عنوان الكتاب : بين عالمين : الإقليم الحدودي بين النوبة القديمة ومصر في الفترة ما بين 3700 قبل الميلاد - 500 ميلادي المؤلف : خبير الآثار المجري لازلو توروك - المقال بقلم : ستيوارت تايسون سميث – جامعة كاليفورنيا يبحث (لازلو توروك) في هذا الكتاب التاريخ الطويل من التفاعل بين مصر والنوبة القديمة من خلال منظور النوبة السفلى ، ذلك الإقليم الذي يقع بين الشلال الأول والثاني (ويقع معظمه اليوم في مصر) . يبدأ (توروك) في البداية بتناول النوبة السفلى كإقليم حدودي بين مصر والنوبة العليا (شمالي السودان حيث نهضت هناك حضارتان هامتان هما كرمة ، نبته ومروي الكوشيتين) . تسلط الفصول الأربعة عشر التالية الضوء على النوبة السفلى كمحور للتفاعل السلمي أحيانا والميال للقتال تارة أخرى بين المصريين والنوبيين منذ أواخر العصر الحجري الحديث إلى العصر الحديدي . لقد ركز (توروك) في الغالب على فترة الإحتلال الإستعماري للمملكة الحديثة في مصر (مابين 1550 – 1070 ق م) والممالك النوبية المتتالية نبته ومروي ، بما في ذلك دراسة المواجهات المعقدة مع الحضارة الإغريقية والإمبراطورية الرومانية (850 ق م – 500 م ) . إن تضلع (توروك) في المؤلفات التاريخية والأثرية ، سمح له بأن يجمع المصدرين (أي التاريخي والأثري) بطرق متطورة ، ليقدم سياقا زاخرا نظرا لبراهينه جيدة الإستدلال . على إمتداد الكتاب ضّمن (توروك) قدرا كبيرا من الخلفية عن مصر والنوبة العليا معا والذي كانت له الفائدة في طرح إطار سياقي لبحثه عن التفاعل . يرى (توروك) بأن النوبة السفلى كانت حدودا عامرة بالحركة مع أنماط تحول في السيطرة والتأثير من القوى العظمى التي تقع إلى الشمال والجنوب . بإتخاذه هذا الوقفة فإن (توروك) يتناغم مع الميول الحديثة في الدراسات النوبية التي تتحاشى رؤى المركزية المصرية القديمة ، المستمدة من نماذج مبسطة تشدد على الهيمنة المصرية على التطورت السياسية ، الإقتصادية ، الثقافية في المحيط التابع (بلاد النوبة) . مع أن (توروك) يرفض بشكل كبير مصطلح (نماذج) ، إلا أنه إستخدم بشكل صريح إطار نظري من التوافق على إمتداد عمله . بعد نهوض الدولة المصرية أولا وممالك النوبة العليا لاحقا كانت النوبة السفلى في الغالب خاضعة إما للقوى الشمالية أو الجنوبية أكثر من كونها مستقلة . إن السياسة الميّالة للقتال للفراعنة الأوّل التي أدت إلى تدمير وإخلاء النوبة السفلى (2800 ق م) ، كانت إحدى الأمثلة القليلة للحكم المستقل في النوبة السفلى . مبدئيا فقد تميزت العلاقة بين مصر والمجموعة (سي) التي ظهرت بعد إنسحاب المصريين من النوبة السفلى (2400 ق م) بالتفاوض والتجارة . لقد رأى (توروك) بأن الحث على إعادة إخضاع المصريين للنوبة السفلى قد جاء بسبب التوسع المذهل لدولة كرمه الوسطى (2050 – 1750 ق م) . مع أن هناك إعتقاد بأنها كانت نقطة حدود مصرية ، إلا أن كتاب (بين عالمين) يتضمن ملخصا جيدا لعمل أثري حديث ، يشرح فيه الأصول النوبية ، التعقيد وقوة هذه الدولة التي ظهرت في النوبة العليا لتنافس مصر . إن رفد القلاع والمدن المحصنة التي أنشئت في النوبة السفلى بأعداد صخمة من المستوطنين خلال فترة المملكة الوسطى ، أثر بشكل عميق على الحركة الثقافية للنوبة السفلى . لقد إعتمد (توروك) على دراستي (سميث – 1995 ، 2003) لطرح الفكرة القائلة بأن هذه المستعمرات كانت أماكن للتثاقف المشترك بين المستوطنين المصريين والمجموعات النوبية المختلفة التي عاشت في تلك المنطقة . لقد مضى (توروك) مجادلا بأن هذه المجتمعات التي عايشت التحول إلى سلطة كرمه (1650 ق م) وأعيد إخضاعها بواسطة مصر في (1550 ق م) ، وفرت الأساس