اعتمد رئيس الجمهورية سلفا كير ميارديت يوم الجمعة 23 يناير 2015م أوراق السفراء الأجانب بالقصر الرئاسي ، وشمل الاعتماد كل من سفير جمهورية بنين ، سفير جمهورية تشيك ، سفير دولة البرتغال وسفير دولة إيطاليا بالإضافة إلى سفير دولة فلسطين كامل عبد الله سفيراً مفوضاً فوق العادة . ويأتِي هذا التطور بعد اعتماد الرئيس كير أوراق السفير الإسرائيلي هايم كورين بأسبوع واحد فقط . وفي المقابل ، شهدت مدينة أورشليم أو القدس مراسم اعتماد أوراق سفير البلاد لدى إسرائيل روبن مريال بنجامين ، في العاشر من الشهر الماضي ، مع سفراء آخرين من دول أنغولا ، الفيلبين وجامايكا ، وفق ما نشرته صحيفة (جويش برس) الإسرائيلية الإلكترونية . وبالنظر إلى تاريخ نشأة وتطور العلاقات بين جنوب السودان ودولة إسرائيل ، وفلسطين كدولة نالت صفة المراقب غير العضو في الأممالمتحدة في 2012م ؛ فإننا نجد أن جنوب السودان شق طريقه في وقت مبكر إلى إسرائيل في ستينيات القرن المنصرم حين كانت حركة استقلال جنوب السودان أو (حركة الأنيانيا) تناضل تحت قيادة الجنرال جوزيف لاقو يانقا ، حيث ساهمت إسرائيل في التدريب العسكري لضباط حركة الأنيانيا مثل فريدريك برين مقوت ، بول أويل ، إمانويل أبور نيال ، أليسون موناني مقايا ، وليام يانقا بارثوليوميو ، ماثيو باقان ، غردون مورتات ميان ، جون أوكواك ، استيفن مادوت باك ، بيتر شريلو ، دومنيك ديم دينق ، أيزايا بول وإدوارد بيتر ، بحسب الكاتب والمؤرخ أروب مادوت أروب في كتابه "طريق السودان الشاق إلى السلام" ، فضلاً عن تمديدها للأنيانيا بسلاح . وشهدت العلاقات ركوداً زمنياً بعد اتفاقية أديس أبابا عام 1972م ، وعادت إلى نشاطها في فترة الكفاح الثانية بقيادة رئيس الحركة الشعبية الراحل جون قرنق بشكلٍ غير معلن لأغراض سياسية تكتيكية . وكانت دولة إسرائيل من أوئل دول العالم التي اعترفت بجنوب السودان كدولة في اليوم الثاني فور إعلان ميلاده في التاسع من شهر يوليو عام 2011م . وأعلنت عن تأسيسها لعلاقات دبلوماسية كاملة مع جنوب السودان في الثامن والعشرين من يوليو 2011م . وفضلاً عن كونها علاقات سياسية ودبلوماسية ، تتميز العلاقات بين جنوب السودان وإسرائيل كعلاقات مصالح اقتصادية . وبحسب ما نشرته الموسوعة الإلكترونية الحرة – ويكيبيديا في نسختها الإنجليزية ، قدمت إسرائيل مساعدة اقتصادية لجنوب السودان عبر المعونة الإسرائيلية (IsraAid) للمساعدة في تطوير وزارة الرعاية الاجتماعية . وعبرت جوبا عن نيتها في يوليو 2011م في اقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب ، وانخرط جنوب السودان وإسرائيل في مباحثات ثنائية رسمية في نفس الشهر عام 2011م ، عندما وقع الجانبان اتفاقاً للتعاون في مجال المياه والبنية التحتية والتنمية التكنولوجية ، ومجال الري وتحليل المياه ونقلها وتنقيتها . ووقع ذلك الاتفاق وزير الري والموارد المائية بول ميوم أكيج آنذاك مع وزير الطاقة والمياه الإسرائيلي أوزي لانداو ، فضلاً عن التعاون التجاري بين البلدين . ويثير تعاون إسرائيل وجنوب السودان في مجال المياه إستياء مصر وقلقها إلى حد كبير . وقام الرئيس سلفا كير بزيارة إلى إسرائيل في نهاية 2011 إلتقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ، وكانت جوبا قد شهدت زيارة رسمية للوفد الإسرائيلي في شهر أغسطس 2011م برئاسة السياسي داني دانون عضو حزب الليكود في الكنيست الإسرائيلي . وعلى رغم من طرد إسرائيل لمواطني جنوب السودان الذين وصلوا إليها عبر مصر وإعادتهم إلى جوبا في يوليو 2012م ، استمرت العلاقات بصورة طبيعية بين البلدين . وفي عام 2012م ، استعرضت إسرائيل خطط زراعية حديثة لحكومة جوبا لتنفذ في المناطق الريفية بجنوب السودان لتعزيز النهضة الاقتصادية عبر الزراعة . وزارت وزيرة الزراعة