الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    تشكيل لجنة تسيير لهيئة البراعم والناشئين بالدامر    البرهان يتفقد مقر متحف السودان القومي    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب مُصممة للاحتيال    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالفيديو.. فنان سوداني يعتدي على أحد الحاضرين بعد أن قام بوضع أموال "النقطة" على رأسه أثناء تقديمه وصلة غنائية بأحد المسارح    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجه القدر..

إستيقظت مبكرا وهى عادة إكتسبتها مؤخرا بدون أسباب واضحة مبدئيا...اصحو قبل وقت الذهاب الى العمل بساعات..لا أستطيع النوم ، بل أنى اصبحت فى الزمن الاخير أخاف أن أنام وذلك لنوع الاحلام التى أعيشها فى العالم الآخر...أحلام مبهمة وكأنى فى عالم تحيطه غلالات من الوهم وتغلفه أمور لا تكون، أما الاستيقاظ الباكر والمزعج فقد شرحه مستشار الامراض النفسية والعقلية...بعد فحوصات وأسئلة كبرى وصغرى خلص الى أننى أعانى شيئا يسمى "الإكتئاب المرضى" ومن علاماته الإستيقاظ الباكر دون الحاجة لذلك ثم الضعف والوهن الدائم. على كل تكيفت مع وضعى المرضى مجبرا ذلك أنى لا أستطيع أن أتجنبه أو حتى اعالجه ...سلمت أمرى الى القدر والطبيب النفسانى بدرجة أقل. حالة الاكتئاب هذه أتحايل عليها بالكمبيوتر والاتصال بالناس... أناس فى الغالب لا أعرفهم، أتكلم معهم ,واطلع على مشاكلهم ومشاغلهم..أتشمم أمالهم الخائبة وطموحاتهم التى لم تتحقق...الفيس بوك إختراع غريب وعالم وهمى نعيشه ونمارسه وكأنه الحقيقى...عالمنا الحقيقى أصبح جحيما لايطاق فهجرناه الى آخر مصتنع وإفتراضى...ألبى دوما طلبات الصداقة المرسلة من أناس لا أعرفهم وأصادق عليها دون تردد ، والفكرة الرئيسية أن هولاء البشر غير موجودون حقيقة أو ربما يعانون مرض الإكتئاب مثلى...يتعذبون فى أحلامهم المخيفة وكوابيسهم التى لاتنقطع ...الليل لديهم أصبح صورة مصغرة أو حتى مكبرة من عذابات جهنم..أظن أننا معشر البشر نحمل منذ ولادتنا سجلات جهنم فى دواخلنا وحتى فى خارطتنا الوراثية...نعم الفيس بوك إختراع بشرى ضرورى وطبى..كل شىء فيه تقريبا إفتراضى و وحدانى كالموت.. نجد من يكتب لنفسه وكأن لا أحد هناك يقراه ولايبالى فتستمر اللعبة أياما وليالى...الفيس بوك شىء يشابه الزنا إثباته ليس سهلا أو مستحيلا..ربما يلزم الايمان فقط. أجلس قبالة الشاشة ساعات وهى فى وميضها المتواصل كانها الاجفان ترمش باستمرار رمشات متسارعة لشخص يكذب..أقرا كالمنوم مغنطسيا دعوات الصداقة وباصبع واهى أوافق عليها ، لايهم إن كان ذكراً أو أنثى أو حتى من المسار الثالث..إنها كلمات وجمل وحكايات ليس وراها أرواح حقيقية أو أنفاس بشر. ذلك اليوم لم أنم أصلاً والحكاية بدأت منذ بداية الليلة..