا من آليات التفاوض وتحكيم صوت العقل. أما تداعياتها وانعكاساتها فتتمثل في اللجوء والنزوح و التشرد للأسر الآمنة خاصة النساء والاطفال والعجزة, وهم أكثر الشرائح تضررا من غيرهم, وما يعانيه اللاجئين في سوريا والعراق وجنوب السودان وافريقيا الوسطي والصومال وفلسطين وغيرهم من البلدان لهو خير مثال. فالحرب من السهولة بمكان أن تبدأ بين طرفين أو أكثر, ولكن من الصعوبة ان لم يكن من المستحيل أن يتكهن كائن من كان بنهايتها. معلوم للجميع ان لكل سلعة رواج, والحرب ليست بمعزل عن هذه السلع, فهنالك تجار للحرب أيضا, ,وأيادي خفية تعمل ليل نهار لزرع بزور الفتنة بين الاطراف ذات الصلة بالصراع والنزاع, فهولاء (اي تجار الحرب) لا يروق لهم حال ولا يهدأ لهم بال الا العمل من أجل مصالحهم الضيقة التي تتمثل في استمرار الصراع ضاربين بمعاني السلام والتسامح والعيش المشترك والتعددية عرض الحائط. كذلك فان بعض المنظمات تتاجر في استمرار التوترات والنزاعات لان استمرارها وبقاءها مرهون بذلك. ومن جهة اخري فإن شركات السلاح لا يهدأ لها بال وهي تري السلام يعم البلاد والعباد لان في ذلك ضرر لمصالحها المتمثلة في بيع السلاح وآلات الموت والدمار, حتي ولو كانت الكلفة دماء الابرياء العزل واشلاء الاطفال والنساء والعجزة!!, فمن خلال تجار الحرب ومروجي الفتن ونافخي الكير تتحرك شركات صناعة وبيع السلاح وتنشط علي قلب الطاولة راسا علي عقب, ولن ترتاح الا بعد رؤيتها ان المياه قد تعكرت, والصفاء قد زال, وان شمس الحق قد غابت واصبح الفجر غروب!! [email protected]