[email protected] لقد عجزت النخب عن مجارات الرسالات الإرشادية في كل الثقافات ولذلك توارت خلف الوعي المجتمعي الذي يرمز الرسالة الإرشادية (الدين) داخل ذاته وممارساته السلوكية، فاصبح الدين في عرف تلك النخب عبارة عن مجتمع محدد وقيم سلوكية محددة وبالتالي عكس المعني الذي اتت به الرسالات الإرشادية لتوصيل جوهر الرسالة وقد استخدامت الرسالة المجتمعات والسلوك لتوصيل الإرشاد الإلهي للإنسانية، ونتيجة لقصورها حولت النخب الرسالة من استيعاب الترميز السلوكي داخل الكلية الإرشادية إلى استيعاب تلك الكلية داخل قيم سلوكية محددة، أدي قصور الوعي النخبوي إلى ان تكون ادوات الرسالة هي الرسالة فاصبحت الرسالة هي الرسول والمجتمع والمكان الجغرافي. وتم توصيف الإله باعتباره كائن داخل كل الثقافات توجد له مساحة خاصة للممارسة السلوكية بين الإنسان والإله دون استيعاب للتعالي الإلهي. إذن الدين أو الرسالات الإلهية بناء على رؤية التحولات الاجتماعية في كليته نجده يسعى إلى إرشاد المجتمعات لاستيعاب مغزى الإنسانية ومفهوم الإله المتعالي فكانت الرسالات الإرشادية تسعي إلى ان تستوعب المجتمعات ذاتها والاخر والإله المتعالي وقد خاطبت تلك الرسالات المجتمعات حسب وعيها الرمزي (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4))، ذلك الوعي الذي يجسد المقولات والمفاهيم داخل قيم محددة أي استخدمت الرسالات الترميز السلوكي لاستيعاب الكلية الإنسانية. وكانت تلك المخاطبة تسعي لتستوعب المجتمعات والنخب مجري التحولات التاريخي الذي تسير فيه الإنسانية، ولذلك دعت الرسالات الإرشادية إلى توحيد الترميز السلوكي لكل افراد مرحلة تحولات وليس الاحادية السلوكية لكل مراحل التحولات. ولكن القصور النخبوي اقعد بالرسالات الإرشادية وتم تكريس الرسالة باعتبارها قيمية وتدعو إلى سلوك احادي لكل المجتمعات في كل مراحل التحولات التاريخية أي تحاول تلك النخب من خلال استيعابها ذلك وقف التحولات الاجتماعية عند مرحلة محددة وعندما تتجاوز المجتمعات تلك المرحلة تدعو النخب المجتمعات إلى العودة اليها ولا تستطيع ان تستوعب تلك النخب ان التحولات عبارة عن فطرة داخل الإنسانية فمع كل مرحلة تحولات يختلف معني الإنسانية وبالتالي يختلف الترميز السلوكي لتلك الإنسانية. فاذن الرسالة الإرشادية أو الدين هو استيعاب للإنسانية إذا كانت إنسانية الذات أو الاخر وكذلك الإله المتعالي ولكن تحويل الرسالة الإرشادية إلى قيمية هو الذي يبعدها عن معناها الحقيقي الذي نجده في الإرشاد الذي يتجاوز مرحلة تاريخية محددة إلى ارشاد لكل مراحل التحولات للمجتمع المحدد. فكل الرسالات الإرشادية حتى المسيحية التي تم رفضها داخل مجتمعها الحقيقي والتي استوعبها المجتمع الغربي لتعبر عن القيم الكلية دون استيعاب مرحلة تحولات محددة، فاننا نجد ان الموسوية والمحمدية التي تم استيعابها داخل مجتمعاتها قد تم ترميزها داخل مجتمع وقيم سلوكية تاريخية وعندما تجاوزت مجتمعاتها مرحلة التحولات التي اتت بها الرسالات الإرشادية أي تجاوزت القيم السلوكية أصبحت الرسالة تعبر جزئيا عن المجتمع اليهودي أو العربي مع الدعوة داخل كليهما إلى الرجوع إلى الدين الحق أي إلى العودة إلى زمن الرسالة. وتخرج الرسالة المحمدية والمسيحية تحديدا (باعتبار ان اليهودية طابقت بين الإله وبين المجتمع فأصبح الإله لا يستوعب إلا الإنسان والمجتمع اليهودي) بكل محمولهما التاريخي ذلك باعتبارها دين، ففي الرسالة المحمدية اصبح الدين عبارة عن مرحلة تاريخية من المجتمع العربي يتمثل في القيم التي كانت سائدة في ذلك الوقت، فتخرج تلك الرسالة وتطرح نفسها وفق تلك القيم باعتبارها رسالة ارشادية إلهية مما يجعل المجتمعات الأخرى في مازق فهي اما ان تترك قيمها ورموزها (فطرتها) التي مكنتها من صياغة الإنسانية واستيعابها داخل سلوكيات محددة وتتابع ذلك الفكر حتى تسمي بالمجتمعات