والممر للتأثير المصري خلال فترة المملكة الحديثة . إن إعادة البناء التي إختطها (توروك) لموضوع التوافق الديني والسياسة الإستبدادية خلال تلك الفترة ، تعتبر واحدة من أكثر أجزاء الكتاب متانة . لقد جادل بأن بناء معابد جديدة هامة وتأهيل مزارات المملكة الوسطى ، أوجد مشهدا دينيا جديدا ، يؤكد على السلطة الملكية ويصيغ علاقات جديدة بين المصريين والآلهة النوبية ، بل مضى مبرهنا بأن عمليات التوافق الديني أوجدت تبادلا دينيا بين بلاد النوبة ومصر . مثلا تأهيل معابد المملكة الوسطى وتفخيم الآلهة المصرية المرتبطة بالآلهة النوبية مثل خنوم ، ستيت ، أنوكيس ، أوجد ظاهرة الوحدة الدينية بين مصر والنوبة السفلى والعليا على السواء . في ذات الوقت فإن توافق الآلهة المصرية (حورس) و (حاتور) مع الآلهة المحلية في النوبة السفلى ، قدم نموذجا روحيا للتمصير الذي وحّد الأماكن المقدسة للغالب والمغلوب . لقد تمركز أكثر تعبير مؤثر لهذه الظاهرة في عبادة الكبش المحلي في النوبة العليا والذي توافق مع عبادة آمون – رع ، الآله الرئيسي للعاصمة في (طيبه) والعبادة البارزة للمملكة الحديثة . إن هذا التمصير غالبا ما يستخدم لإجراء مقارنة بين اليد العليا لمصر في بلاد النوبة وسياسة عدم التدخل تجاه تابعيها الشرقيين ، الذين بالإضافة إلى تأثرهم بمصر ، كان لهم تأثير واضح على الديانة والثقافة المصرية ، بما في ذلك تبني ألهة مثل (رشيب) و (بعل) في المعبد المصري . فوق ذلك فإن بعض المراكز الشرقية أظهرت أيضا مستوى مماثل من التأثير لا سيما (بيبلوس) الذي توافقت عبادته مع الآلهه المصرية (حاتور) . لقد أشار (توروك) بشكل مناسب إلى أن المقارنة بين نهايتي الإمبراطورية المصرية كان مبالغا فيه . لقد إحتفظ الأمراء النوبيين بدرحة ما من الإستقلالية ، كما أن الممارسات الروحية والدينية النوبية تأثرت بملامح العبادة التوافقية في بلاد النوبة ومصر . مثلا لاحظ (توروك) أن صنع تماثيل الكبش النوبي قد أضيف إلى تصميم أيقونات (آمون – رع) وبناء على تصميم الأيقونات والنعوت جادل (توروك) بأن ظاهرة عبادة آمون في معبد الأقصر بطيبه ، ربما يمثل آمون النوبي في جبل البركل . كذلك تتبع (توروك) التأثير النوبي في بناء المعابد التي التي صممت على أوجه الجبال والحواف الصخرية مثل أبي سمبل في النوبة السفلى ، مما يشي بتاريخ طويل ومستمر للجبال المقدسة واستخدام الكهوف كمزارات . في رأيي فإن كتاب (بين عالمين) كان أقل نجاحا في توسيع فكرة التحول الدرامي في الممارسة الجنائزية لمصر السفلى . من جهته يؤيد (توروك) زعم (سيف – سوديربيرج) و (تروي) من أن المدفنة القروية في (فدروس) توثق فقط تبنيا إنتقائيا لممارسة الدفن المصرية لدى عامة السكان ، مع ملاحظة ندرة السمات المصرية المميزة مثل إزالة الأعضاء الداخلية ووضعها في جرات مظللة وتوفير التمائم المنقوشة بشكل خاص مثل جعران القلب والتماثيل الصغيرة . كما أشرت في مكان أخر فإن الفرضية القائلة بأن هذه الأغراض كانت متطلبات دفن أي مصري أصلي هو أمر لا يمكن تبريره في السجل الأثري (سميث 2003 – 155 – 159) . يناقش (توروك) مرة أخرى هذه ، بالتساوي بين دفن النخبة المصرية ودفن الأثرياء في (فدروس) . لقد قصرت هذه الممارسات في مصر على مستوى من المجتمع يساوي أمراء النوبة السفلى الذين يرى (توروك) بأنهم كانوا مزودين بهذه الأغراض . في المقابل إرتكب (توروك) خطأ حينما أثار إعتراضا أخرا من أن وضع الجثث في (فدروس) على أجنابها يتعارض مع وضع الوجه المصري قبالة أشعة الشمس المشرقة . لقد كانت الجثث توضع قبل وأثناء فترة المملكة الحديثة في مصر على أجنابها . [email protected]