شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    الى قيادة الدولة، وزير الخارجية، مندوب السودان الحارث    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    المنتخب يتدرب وياسر مزمل ينضم للمعسكر    عائشة الماجدي: دارفور عروس السودان    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا قناة الشروق،عَالِم عَبَّاس هو نَاظِم ديوان (مِنَّا المعَانِى ومِنْكَ النَشِيّد)!
نشر في الراكوبة يوم 03 - 05 - 2016

حكومة السودان فى غمرةِ إنهِماكها، بواكير أبريل المنصرم، بنقلِ وتحليل فعاليات زيارة رئيس الجمهورية لولايات دارفور(الخمس). وضمن هذه التغطية الشاملة لفعاليات وتسريبات الزيارة، لفتَ نظرى استضافة قناة الشروق الأستاذ الشاعر والكاتب/ عالِم عبّاس محمد نور فى برنامجها "صباح الشروق".
وجلستُ مُسترّخِياً لأسمع وأرى شخصاً طالما أحببناه نحنُ أبناء جيلنا، وتثاقفنا على قراءةِ وحِفظِ وإلقاء أشعارهِ المُلهمة من ديوانِه الرائع "مِنّا المعَانِى ومِنكَ النشِيِّد". وأذكر أننى ما كنتُ أتركه خلفى، وأحمله معى دوماً ما يَسّرَ لى قراءته وَقتاً طويلاً، والديوان فى كُتيِّب متوسط الحجم.
الذى ذكَّرنِى بديوان "مِنّا المعانى ومِنْكَ النشيد"، هو إنَّ مقدِّمَا برنامج "صباح الشروق" الشابَّان الذان استضافا عالِم عباس لا يعرفان أعظم ما نظمَتْ يداه، وهو هذا الديوان! بدليل أنهما لم ينبُسَا بإسم الديوان طوال وقت الإستضافة، بل وطفقَا يهَوِّمَان حوله، يحاولان إستخراج دُرَرِه التى تناسب برنامجهم. وكان يبدُو عليهما خوفاً ظاهِرَاً خِشْيَة أنْ يقذِفَهم عالِم عباس بحِمَمِه التى أرعبت مصطفى عثمان إسماعيل يوم ألقَى عالِم عباس فى حضُورِه قصيدته العصماء الرهِيبة بعنوان (صَمْتُ البراكين قبل انفجارِ الحِمَمْ!) بقاعة الصداقة الخرطوم فى بداية العام 2015م فى إحتفائية بمناسبة جائزة بروفسير عبد الله الطيب، طيب الله ثراه.
أولاً، لا يليق أنْ يستضيفَ شاعر وكاتب كبير بقامةِ عالِم عباس محمد نور شباب غُرّ وُلِدُوا و شبُّوُا عن الطوق ثمَّ امتهنُوا الإعلام وغيره من المِهن فى ظلِّ عهد "الإنقاذ" 89- 2016م. لأنَّ هذه الأجيال قد حُجِبت عن نهلِ النقى والبديعِ من العُلومِ والمعارف، وفرِضَ عليهم تعَلُم ما يعتَقِدُه أهل "مشروع" الإنقاذ علوم المَسيرة القاصِدة إلى الله. وشعر عالم عباس فى نظرِ اهلِ الإنقاذ مُخالِف لمشروعِهم ومسيرتِهم القاصِدة. وعالِم لا يحفل بذلك المشروع، ولا بقواعد إشتباك المركز القائمة على مصادرةِ الحُرِّيات وهُوِّية زائِفة. فلا يُستسَاغ أنْ يحِلَّ عالِم عباس ضيفاً على قناةِ الشروق وهى لا تعلم أعظم قريضٍ نظَمَهُ (ضيفِهم).
