وانا اقبل ارض المطار مودعا قائلا في سري (وداعا بلاد التمازج والتماثل والتسامح والطيبة والروح الاليفه ) ما كنت اتصور سيكون وداعا حقيقيا لحقبه لاحقه كنت اودع الوطن وفي خاطري شخصيات اسميها (السينما الالهية ) تعطي المجتمع رونقا وبهاء وجمالا وتزيد تماسكه الاجتماعي بالمجان هم هبات الله لنا وكنا نحتفي بهم ايما احتفاء وهم في بلاد اخري سقط متاع وعندنا امتاع حد الرواء والاستشفاء من الاسقام كان في خاطري (الباشمهندس ) معتصم وهي كناية عن التخلف العقلي لذلك الشاب الذي يعطي رونقا وبهاء لرباطة امتداد الدرجة الثالثه وبيده عصاه يؤشر بها للحكم او اللاعبين عندما تصفق او تصفر الجماهير وهو معها قائدا لها وهولا يعرف لماذا فعل ذلك ويسمر الناس معه ضحكا وفكاهه وحين نساله عن عمنا خواجه(وهو الذي اخرجه من عزلته ولقبه بالباشمهندس وتلك من هوايات وابداعات خواجه) يا باشا يرد (الفاتحه مات في حادث حركه مؤسف ) وفجاة يسمع صوت خواجه (البعاتي وصل ) ويرد (دا الموت يشرد منو ) وغريبة هو من يقوم بخدمة خواجة باحضار الكرسي والماء البارد ويجلس علي الارض ليضع خواجه رجليه علي كتفيه بمنظر غريب وعجيب وبعد قليل يقول (يا خواجة يلعن ميتينك قطعت كتفي ) ويضحك وهو علي حاله وهكذا شحصية لا يؤبه لها ولها مفعول السحر بين الناس في اجتماع الناس عليه محبة لايجدها اي مرشح ولو كان رئيس الجمهورية !!! وهناك ايضا (كع)باب الله اشهر صاحب تسالي في الخرطوم كان به مخدر وهو يجوب رابطة المايقوما والليق ايام العز واستاد الخرطوم ويشجع المريخ بصورة جنونية وكان يدفع شهريا خمسة جنيهات كاشتراك اكثر من 15دولار ولو عاش لليوم لافلس من قولة تيت كيف يعيش والبلد كلها حرامية ...زمان يوزع ويعود ليتحصل الان كان قبض الهوا لان التسالي وجبة مشبعة وغالية !!!وهناك ايضا الاشهر الاخر الخزين صاحب المايكرفون الاشهر في بيع حاجياته التذكارية بفكاهات عز نظيرها ورحيلهم جميعا كان فأل لشر قادم ...فاجدبت الساحات من الانس والمؤانسة والقهقهات عبر الشوارع مع خيري و(التجو) صاحب المزاج العالي لوحة زاهية بتشكيل رائع يعطي بلا من ولا اذي اشهي من (الهط دق ) والبيتزا ومن مال السحت الذي صار خريفا لا تحده حدود او سدود !!! وكان ايضا في خاطري (دوشي ) التاجر الموسر بالمدينة النيلية ضخم الجسم بسط الراحتين ملمسا وكرما وفيضا من الاحسان كثير ..وكبير العقل وصوت جهوري كتجارته تماما يسمع السوق القديم من اقصاه الي اقصاه بمناكفات ومشاغبات وطرائف لاحد لها من الامتاع والدهشة لكل من يمر امامه ومرة صادف الاخ عبدالله وهو يصحب عمته للسفر للخرطوم للعلاج فكانت طرفته : دوشي : دي وين واقعه يا عبد الله !!! عبدالله :بالطايره للخرطوم للعلاج !!! دوشي : والله مو شيتن يمشي الخرتوم بس ياهو القدم ليهو رافع !!! ومرة في ملاسناته هذه شاخب بدويا جديدا علي المدينة وليس له خبرة عن دوشي وهويتيضع من دكانه ودوشي يلسعه بعباراته ومن احداها فاذا بالبدوي (يحمط )دوشي بسوط عنج طويل سوطين فاذا بدوشي يجري الي مخزنه وهو يتمتم (العربي ود الحايله دقاني وا بنا الليلة دا شنو دا ما بعرف دوشي الله لا كسبو يا ولد بايع المجنون دا هراني !!! وثاني يوم ودوشي عجايبه لا تنقضي وفي نفس المواعيد راي شبها لعربي الامس يمر من بعيد فاذا به يصيح (يا ولد تعال شوف داك يا هو العربي الدقاني امس ) فيرد الولد لا يشبهو (دوشي ) الحمد لله والله لا هسع ما رويت من دقة امس !!! وهكذا كل حاجة عندو شيل حس ممتع حتي في حجه كان علامه فارقه وفارطه في الجسم في الصوت في (خميم البضاعة ) وانظر لهذه الحاجة ماذا تقول وهي قادمه علي نفس طائرته وتقف امام ضابط الجمارك الذي بدا واضحا انه يقلب ما عندها كانه يبحث عن ابره في قش فما كان منها الا ان قالت يا ولدي فكني ما عندي شئ (الخميم مي خميم دوشي ...