شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استيعاب الارشاد الالهي في الرسالة المحمدية (3)
نشر في الراكوبة يوم 17 - 05 - 2015


الاله المتعالي عن الحياة الانسانية:
ادركت الانسانية منذ بدايتها مفهوم الاله كقوى ولكنها استوعبت تلك القوى كقوى فاعلة داخل الواقع، فقد راي الانسان الاول تبدل الطقس وثورات الطبيعة وتأثير الحيوانات على الانسان وكذلك المرض والموت فافترضت ان القوى الخارجية تحرك كل ذلك. ورغم ان الوعي الانساني تجاوز بعض القصور وادرك التأثير المتبادل بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان والطبيعة والطبيعة، إلا ان مفهوم الاله كقوى فاعلة داخل الحياة الانسانية ظل كما هو كجزء من الواقع، فتبدل مكان التأثير ولم يتبدل مفهوم الاله الفاعل.
حاول الإرشاد الإلهي في كل الرسالات الإلهية التنبيه على الاختلاف بين مفهوم الاله الفاعل الذي في ذهن الانسانية وبين الاله المتعالي وكذلك بين الفعل الانساني والفعل الالهي، فالإله المتعالي لا يعني بانه غير فاعل ولكنه لا يحتاج الى الانسانية لتكمل له فعله، فللإنسانية فعلها وللإله فعله ولكل مجاله. فافعل الالهي لا يتقيد بزمان او مكان ولا يحتاج الى ان يتكامل مع غيره (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)). وعندما خلق الحياة جعلها تتكامل مع بعضها البعض ومنح الانسان امكانية الاستيعاب والفعل الجزئي الذي يتكامل مع غيره داخل الحياة، فإذا الإنسان يمتلك إمكانية الفعل ولكنه فعل جزئي مقيد بالطبيعة وبالآخر الانساني (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ وَقُلِ اعْمَلُوا اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)...). فلا علاقة للإله اذا بالفعل الجزئي داخل الحياة الإنسانية ولو أراد الله لجعلها كما يريد (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ...)، فعدم الارادة هنا او عدم المشيئة الالهية يرجع الى ان الله قد خلق الحياة لتتكامل مع بعضها البعض ومنح الانسان امكانية الاستيعاب ومقدرة الفعل ولذلك ما تبقي هو على الانسان نفسه (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).
الله والرسل:
لإدراك علاقة الرسل السابقين على الرسول الخاتم بالإله يجب إدراك ظروفهم التاريخية، فيجب ان نفرق بين مرحلة الرسالات السابقة وبين مرحلة الرسالة المحمدية، ففي الرسالات السابقة كانت المجتمعات بعيدة عن بعضها البعض فكانت انسانية الفرد محصورة داخل مجتمعه فقط، فكان افراد تلك المجتمعات وتحديدا الضعيفة تعاني دون ان تجد لها منفذا، ولذلك جاري الاله الوعي المجتمعي لتلك المجتمعات فمنح الرسل بعض القوى حتى يساعد على استمرار الانسانية ورفع الضرر عن تلك الفئات الضعيفة ولو مؤقتا (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) ....). كل ذلك كان لإثبات ان الرسالة والرسل من الله حتى تتجاوز تلك المجتمعات قصور الوعي وتسعي الى ادراك مغزى الحياة الانسانية.
اما مرحلة الرسالة المحمدية فقد كانت المجتمعات قد وصلت الى مرحلة تحولات تمكنها من استيعاب الاخر كآخر إنساني يمكن التعايش معه وان إنسانيتها ليست محصورة بمكان او بمجتمع محدد (قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)). ولذلك ركزت الرسالة المحمدية على الارشاد فقط فلم يعد هنالك من داع الى امداد الرسول ببعض القوى وكذلك حتى تدرك النخب عدم تدخل الله بفعل جزئي في الحياة الإنسانية بما ان الرسالة المحمدية هي رسالة خاتمة للرسالات ولذلك كانت أوضح الرسالات في عدم تدخل الإله داخل الحياة الإنسانية (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)). ورغم محاورة مجتمع الرسالة من داخله الا ان الرسالة لم تستلم له ولم تأتي باي آيات سوى الارشاد الالهي (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)).
اما مجاراتها للوعي المجتمعي في بعض الاماكن عند المجتمعات العربية فذلك من اجل ادراك الانسانية على انها تسير على الطريق الصحيح، فالرسالة جاءت الى مجتمع يمتلك حيز وعي محدد وسعت الرسالة على معالجة بعض قصور ذلك المجتمع من اجل استمراره، ولذلك تعاملت برفق مع الانسانية دون ان تستجيب لها وتسير في اتجاه الوعي المجتمعي الخاطئ. ولذلك عندما نقرا (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) ندرك ان ذلك مجاراة للوعي المجتمعي فالله اذا اراد ان يبيد الكفار فلا يحتاج الى البشر او الملائكة، فكان ذلك حتى يستمر مجتمع الرسالة في ادراك انه على الطريق الصحيح، ويوضح ذلك عندما نقرا الآية التي تأتي بعدها (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)). فهي عبارة عن بشرى وعن تطمين أي عبارة عن ارشاد الى ان الطريق الذي تتبعونه هو الطريق الصحيح ولو انهزمتم في معركة فهي طبيعة الحياة ولكن على الانسانية استيعابها وتغيير ما يلزم تغييره (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)).
