يضج عالم اليوم ويجأر بالشكوى من انتشار مظاهر العدوان والصراعات المريرة الهدامة، حيث بات ذلك من سمات وخصائص القرن الحالي، فالصراع غالب على السلم والتعايش على مستوى الفرد، فهو في حالة صراعات دائمة بينه وبين ذاته، ذلك لأنه أصبح رافضا لذاته ، غير متصالح معها ، لا يتقبل نفسه كما هي ، يفتقر للاتساق مع مكوناته وقيمه ، يرفض واقعه رفضا سلبيا دون سعي لتغييره بالأساليب الايجابية بل يتخذ أساليبا هدامة تجعله في حرب ضروس تعيشها مكونات دواخله ، لتظهر في صور الغضب والاحتجاج والاستغراق في أنشطة غير منتجة وأعمالاً مؤذية للذات وللآخرين وللعالم من حوله، وقد يصل الأمر إلى الوقوع في بئر الإدمان على المخدرات والانتحار والتعطل والفساد وكافة أشكال سلوك الرفض السلبي. إن الفرد المتسق مع ذاته والمدرك لحقيقتها يفيض سلاما مع نفسه ومع غيره ، ويحل لديه في علاقته مع الآخر التعاون محل الصراع، والتنافس الايجابي محل الاستئصال، والحب محل الكره ، وتنمية الذات محل هدمها ، والوعي بالواقع محل تجاهله. ولما كان الفرد هو الوحدة الأولى التي تشكل في مجموعها الكيانات البشرية، انعكس صراعه الذاتي على جماعاته السياسية والاجتماعية والرياضية والاقتصادية، وظهر التحارب وبينه وبين غيره من الأفراد الآخرين الذين تتقاطع معهم أنشطة حياته المختلفة، فالصراعات الاستئصالية بين الأحزاب السياسية والأندية الرياضية والقبائل والمجموعات الجهوية وغير ذلك من الكيانات نتاج طبيعي لكل ذلك. إن مشروع بناء السلم الاجتماعي والسلام العالمي يبدأ من الفرد، فلو لم يكن الفرد بتلك الخصائص المشار إليها عاليه، لن يسود السلام والحب والتعاون، وسيظل الصراع المدمر هو سمة واقعه، ولن تجدي المعاهدات الدولية والمواثيق والأعراف في صنع سلام يفتقده الفرد داخل ذاته، فالحروب العالمية قادها وأشعلها أشخاص ذوي شخصيات صراعية ومضطربة وغير متوافقة ، فهتلر كان مهووسا بالأفضلية المطلقة لجنسه ، ونظرية العولمة وما أفرزته من مناخ حربي ومواجهات دامية قام على أساس نظرية نهاية التاريخ والإنسان الأخير لفرانسيس فوكوياما، وهي نظرية تفترض الأفضلية المطلقة للحضارة الغربية ، وكذلك كتاب صراع الحضارات لصموئيل هنتنغتون الذي يؤكد حتمية الصدام بين الحضارة الغربية والإسلامية، وهذه أمثلة لواقع حربي أنتجته الأفكار الغير متصالحة. وبالإسقاط على واقعنا السوداني الذي يعاني ويلات الحروب والصراعات الدامية والمميتة، ويواجه حالة عميقة من التشظي والتناحر والاقتتال، تبرز العديد من التساؤلات والاستفهامات الهامة : ترى إلى أي مدى يتطابق من أشرنا له مع الحالة السودانية؟. وهل الشخصية السودانية شخصية صراعية ؟ هل واقع الاقتتال الذي تعيشه البلاد نتاج للفرد المتصارع داخلياً ؟؟ وإذا كانت الإجابة نعم ؟ أين مشروعنا الوطني لإعادة صياغة الإنسان السوداني السلامي؟. أين مكمن الخلل ؟ كيف السبيل إلي الحل ؟ ما هي أدواته ، كيف ينفذ ذلك ؟؟ [email protected]