شدو حيلكم) فضحك الضابط وقبل ان يكمل ضحكته فاذا بدوشي يشق الصاله بضحكته شق (يا حاجة الفضيحة شنو حمالتك علي ...نان دوشي بخم ساكت مي بدبر حالو ..شوفي الطابور الوراي كلو للمخارجه زي الصحن الصيني) فاذا الصاله تضج بالضحك ويخرج الجميع ضاحكين وبانوار الحج منورين لا شق لا طق !!! علي الجانب الاخر من المزيج الاجتماعي بالمدينة الساحلية حيث للصادر والوارد يومها- قبل ان يجف الضرع ويلفنا الردي- القا ورونق وبهاء كانت ابواب الرزق بها حد الثماله لطرفة القول فيها ايامها (الثراء الفاحش فيها يا حرق يا غرق ) وكانت شوارع الزلط هي اكبر المراعي السوداء للبهائم والطيور وهي الاوحد في العالم اجمع... اليوم الشوراع غرقي من دموع المخازن الخاوية علي عروشها كعنوسة البنات في انتظار عريس لا ياتي ابدا ....كانت هناك القضية التي هزت المدينة باركانها حيث مؤجرا يشتكي مستاجرا للاخلاء وفي تقليب اوراق القضية قبل الجلسة يكتشف القاضي ان المستاجر مديرا لغربال شركة الحبوب الزيتية التي تشبع السوام والبهائم والطيور وحاجات الفول من كناستها ولا يجد مدير غربالها بيتا يسكنه يا الله ...وما ادراك ما الغربال يكفي ان يسيل لعاب اي شركة او تاجر لكي يجد فرصة في الغربال لان ختم هذا الغربال هو علامة الجودة الكامله بالخارج هكذا صعقت المدينة بهذه القضية فما ما كان من القاضي الالمعي الا ان جلس الي الشاكي قائلا (هذا الرجل ليس من النوع الذي تتم شكوته بالاخلاء ارجو ان تنتظر الي حين ميسرة قبل النظر في القضية )فقبل الشاكي بالتاجيل وما ان ذاع الخبر وعم القري والحضر حتي تنادت المدينه من اقصاها الي اقصاها لتكريم هذا الرجل النبيل بشراء بيت له وهو الذي كان يمكن ان تكون له مرابط الخيل داخليا وخارجيا من المال والعقارات لمنصب فعل النافذون بعده فيه ما فعلوا لدرجة قتل مدير الشركة وافلاسها وانشاء شركات خاصة علي نفس النهج وباموال الشركة الام التي ظل مديرها المغتال يردد للمحقق وهويلفظ انفاسه (تركتهم لله ) وهكذا يوم ان مات محمد عبد الله مدير الغربال كان من احزن ايام المدينة لانها ودعت الامانه الي غير رجعه !!! ولكنها لانها الشركة التي اسست علي العرق والحب من اولاد عثمان صالح ظلت تفرز كل حين قمرا اخرا في الاخلاص والتفاني والامانه انه ارباب امين المخزن الذي ظل وفيا مخلصا لعمله ولوطنه وظل يرحل كل عام ولاعوام امانات الشركات من جوالات السمسم والفول وهي منسية حتي تعب المحاسبون من هذه الدقة ولم يجدوا مفرا غير ان يذهبوا لتلك الشركات لتاتي وتاخذ اماناتها المنسية ويومها فغرت الشركات فاه الدهشة والعجب علي ما اصاب مخازنها حيث لا توجد ارصدة لذلك ولكنك لا تعجب ايها الحبيب فقد كانت الدنيا كذلك لذلك كانت البركة في العملة والانتاج لذلك رحلت تلك الاجيال وهي خفيفة من اوزار الوطن وكان درتها رحيل ارباب في رمضان عصرا يتلوا القران وقد فاضت روحه وهو علي المصحف كانما يقبله مودعا الدنيا ووطنه الذي احبه بالعمل والاخلاص وشركته التي من بعده صارت اثرا يعد عين حتي اتاها الريح العقيم التي اتي علي الوطن فجعله كالرميم ......حقا لقد كان وداعي ذاك كانه الوداع الاخير للوطن الذي كان !!! [email protected]