مشكلتنا كسودانيون اننا نعانى أزمة الضمير ونشتكى علة الوطنية بصورة قلما تضاهينا فيها بقية الشعوب ، وهى الميزة التى تجعلنا مجرد بشر نعيش عنفوان اللحظة دون التفكير فى مآلات المستقبل وما يحمل من مفاجأت ، اننا بذلك نعيش على هامش التاريخ ، ونتسكع على رصيف الحضارة ( كالشماسة ) الذين يتأنقون فى الحفلات وملابسهم ( الداخلية ) متسخة !! اننا شعب نكرة و بالكاد نستطيع التعرف على انفسنا من بين الملايين من المخلوقات التى تعج بها الكرة الارضية . زرت فى اوقات متفاوتة دولة اثيوبيا واريتريا ووجدت شعوب هذه الدول مثال للتجرد ونكران الذات فى حب الوطن ، الناس هناك سيمفونية متناغمة من النظام والانضباط الحضارى ... العواصم لوحة فنية كأنها فى قارة بعيدة عن افريقيا ... ذلك بفضل الوطنية التى ترسخت فى النفوس وبفضل اليقين الذى لا يطعن فى شرف الوطن ، ففى اثيوبيا مثلا سب الوطن جريمة ترتقى احكامها درجة الاعدام !! .. وعندنا سب الوطن نوع من انواع المعارضة للنظام ؟؟ .. فالثقافة الوطنية ضرورة ملحة تنظم اسلوب حياة الافراد فى الدولة الواحدة لانها اولا تبين الحدود المعقولة التى يجب اتباعها للتعايش ، وثانيا لانها تفضى لليقين التام بأن مسئولية الوطن مسئولية تضامنية ليس حكرا على جهة بعينها وانما مناصفة بين الجميع ، كما ان الثقافة تتسبب فى تنمية الضمير الذى بدوره يقوّم الاخلاق ويشذب السلوك ويهدى القلوب لأحسن الطرق التى تفضى بها الى تقديس الوطن وتعلية مقداره بما يجب ان يكون عليه من قيمة تحقق الغرض من كونه وطن يعُلىّ ولا يُعلىّ عليه . فى احداث سبتمبر الشهيرة خرجت الجموع تتظاهر احتجاجً على زيادة تعريفة المواصلات ، فهتفت تطالب باسقاط النظام ... ولانعدام الثقافة الوطنية عبرت عن ذلك باحراق السيارات العامة والخاصة ، ووسعت نطاق العبث بسرقة المتاجر واقتحام المخابز واشعال النار فى محطات الخدمة البترولية ، وعاثت فسادا فى مكتسبات الوطن بطريقة حينها اذا سقط النظام لتعذر عليها اقناع الناس بالجدوى من اسقاطه . دولة الصومال تشرزمت وتقسمت الى عدد من الدول الغير معترف بها داخل الدولة الواحدة بسبب انعدام الثقافة الوطنية لدى الصوماليون ، فعندما سقط الرئيس( عيدى امين ) خرج كل الشعب لينتقم من بعضه البعض ، فاختلط الحابل بالنابل ،فكانت النتيجة ما هو عليه الصومال الان . اذا الثقافة الوطنية من الاهمية بمكان ، ونحن كشعب متأخر مئات السنين عن مواكبتها ، فليس امامنا الا تدريسها للاجيال الناهضة كمادة دراسية مثلها مثل المواد المقررة فى مناهج البحث التربوى ، ففى مرحلة الاساس يتم الان ( حشو ) الطلاب بكماليات من العلوم ذات الفائدة المحدودة ، هناك مقررات دراسية من شاكلة ( مسكننا ) و ( ملبسنا ) .. الخ جميعها تحتوى على افكار كمالية تعوذها عناية الاختيار وتنعدم بها نكهة الفائدة التى سيجنيها الطلاب ، فلو تم الاستعاضه عنها بمقررات دراسية قيمة مثل كتاب ( وطننا ) او ( بلادنا ) ، لاستشعرت الاجيال ما لها من واجبات وما عليها من حقوق تجاه الوطن . [email protected]