أغمض عيونى فأجد نفسى فى متاهة وردية ومخيفة ، أفتحهما على سقف غرفتى المتآكل ..أغمضهما فأرى العالم الآخر بشوراعه الفسيحة وضوءه الباهت..أناس يركبون دراجات هوائية ويسيرون بتمهل ولكنهم ممتنعون عن الكلام..الحلم الكابوس طريق فسيح لاشىء فيه!! أتقلب على الفراش وأحاول خداع نفسى وانعتاقى فلا أجد لذلك سبيلا..دراجات ..ناس وشوراع فسيحة. عرفت أن لا حلل هناك ولاخروج من المازق الإكتئابى الا بالولوج الى عالم آخر..عالم أعرفه..إفتراضى وحقيقى..عالم الانترنت..أضئت جهاز الكمبيوتر فخرجت منه موسيقى هادرة..ثم نظرت فى كتابى..الفيس بوك، فاخذت أقرأ الذين تقدموا بطلبات صداقة ، ولاننى أملك الوقت كله ولايملكنى شىء ، أخذت أتفحص الأسماء، معظمها مجهول تماماً..من أين يأتى هولاء الناس؟ وماذا يريدون؟ بين الأسماء اسم أعرفه..اسم ثلاثى..المشكلة أو الإستحالة تكمن فى أن صاحبه متوفى! نعم هو صديق لى تلازمنا فى ديار الغربة سنينا عددا عندما كنا طلاب ، وجثمانه لم يبارح المهجر ودفن هناك..كنت من الذين وارو الجسد الثرى، فكيف يطلب صداقتى بعد كل هذه السنين وهو ميت؟ ذهلت برهة ولكنى تمالكت نفسى لعله أسم مشابه فقط ، أو لعلها مزحة من صديق قديم! وحينها تكون مزحة سخيفة ، لايجب العبث باسماء وهويات أشخاص رحلوا.. وقد صادقت على الطلب المستحيل وانتظرت...لم يدم إنتظارى طويلا وكأن المرحوم كان ينتظر حركة منى...قبل أن أدلف الى صفحته أظلم الكمبيوتر بظلام مفاجىء وقبورى ثم شع منه ضوء باهر متصاعد كأنه إنفجار نووى ياتى من مكان بعيد! ثم ظهرت صفحة صديقى المرحوم ، تحققت من كل المعلومات والتفاصيل..كان هو ولم اكن أدرى أن له صفحة فى الفيس بوك فى حياته...صورة شخصية صغيرة وهو يبتسم بغموض..وتأتى الاماكن التى درس فيها وبقية تفاصيل أعرفها جيدا...أنه هو أقصد أن الصفحة له دون شك..دار رأسى دورات عظمى ولم أجد نقاط إرتكاز منطقية لاتعلق بها فى سقوطى نحو اللاشىء ..الرجل كان صديقى ومن المقربين ، عشنا سنين كثيرة معا ، وأعرف تفاصيل حياته تقريبا بالكامل وهو كذلك ملم بدقائق حياتى على الأقل عندما كان حياً..ولكن! ماهذه السخافات آتى صوت من داخل نفسى..البشر يموتون ولايعودون ، واذا حدث أن عاد أحدهم من العالم الآخر لما قد يختار صفحة فى مواقع التواصل الإجتماعى (الفيس بوك) سرحت مع أفكارى بطريقة غير طبيعية..الفيس تعنى وجه اى شىء يُرى...مرحلة أو صورة وبوك تعنى كتاب والكتاب هو القدر أو قد يرمز لذلك ، لدينا أذن وجه من أوجه القدر ، صورة من الذى كتب سلفا..ثم ماذا؟ لم ارتاح كثيرا لتحليلى النفسى ثم أن فرويد نفسه قد.. أعتقد أنى قد بدأت أفقد عقلى وأن منطق الاشياء بدأ يتحلل تحت ضغط..ضغط اللامعقول!!