وما نقوله هنا ليس تفسير للإرشاد الالهي ولكنه استيعاب لذلك الارشاد مع سنن الكون الواضحة في الاختلاف وفي التعالي الاله وفي مقدرة الانسان علي الفعل الجزئي، ولذلك تصبح آيات مثل (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)) لا يعني النصر هنا ان الله يتدخل بقوته لينصر احدا على الاخر ولكن ذلك لدفع الإنسانية على الاستمرار، ففعلك الذاتي يكمل فعل الاخر ويتكامل معه، وتحديدا النخب فعليها الاستمرار في ارشاد الانسانية الى اخر رمق، ولا يفترض الفرد ان استيعابه للإرشاد الالهي سيجعل حياته سهلة نتيجة لوقوف الإله معه، فالإله لا يتدخل بقوته داخل الحياة الإنسانية، وإذا كان يتدخل بفعله داخل الحياة الانسانية لتدخل لصالح انبيائه (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)). فإذا هو يشرد الإنسانية فقط اما أفعال الإنسانية فهي تنتج من ذاتها فقط.
الرسالات الإسلامية والشرك:
لم يمنع الارشاد الالهي المجتمعات من قصور الاستيعاب ورغم محاولاته المتكررة على ارشاد الانسانية من داخلها الا ان المجتمعات في كل مرة كانت تغير القيم (قيم الذات الكلية التي لا ترى انسانية غيرها وقيم الاخر الضد وقيم الاله الفاعل داخل حياتها الانسانية وهي القيم التي تؤدي الى الشرك) ولكن دون ان تغير معاني تلك القيم، ولذلك ظل الشرك وهو اشراك المجتمع وقيمه وبيئته داخل التقديس الالهي حاضرا على مر التاريخ.
وقد حذر الإرشاد الإلهي كثيرا من الشرك، ويرجع ذلك الى ان الشرك هو اعطاء قيم انسانية صفة التعالي الالهي وبالتالي اشراكها في مفهوم الثبات والتقديس التي يتصف بهما الاله، وقد حذر الارشاد من الشرك ليس من اجل الاله وغضبه في ان يشرك معه احدا ولكن لان الشرك يقف عائقا امام طبيعة الانسانية المتحولة، فالتحولات الاجتماعية تقتضي الاختلاف في القيم ومعانيها الذاتية من مرحلة الى اخرى، ولذلك عندما تحاول الانسانية تثبيت مرحلة تاريخية ما فهي تلجا الى العنف فيما بينها من اجل ذلك التثبيت ولذلك كان الشرك يتمثل في ظلم الانسان للإنسان وليس ظلم الانسان للإله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)). ففعل الانسانية لن يفيد او يضر الاله ولكنه يفيد او يضر الانسانية.
إذا الشرك يتمثل في الاصرار على توقف الانسانية داخل ذاتها باعتبار عدم وجود اخر انساني على عكس ما جاء به الارشاد (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ). والتوقف هنا يكون في حدود الذات واللغة والقيم باعتبارها تمثل جوهر الانسانية وبالتالي يتم رفض الاخر ومعاداته فقط لانه اخر، او يكون الشرك بالحاق تلك القيم بالإله باعتبارها قيم إلهية وبالتالي يتم إرهاق المجتمع بفرض تلك القيم عليه دون مراعاة للتحولات الاجتماعية.
ولذلك نجد ان الشرك تمدد داخل التدوين النخبوي من ان العرب هم أصل الإسلام ومادته إلى اللغة والقيم ومقدسات العرب التاريخية فكل ذلك أصبح جزء من الرسالة وجزء من الإله، ويرجع ذلك نتيجة لتدوين النخب العربية للوعي المجتمعي ولم تحاول تلك النخب استيعاب الرسالة كرسالة إرشادية. فاختلف الشرك في الشكل مع استمرار المعني، فمن عبادة الأصنام التي ترمز إلى بشر ما، تم تقديس الرسول والصحابة واعتبار فترتهم التاريخية وقيمهم جزء من الرسالة، ولم يستوعبوا الإرشاد المتكرر وهو يؤكد كثيرا ليس على بشرية الصحابة بل على بشرية الرسول كذلك في وعيه وفي استيعابه للإرشاد (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) ....). فالتأكيد المستمر على بشرية الرسول هو للنخب من اجل استيعاب ان تدخل الإله في الحياة يكون بالإرشاد فقط وتحديدا فترة الرسالة الخاتمة وما بعدها باعتبار ان الإنسانية يمكنها ان تدرك ذلك.
خلاصة:
إذا الشرك والكفر لا يتمثل في إتباع الرسالة المحمدية من عدمه كما صور التدوين العربي ذلك، فيمكن لليهود إتباع الرسالة الموسوية ان يكونوا مسلمين أو مشركين أو كفار كما يمكن لإتباع الرسالة العيسوية والمحمدية (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114))، ولا يطلب القرآن ان يتحول اليهود والمسيحيين عن عبادتهم بل يجادلهم في قصور الاستيعاب الذي حدث بعد الرسالة ويشرح لهم مكامن الخلل في الرسالة الموسوية والعيسوية حتى يتطابق وعيهم لتلك الرسالات مع الإرشاد الإلهي الذي أراده الله (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)).
فإذا كل من يقول ان الرسالات الإرشادية هي كلام الله هو مشرك فيتعالي الإله عن الكلام مثل البشر وإنما القران وغيره من الرسالات هو إرشاد الله للبشرية (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4))، وكل من يقول ان أماكن العبادة هي بيت الله كما هو البيت في الذهنية الإنسانية هو مشرك فيتعالي الله عن البيت والمسكن ولكنها أماكن اختصتها البشرية لعبادة الله (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)). وليس لله حدودا كما الحدود الإنسانية، فإذا جارى الله الإنسانية من اجل خيرها ومن اجل ان تتجاوز قصور الاستيعاب وتستمر في الحياة لا يعني ذلك ان يرتد المعني على الله، فالله يتعالي عن كل ما هو إنساني، فالرسالات هي من داخل الإنسانية ولأجل الإنسانية ولا يوجد بها عن الإله سوى التعالي الإلهي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.