كانت ومضات الأسبوع الماضي عن التأليف والنشر في السودان وقد وصلتني ردود كثيرة من القراء من أهمهما الرسالة التي جاءتني من البروفسور الأصم عبد الحافظ أحمد، أستاذ الجغرافيا في الجامعات السودانية والسعودية فقد ذكر لي عدداً من العلماء الذين ألفوا كتباً كثيرة لكنها لم تخذ حظها من العناية؛ مثل مؤلفات السيد إسماعيل الولي الكردفاني التي بلغت ستة وأربعين كتابًا ورسالة غاية في العمق والبلاغة. وهنالك كتابات الأستاذ الشيخ عبد المحمود بن نور الدائم الذي أخرج للناس ما يقارب ثمانية وثمانين كتاباً، طبع بعضها ولم ير بعضها النور بعد. أما الأستاذ محمد شريف نور الدائم، والد الشاعر محمد سعيد العباسي، فقد كتب خمسة ومائة مؤلفٍ لا يزال معظمها مخطوطاً وإن كان بعضها قد حُقق حسبما ورد في موسوعة الذكر والذاكرين وطبع بعض هذه الكتب في مصر. ومن الكتب التي لا تزال رهن الحفظ في دار الوثائق المركزية كأمانة، مؤلفات صاحب نفثات اليراع، الأستاذ محمد عبد الرحيم، التي تعد من أهم ما كتب عن تأريخ السودان وتراثه. ومن المؤلفات السودانية التي لا يعلم عنها كثير من القراء كتاب الوصية لمؤلفه الشيخ عبد المحمود الحفيان الذي قدم له الشيخ عبد الجبار المبارك وترجمه البروفسور عثمان سيد أحمد البيلي إلى الإنجليزية. أما البروفسور حسن الفاتح قريب الله فقد وضع موسوعة الفكر الصوفي من ثلاثة مجلدات وهي تعد سفراً فريداً في مجالها وقد بلغت مؤلفاته ما يزيد عن المائة. ومن جانب آخر، نشر البروفسور يوسف فضل حسن أعمالاً وبحوثاً متميزة سدت ثغرة كبيرة في تاريخ السودان وإفريقيا وبلاد العرب وقد كتب بعضها باللغة الإنجليزية وبعضها باللغة العربية ووجدت قبولاً واسعاً في أوساط المهتمين بهذا الجانب. وهنالك أيضاً البروفسور عون الشريف قاسم صاحب المؤلفات العميقة والأصيلة التي تناولت شتى الموضوعات مثل اللهجة العامية والقبائل في السودان وغيرها ومعظم مؤلفاته منشورة تقريباً. ومن المؤلفين السودانيين الذين يشار إليهم بالبنان الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد الذي تنوعت مؤلفاته لتشمل كل ضروب الفكر فقد كان يدير نشاطه من خلال مكتب للدراسات خاص به يتولى إعداد البحوث المتعلقة بالجوانب الجيوسياسية والإستراتيجية الخاصة بالقرن الإفريقي بما فيه السودان والبحر الأحمر وشبه الجزيرة العربية بجانب الدراسات الأخرى ولكن بعض مؤلفاته لم تنشر بعد. ومن أصحاب المساهمات التي لابد من ذكرها هنا الدكتور مكي شبيكة والدكتور محمد إبراهيم أبو سليم والبروفسور حسن مكي. عموماً، لا تزال مؤلفات كثيرة في مجالات الشعر الفصيح والعامي حبيسة الأدراج حتى وقتنا الراهن ولذلك لابد من نشر الوعي بضرورة نشر تلك الأعمال التي تعد جزءاً من التراث والفكر السودانيين الواجب إخراجهما للناس حتى تعم الفائدة. وكثير من المخطوطات السودانية مثل كتاب الشريف محمد الأمين الهندي لم تنشر بعد خوفاً من محتواها؛ ولكن حسب رأيِ أن ذلك يجب ألا يحول دون نشرها إذ يمكن تنقيحها بما لا يخل بالمحتوى مراعاةً للأمانة العلمية وإسهاماً في نشر الثقافة السودانية في هذا العصر الذي أصبحت فيه الطباعة متيسرة. وما دمنا نتحدث عن الكتب والمؤلفات نتساءل عن مكتبات كبيرة ومشهورة منها مكتبة السيد علي الميرغني التي تضم أمهات الكتب العربية والأجنبية؛ خاصة إذا علمنا أن صاحبها كان ملماً بأكثر من لغة أجنبية وله صلات مع دور النشر في القاهرة والحجاز؛ ولذلك أقتنى كتباً قيمة نتمنى أن تصبح متاحة للناس حتى تتحقق الاستفادة منها للدارسين وطلاب العلم والمثقفين. وكما هو معلوم فإن بعض المثقفين مثل محمد صالح الشنقيطي ومولانا حافظ الشيخ الزاكي قد أهدوا مكتباتهم لبعض الجامعات فيا حبذا لو حذا الآخرون حذوهم. وأين ما كان من مكتبات ملحقة بمسجد أم درمان العتيق والمسجد الكبير بالخرطوم ونخشى أن تكون قد امتدت إليها يد الإهمال والضياع! وبهذه المناسبة هنالك مكتبة الشيخ محمد ود دوليب التي توجد الآن في غار بجبل الحرازة في شمال كردفان وهي تحتاج لبعض المعالجات الكيماوية لإخراجها وإزالة ما يكون قد لحق بها من تلف لأنها قد ظلت في ذلك الموقع منذ أيام المهدية! ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير إلى تلك المكتبات التي كانت موجودة في بلاط ودور سلاطين مملكة سنار وسلطنة دارفور في الفاشر لعلمنا بما كان لها من صلات ثقافية بالأزهر الشريف ولذلك فإن من المؤكد أنها قد جلبت أمهات الكتب في مجال التفسير والفقه خاصة المالكي وكتب الصحاح مثل البخاري ومسلم وهذه ثروة قومية لابد من البحث عنها حتى يكتمل تراثنا الثقافي القومي ونوصي بأن تكون تلك المراجع تحت حيازة الجهات ذات الاختصاص من المؤسسات التي تعنى بشؤون البحث العلمي وجمع المصادر وحفظها مثل دار الوثائق المركزية والمؤسسات الأكاديمية العليا. إنّ أهمية الحفاظ على هذه المؤلفات والمكتبات تكمن في أنها تسد ثغرات في المعرفة لا سبيل إلى سدها إلا بالوثائق المدونة. [email protected]