بالمساء رجعت الى طبيبى العقلى ولما كان من المستحيل أن أشرح له اى شىء مما يحدث لى، فالطبيب قد يظن أن حالتى تطورت كثيرا من إكتئاب عرضى الى جنون مطلق..من يدرى ، الحقيقة لم اكن أبالى كثيرا بتشخيص المستشار ذو اللبسة البيضاء والبسمة الطبية ، بل قد بدأت تساورنى مؤخرا فكرة أن الرجل نفسه ليس طبيعيا! لماذا يبتسم كثيرا وبدون أسباب تدعو لذلك! ولماذا ينحنى للامام ويحدثنى هامسا وكأن هناك شخص آخر يستمع لاحاديثنا! ثم يعود الى جلسته ويبحلق باهتمام نحو مروحة السقف فى دورانها الابدى والكهربائى! أظن أنه مجنون! لديه شهادات تقول أنه أخصائى أمراض عقلية وعلل نفسية من إحدى الجامعات الاروبية ومع ذلك! يقال أن الجنون شىء معدى كالانفلونزا.. على كل ذهبت اليه ظاهريا لمراجعة حالتى وتطوراتها..الإكتئاب المرضى والذى ليس هو الإكتئاب العادى الذى يصيب الناس عامة ، أنها مرحلة متقدمة منه تتحول الى أعراض جسدية مثل الضعف والوهن وقلة النوم..الخ قال طبيبى ذو البدلة البيضاء ان هذا المرض لايصيب عموم الناس وانما أشخاص تتوافر فيهم خصائص معينة..أنه أمر نفسى يتحول الى علة جسدية مثل الهستريا وانواع الفوبيا! سالته بدون قصد ظاهرى إن كان تصاحبه حالات تخيل! قال مندهشا إى نوع من التخيلات؟ كدت أن أقول الفيس بوك مثلاً! إبتسمت بهدوء ونظرت الى مروحة السقف فى دورانها الدائرى والممل..لم أقل شيئا.
رجعت البيت مثقلا بهموم كثيرة وغامضة ومرض الإكتئاب لم يفارقنى شبرا..حشرت فى فمى حبة صفراء وجلست قبالة الكمبيوتر..جاءت الموسيقى ثم الضوء ثم الكلمة ، وجدت صديقى المتوفى قد ترك لى رسالة تقول: لاتشكك كثيرا..أنا انتظرك! تعرقت يداى وظننت أن أنفاسى إنقطعت بشكل نهائى..انى إنحدر بشدة الى هاوية الجنون السحيقة دون توقف..لا أستطيع طلب المساعدة من أحد! كتبت له بانى لا أصدق مايجرى وأن صديقى توفى يوم كذا فى مدينة كذا جراء حادث سير لعين. ضغطت زر الإرسال فجاءنى الرد بسرعة فائقة وكانه مكتوب أصلا وجاهزا للارسال...تقول الرسالة: ياصديقى ان معلوماتك صحيحة فى معظمها ولكن سبب الوفاة كان سكتة قلبية قبل الحادث بدقائق ، بمعنى أن الحادث لم يكن السبب المباشر للوفاة! تذكرت ذلك اليوم المشئوم الذى رحل فيه صديقى..كانت معه خطيبته فى السيارة وقد نجت من الحادث باعجوبة ، وقد ذكرت لى شخصيا هذا التفصيل ولم أعره إهتماما إستناداً على أن أيامه قد نفذت على إى حال وأن القدر هو القدر بحادث أو بغيره..باصابع ترتجف كتبت له بانى مريض هذه الايام بمرض نفسى، قد يكون كل هذا من تداعيات المرض اللعين..فقط تداعيات ولاشىء آخر..ضغطت زر الإرسال ثم أقفلت الكمبيوتر وأمسكت رأسى الملتهب وتمددت فى السرير تمدد الموتى الاحياء.
إتصلت باكراً بخطيبة صديقى الراحل ، إندهشت لمكالمتى والحقيقة انها لم تستقبلنى جيدا ، اظن أن صوتى قد أثار كوامنها وذكرياتها مع المرحوم فقد كنا أصدقاء لانفترق ، بعد التحية والاسئلة المعتادة سالتها عن سبب وفاة خطيبها فقالت ان الذى دون مبدئيا فى السجلات الرسمية أن الوفاة سببها الحادث المرورى ، ولكن فيما بعد ذهبت الى المستشفى الذى تم فيه تشريح الجثمان واعطوها شهادة الوفاة الحقيقية...السبب هو سكتة قلبية! أقفلت الخط مذهولا وتركتها وفى فمها بقية كلام..انتظرت ايام قبل أن أفتح الكمبيوتر ، كلما مررت بجانبه اشيح بناظرى عنه تهيبا وتخوفاً..الجهاز الاسود أصبح يمثل حالة غير معروفة ومجهولة المنشا..خطرت لى فكرة التخلص منه نهائيا ومع ذلك لم أفعل شىء بل ظللت أنظر اليه وكأن بداخله شبح مخيف..فى الواقع شبح وصديق قديم..الحيثيات كلها خيالية ولاتصدق ولكن ومع ذلك على مواجهة الامر واستقصاءه حتى النهاية.