المؤمنة أو ان تواصل في اعادة استيعاب افرادها داخل المجتمع من خلال القيم السلوكية والتحولات الاجتماعية ولكن تسمي كافرة، وتتقازم النخب (السودانية) اما دورها الأساسي في استيعاب إنسانية افرادها من داخل الواقع وتلجا إلى التدوين العربي والتدوين الغربي في رؤية الإنسانية وهو القاصر في استيعاب مجتمعاته. وقد سارت الرسالات الإرشادية مع التحولات الاجتماعية في كل مراحلها التاريخية من عشائرية وقبلية واهلية وغيره إلى ان وصلت إلى الثقافي في الثقافات اليهودية والعربية وقد تم التركيز على الترميز السلوكي كمعيار للإنسانية داخل الثقافات حتى تتجاوز النخب والمجتمعات الوعي الجيني الذي يرتد بها إلى مراحل سابقة للتحولات من خلال الاختلاف في تقييم افراد المجتمع رغم الاعتراف المجتمعي بالمساواة ولكن يفرض الوعي الجيني نفسه عند الممارسات السلوكية، وقد جاءت الرسالات مخاطبة الوعي المجتمعي (الجيني) متجاوزة في نفس الوقت الوعي النخبوي الذي كان يسير خلف الوعي المجتمعي في استيعابه للذات والاخر والإله. ولمعرفة مفهوم الأخر في الرسالات الإرشادية يجب استيعاب تلك الرسالات وعلاقتها بالواقع للمجتمعات والثقافات المختلفة التي اتت بها تلك الرسالات، فالمفاهيم التي تركز عليها الرسالات الارشادية عموما هو تعريف الذات والاخر بالإضافة إلى الإرشاد إلى الإله المتعالي. (وسنضيف باختصار دون اخلال نسبة لمناقشتنا هذا الموضوع بصورة مفصلة في مقالات سابقة) فقد ذكرنا سابقا بان التحولات الاجتماعية التاريخية كان ينتج عنها مجتمع تحولات لاستيعاب المجتمعات المنتجة له وكذلك المجتمعات الأخرى ولكن خضوع الاستيعاب النخبوي للوعي المجتمعي (الجيني) هو الذي يجعل من مجتمع التحولات مجتمع قائم بذاته، ويتسبب ذلك في عدم استيعاب التحولات وبالتالي بدل ان تتحرك المجتمعات نحو التكامل يدفعها مجتمع التحولات إلى التنافر بالإضافة إلى مشاركتة في ذلك التنافر باعتباره مجتمع قائم بذاته كما بقية المجتمعات المكونة له، وقد كانت غاية الرسالات الإرشادية تهدف أولا إلى تعريف الذات التي تكونت عبر مجتمع التحولات إذا كانت عشائرية أو قبلية أو ثقافية وارجاع مجتمع التحولات إلى مجتمعاته من خلال استيعاب الترميز السلوكي لمجتمع التحولات كترميز للكل المجتمعي بالإضافة إلى اشارات إلى الاخر كاخر مختلف ثم الإرشاد إلى كيفية استيعاب مفهوم الإله المتعالي. اليهود في الرسالة المحمدية لقد ركز الإرشاد في الرسالة المحمدية على قصور استيعاب اليهود للإرشاد الموسوي والعيسوي وذلك بصياغة قيمهم التاريخية باعتبارها الرسالة الإرشادية (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)). وقد تم اتخاذ اليهود في الرسالة المحمدية كنموذج للاستيعاب (وعبرة) في تحويل الرسالة الإرشادية إلى رسالة ثقافية تاريخية وتجاوز الإرشاد الإلهي الذي كان يجب ان يسير مع التحولات إذا تم استيعابه (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)). بالإضافة إلى ذلك تم حصر الإله داخل مجتمع الرسالة كما في اليهودية أو في القيم المجتمعية العربية كما في المحمدية وعدم استيعاب الإله المتعالي الذي هو اله لكل الناس (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3))، ورغم وجود الإرشاد بعدم حصر الإله داخل الاستيعاب الإنساني فقد تابعت النخب العربية مجتمعاتها فقد قال اليهود والمسيحيين قبلهم (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)) وكذلك يقول اتباع الفكر العربي اليوم (لا يدخل الجنة الا من كان مسلما بالرسالة المحمدية الثقافية التي تقدمها لنا النخب العربية) وبالتالي يحصرون الإله داخل رسالتهم الثقافية رغم الإرشاد الواضح الذي اتي لهم ولمن هم قبلهم بان المقياس الإلهي للفرد الذي يستوعب مفهوم الإله المتعالي وكذلك يستوعب واقعه ويحسن فيه (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)). ونواصل