السابقة بيتي أشان أوقوارو إسرلئيل لمتابعة خطوات التنسيق وسبل تنفيذ تلك المشاريع في جنوب السودان . وكان ميوم أكيج قد دعا رجال أعمال إسرائيليين للاستثمار في جنوب السودان كدولة فتية في حوجة للتطوير بدلاً من ذهابهم إلى الصين ودول أفريقية أخرى . وإذا عدنا إلى بداية العلاقات بين جنوب السودان وفلسطين ، فلا توجد تاريخ واضح لها سوى قيام بعثة جنوب السودان الدبلوماسية في نيويورك ، والتي يرأسها الدكتور فرانسيس دينق مادينق بالتصويت لصالح اعتماد دولة فلسطين في الأممالمتحدة بوضعية مراقب غير العضو في 29 نوفمبر عام 2012م ، وصولاً إلى اعتماد السفير كامل عبد الله سفيراً فوق العادة يوم الجمعة الماضي . وليست هناك زيارات متبادلة بين الطرفين . وإذا نظرنا إلى علاقة جوبا مع فلسطين الذي لم ينال الإعتراف بعد كدولة من قبل المجتمع الدولي بعيون المصالح ، فلا توجد أي مصالح اقتصادية تجمعها مع جوبا ، إذ لا يزال الفلسطينيون يبحثون عن موقعهم كدولة ، ما يعني أن جنوب السودان لن يستفيد اقتصادياً من فلسطين ومن نواحٍ أُخرى كثيرة ، وهنا تميل كفة العلاقات بين جوبا ورام الله من ناحية المصالح المادية إلى تل أبيب . لكن يبدو أن القيادة السياسية في جوبا تُرِيدُ أن تقول للعالم أن حق تقرير المصير ، كحق مكفول في الوثائق الدولية للشعوب المضطهدة ، حق يستحقه الفلسطينيين وذلك من خلال تصويتها لصالح وضعية دولة فلسطين في الأممالمتحدة واعتمادها لسفيرها . ومن الواضح أن جوبا تتعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية تحت قيادة الحكيم محمود عباس أبو مازن وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) كتيار سياسي معتدل ، وتعترف بحق الحياة لإسرائيل ووجود دولتها جنباً إلى جنبٍ مع دولة فلسطين عند حدود 1967م ، دون قطاع غزة وحركة حماس التي يتهمها إسرائيل والمجتمع الدولي بالتطرف والإرهاب ويرفض حق إسرائيل في الحياة ، وهي ذات الحركة التي وصف رئيسها إسماعيل هنية جنوب السودان بأنها "دولة لقيطة" عام 2011م ، في بادرة غير مسبوقة مسيئة وغير مبررة ضد شعب جنوب السودان . وهو كذلك موقف متطرف عبر عن موقف حركة حماس المنحاز لأختها الحاكمة في السودان ويعبر أيضاً عن رفضها التام لاستقلال جنوب السودان . بقدوم إسرائيل وفلسطين إلى البلاد عبر بوابة العلاقات الدبلوماسية واعتمادهما رسمياً ، هناك سؤال يطرح نفسه : هل أصبحت دولة جنوب السودان ساحة حرب للإسرائيليين وفلسطنيين لخوض معركة دبلوماسية بعد اعتماد جوبا سفيري فلسطين وإسرائيل ؟ من الواضح أيضاً أن الفلسطينيين يقومون بتوسيع دائرتهم الدبلوماسية بهدف إستقطاب الدول الأعضاء في الأممالمتحدة ، لحشد دعم قيام دولتهم المحتمل في العام 2017م ، ولذلك قرعوا باب جوبا ، لتفتح لهم الباب واسعاً وعانقتهم مثلما عانقت إسرائيل قبلهم . وتبين ذلك في اعتراف السفير كامل عبد الله وامتداحه لنضالات شعب جنوب السودان التي أفضت إلى الاستقلال وقيام الدولة في تصريحات صحفية عقب اعتماد الرئيس سلفا كير لأرواقه . الجدير بالملاحظة هو أن جنوب السودان كدولة جمعت تناقضات كثيرة في علاقاتها مع إسرائيل وفلسطين كشعبين بينهما صراع طويل ومرير ورد ذكره في الكتب السماوية ، قبل قدوم المسيح إلى العالم بزمن بعيد . إن مثل هذه التناقضات قد تضيع مصالح جنوب السودان الاقتصادية مع دولة إسرائيل إذا لم تتعامل تل أبيب بنوع من التريث مع قيادة جوبا السياسية ، وتنظر إلى حركة فتح في ورام الله كتيار سياسي ايجابي يريد السلام ودولة للفلسطينيين مع الاعتراف بحق إسرائيل أيضاً في الحياة . هناك تنامي للتطرف في العالم وعلى جوبا اتخاذ الحيطة والحذر أمنياً ، لأن علاقاتها مع تل أبيب قد تثير جنون المتطرفين ويقومون بتهديد أمن البلاد . صحفي ومحلل سياسي من جنوب السودان [email protected]