ارسلت الرسالة التالية وذكرت فيها أنى تحدثت مع خطيبته السابقة وانها بخير...كان الرد اللحظى ان فى عالمه الحالى لاتوجد نساء ذلك انه عالم خالى من الغرائز! الغرائز من مستلزمات العالم الارضى فقط..تاملت الرسالة وعرفت ان الذى يحدث هو بطريقة ما حقيقة وليس اى شىء آخر. الغرائز الكبرى متمثلة فى غريزة البقاء والجنس والاجتماع لاتصلح لعالم غير أرضى..أتخيل أن هذه الغرائز ينتهى مفعولها وصلاحيتها عندما نرحل من هنا لهناك! كدت أن اتصل مرة آخرى بخطيبة صديقى المتوفى وإبلاغها بالمعلومة الجديدة وان خطيبها قد نسيها وأن وجوده الراهن ليس فيه نساء على الاطلاق...لماذا قد أفعل هذا؟ إنها غريزة الإنتقام ، فالمراة ومنذ البداية لم ترق لى وهى بدورها قد كرهتنى فى دواخلها كراهية صحيحة لسبب أجهله ولكننا ظللنا وفى حياة صديقى نتظاهر بالصداقة ونراعى أعراف المجتمع ومشاعر الشخص المشترك بيننا..نعم غريزة الانتقام هى المحرك لهذا التفكير ، ومع ذلك وربما إستعداداً للحياة الاخرى لم اقم بالاتصال وضحكت فى سرى من تفاهة الانسان وتملك الغرائز فى تصرفاته..ولو أننا نظرنا بحكمة وبصيرة لعرفنا مكمن شقاءنا وآس داءنا ، ولكن هذا هو حال الانسان خلق وفى دواخله بذرة من العذاب والعنت. لسبب مجهول فكرت أن اكتب لصديقى واعرض عليه أن نتحدث عن طريق كاميرا الفيديو ، والحقيقة أن الفكرة بدت غريبة نوعا ما وخالية من محتوى أو هدف ، وأثناء تحليلى للفكرة وانا أمام الشاشة جاءتنى رسالة تقول أن ما أفكر فيه معقول ومفهوم بطريقة البشر وأنه يوافق ولكن سوف لا أرى شيئا على الشاشة ، قال ياصديقى هنا تخلصنا من سجن الجسد ومطلوباته ولكن يمكننى أن أحاول..إنتابنى خوف ورعب حتى أنى لم استطع تحويل نظرى عن الرسالة...صديقى ومن هناك يقرأ أفكارى..هذا أمر مربك ومحير أن تتكلم مع شخص وهو عالم بمجريات افكارك واحداثيات وجدانك! ثم سمعت طقطقة خفيفة وانفتحت نافذة الكاميرا بضوء باهر ثم إنطفئت وظلت ساكنة فى لون اسود..تزايد رعبى حتى أن عقلى اصيب بالشلل ، أطفئت الكمبيوتر ولم اقوى على التحرك من أمامه على اية حال.
خلال ايام لم أعد للكمبيوتر ورسائل صديقى المتواجد فى منطقة مجهولة ومنها يبث لا أعرف هل آراء ام تعليقات! لا أدرى ماهو التوصيف تحديدا ، ولكن ظل هاجس آخر يتربص بافكارى وهو فكرة أن مكان تواجد صديقى الحالى ليس فيه نساء! وقد فهمت أن ذلك يعود الى أن الناس هناك لاتوجد لديهم غرائز ، والنساء لسن فقط مكان أو هدف توجه نحوه غريزة ما ، فهن بشر ولهن ماللرجال...هل فى العالم الذى يبث منه صديقى توجد نوع من التفرقة بحسب النوع؟ أم أن الرجال والنساء وبطريقة ما يختلفون عنصراً وجوهراً؟ ام أن الغرائز تتنتزع من الرجال والنساء على حد سواء فيصيرون شيئا آخر؟ وراد ايضا أن المسالة تتخطى حدود فهمنا البشرى القاصر!
