في الواقع عندما نتحدث عن وطن فنحن إذا نتحدث عن حقوق وواجبات ؛ نتحدث عن أخذ وعطاء متبادل والعطاء الأساسي الذي يمنحه الوطن هو الشعور بالأمن بمفهومه الواسع أي الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ؛ هذا هو المبرر الوحيد والرئيس لوجود دولة ؛ فإذا انتفى هذا المبرر انتفت الدولة ومن ثم الوطن ، هذا هو العطاء الذي يجب على الحكومة أن توفره للمواطن ومن ثم يكون هناك مقابل هو الواجبات التي علينا جميعا أن نتدافع لتحقيقها وأدائها عن طيب خاطر ، وهذا هو الفرق بين من يلجأ الى دولة ما وبين من هو في الأصل جزء منها فمن يلجأ يتعامل مع الدولة كرقعة أرض جديدة وبالتالي لا يسعى إلا الى الحد الأدنى الذي يبقي على وجوده وهو الحد الأمني ، أما المواطن فلديه حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية يمكنه أن يطالب بها النظام الحاكم وأن يحمل السلاح دفاعا عنها لو لزم الأمر . لذلك نجد أن اللاجئين الأحباش في السودان أكثر استقرارا من الناحية النفسية والاقتصادية في السودان فهم لا بطمحون إلى منحة حكومية أو وظيفة إدارية أو قطعة أرض أو اسكان شعبي ...الخ إنهم يلحثون فقط عن أرض يتحركون داخلها بحرية ؛ وبالفعل هم بجدون حريتهم في السودان وأصبحوا ينافسون المواطنين في الأعمال الهامشية والقطاع الخاص وليس عليهم أي واجبات تجاه الدولة وبالتاليفإن موقفهم ووضعهم في واقع الحال أفضل كثيرا من المواطنين ﻻ سيما أنهم لا يخشون أي استهجان اجتماعي لسلوكياتهم باعتبارهم أجانب ويستفيدون من كل ما يستفيد منه المواطن من تعليم ومستشفيات وطرق وخلافه من خدمات على قلتها. إذن علينا نحن أيضا كمواطنين أن نتجاهل الوطن بهذا المعنى وأن نعتبر السودان رقعة أرض أتيحت لنا الفرصة لكي نعيش فيها فقط في الحد الأدنى وهو الأمن وأن نعامل أنفسنا كأجانب . وأن نقتنع بأن البلد قد تم تقسيم كعكتها إلى المنتمين لتيار الإخوان المسلمين وأبناء الصادق المهدي والميرغني ونحن لسنا سوى ضيوف عليها وأن انتماءنا محصور في تشجيع الهلال والمريخ. مع ملاحظة أن العديد من السودانيين قد بدأوا في تشجيه برشلونة وريال مدريد وتركوا الفرق الوطنية شعورا بالاحباط المتتالية. فلنكن واقعيين ؛ من نحن؟ نحن ضيوف في هذا البلد ؟ وقد تفضل الكيزان وأبناء الطائفيين علينا بالوجود فيه وهذا يجب أن نبوس أيدينا وش وضهر عليه. لماذا نحن في حالة انفعال بالفساد المستشري أليس هذا بلدهم وتلك أموالهم ؟ لماذا ننفعل بخطاباتهم العنصرية ، والتهميشية والاستفزازية كخطاب الزارعنا غير الله اليجي يقلعنا؟ أليس من حسن خصال الحكومة أنها لم تعلن -حتى الآن- أننا اصبحنا عبيدا وفق قانون بدرية سليمان. ما الضير أن نعيش كالحبش ؛ أن يقود خريجوا الجامعات الرقشات ويشتغل نساؤنا خادمات عند الكيزان أو خادمات في دول الخليج؟ ما المشكلة إذا لم نجد (حق الايجار) وعشنا في منازل من الصفيح ، ما المشكلة إذا لم نجد حق الفول والعيش وبتنا في مخمصة ليلة أو ليلتين حتى يفتح الله علينا ببعض من فتات الكيزان أثابهم الله أجرا عما يفعلونه بنا من خير. لماذا نسعى إلى الرفاهية ؟ لماذا نطالب الحكومة أن توفر كل شيء من ماء وغاز وكهرباء ؟ هل سمعتم بحبشي واحد خرج في مظاهرة مطالبا بماء أو كهرباء؟ كونوا كالحبش ، أشداء في أي أرص يطأون وعمليين في بلد يلجأون. علينا أن نتعامل مع الواقع كواقع حتى نستطيع الخروج من الاحباطات النفسية التي نمر بها بسبب كلمة واحدة هي كلمة (وطن) ؛ هذه الكلمة مضرة بالصحة وغير صالحة للاستعمال في هذا البلد فاحذفوها تماما من قاموسكم أو أحملوا السلاح لكي تستردوها .. قوموا إلى أحلامكم برحمكم الله. [email protected]