بعد أيام وليالى من الارق والتجنب عرفت أنى سوف أرجع الى الكمبيوتر..الجهاز الوسيط بينى وبين العالم الآخر ، أحتاج الى تلك الرسائل السريعة والتى تأتى من وراء الغيب ، واغلب الظن انى سوف لا أفهم المعانى والمرامى التى ترد فيها ، ذلك أن مايفصلنا ليست مسافات وأزمان لا أدريهما وإنما يبدو أيضا مفاهيم ومغازى مختلفة ولست بقادراً أو حتى مهيئا أو مصمماً لاستعايبها. ثم أن هناك خاطر شع فى ذهنى بغموض الحب وهو لماذا لا يتواصل معى صديقى عن طريق نقل الافكار والرسائل مباشرة الى عقلى المتلقى؟ وقد وضح أنه يستطيع ذلك! وبذلك نستغنى عن التقنية البشرية..لست أدرى..تتارجح أفكارى وظنونى مرة نحو السماء العليا ومرة نحو الارض المؤامرة..
عدت الى الكمبيوتر وكتبت الى صديقى الكائن ماوراء الاشياء والامكنة ، وقد لمحت بشدة بانى منهكاً ومريض بعلة نفسية لاتحتمل التنقل بين عالمين كلاهما مجهول بالنسبة لى ، فجاء الرد بأنه يدرى وأن الذى يحدث هو ضريبة الوجود والصداقة والدواء موجود فى طيات الزمن...لاتقلق ، كانت النصيحة التى لا أعرف كيف إلتزم بها..لاتقلق التى وردت من وراء سحب الوجود الظاهر يجب التعامل معها كما هى ...عدم القلق ولكن كيف؟!
الجدار...الجدار هو المشكلة ، هو الذى يمنعنا من رؤية الاشياء خلفه..الجدار قد يكون حقيقيا ومع ذلك نعرف أو نخمن مايكون وراءه...لانه جدار دينوى يمكن تصوره.. اما الجدار بين هذه الحياة والاخرى لانعرف عنه شيئا..أنه ساتر خفيف ولكنه يحجب الرؤية بالكامل ، ولايكمن أن نتخيل ما لا نراه من قبل..لايمكن تخيل ما لا يمكن تخيله! أخذت أفكر بهمة وأتصور أن الذى وراء الجدار يكون فى نفس موقفنا منه ، إى أنه لايمكنه رؤيتنا فقط يحس بنا ويعرفنا باشياء آخرى! قد تكون مسالة الرؤية نفسها تحتاج الى تعريف وإعادة تفسير! من يدرى هى رؤية ام حلم! صديقى الذى رحل لم ينسانى بدليل أنه إتصل بى ، وهل الذاكرة الارضية شىء ضمن مكونات الروح؟ قد تكون الذاكرة هى الروح نفسها! هذا المجىء والروحان أدخلنى فى مشكلتان عويصتان تتعلقان بالذاكرة والروح.. فكرة الحياة إبتدأت تاخذ شكلاً عبثياً فراغيا فى تصورى الداخلى ، ولا أعلم حتى الهدف منها ...ولادتنا ومرورنا بسطح الكوكب الخشن وظروفه المتقلبة وأشياءه غير المتماسكة...
رجعت المنزل ذات ليلة باردة وبدون أفكار مسبقة إنتقلت الى الاخرة...كتبت الى صديقى الذى يهيم فى ذلك العالم الاسطورى غير المتخيل..كتبت جملة قصيرة .. مالفائدة من الحياة اذا كنا سنموت؟ جاء الرد السريع كالاتى: لاشىء تعرفه ياصديقى ، ثم انبعث ذلك الضوء الباهر من جهاز الكمبيوتر وغرق بعدها فى ظلام دامس...لم أكن خائفا أو وجلاً أو حتى متلهفاً لمعرفة إى شىء..إنتابنى شعور براحة عميقة ووحدة حميمة..نظرت الى الظلام وأدرت نظرى الى نافذة غرفتى فوجدت طائراً صغيراً ينظر ناحيتى بقلق حيوانى...لم أعره إهتمام واستلقيت فى سريرى آمناً..أظن ان إكتئابى قد بدأ يخرج من تلافيف نفسى كما ستخرج الروح منه يوما ما..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.