وطوال فترة إستضافته فى "صباح الشروق" كنت أتمْتِمُ بأبياتٍ من رائعتهِ "أبرِقْ ببسمتِكِ التى" التى يحفظها أبناءُ جيلنا عن ظهرِ قلب. وأهدى منها شباب قناة الشروق قِطَافٍ علَّها تعينهم لو إستضافوا عالم عباس مَرَّة أخرى. وفيها يقول عالم عباس:
(ظننتُ الذي راح عنِّي ذَوَى،
في المساءاتِ غاب.
مسحتُ جراحي براحي
وأشعلتُ للريح ما مزقته التباريح.
قوّضْتُ من لهفتي ألف باب،
شتّان من نارِ التعلَّاتِ والبعد بردُ المآب..
من اين ؟ من اين؟
سبَّحتُ باسمك فى الركعة الألف
بعد هجوع المصلين والعاشقين الذين
يشقّون لليلِ قبْوَاً
يلاقون أحبابهم في سكون
رأيتك تنشقُّ من مُهجتِي وَرْدَةً كالدهَّان
ادافع عن وجنتيك خيوط الضياء الحبيس بقلبي
أداري عيون النهار
لتنمو بحريةٍ عن فضول المرآئي
وعن همسات الوُشاةِ وعن عنفِ نبضِي
يدفّع نسغ المودّة في عرقِك المشتهي
لأحميك بين ضلوعي المدرّع بالصمت والوجد
يا سدرة المنتهى.
************
ماذا تبقى لنا ولهذا الزمن؟
ليل عبُوسْ
وهوَتْ على الرأسِ الفؤوس
ومضى الحبيبُ مضى الحبيبْ
والآن رُوِّعَتْ النفوس
فاكتب لنفسِك أن هُزمتَ وودِّع الأشواق
واللهف الحبيس
وانهض لعلك "باخع" روحاً
ودمعك لا يكاد يبين من حُرُقٍ أساه
هذا العذاب وقد أتى
فاكتب لنفسك حظّها وأبكِ
فما دمع بمستبقيك في حُضنِ الحبيب
نهر من الدمعِ الصبِيب
يجتاح أحرفك البريئة يا صديق الناى
والحُزنِ المعتّق في الخوابي والدِنان
لا تبتئسْ.
***************
إنّا إذا ما الليل جنَّ
وعرَّبدَ الألمُ المزمْجِرُ في تلافيفِ الثياب
وخبا بريق رأشه للنجمِ أحزانِ الغياب
فاكتب لتشهد كبوة العُشاق
في الدربِ النهائيّ المصير
واسأل،
لعلك أن تسائلْ تلفَنِى أبداً يلُوب بي الأياب
يا حُزن مليون ارتعاش في حنايا أضلعٍ ذابت هباءْ
ليكن نهارك مُصَلّتاً كالسيف في عنقِ الرياءِ
ليكن كليلك خاشعا متبتِّلاً
وَشْماً على شَفَةِ الدُعاء.
لا القلب إنْ يسمعْ دعاءَك يستجيبْ
لا الموت مستبق عليك ويستبد بك القنوط
فأين لحْدَ القبر من حُضنِ الحبيب؟
سيان لَحْدَ القبر أو حُضن الحبيب
كلاهما موت "وجِسرٌ" للفناءِ وللمغيب.
*************
الله لك،
يا أيها المُلقَى بقارِعةِ الدُروب
يا أيها القلبُ اليذوب جوىً.
وليلك نام في نعشِ العشى
مذ جاء هذا الهاجس الليلي أرّقني
فديتك أنت يا قدرى العتى
ما بارح الشوق المبرح مهجتى
ما زالت النيران تلفح ممعنات في الحريق!!
فاسكُنْ - فديتك - في دمي،
عَرْبِدْ كما شاء الهوى لك كله قلبي فداك
فاعبث به وأسْفِك دِماه، أو ألقِه للجمر
يكفي ما أرتآه الأمس من تنوّرِ وَجْدِك
حيث لا حََّر الجحيم كحرِّهِ
كلا،
ولا ما ذاقه (سيزيف) من عَبثِ العذاب.
هو لا، ولا كعذاب (تنتالوس) في الألمِ الرهيبِ
نهر من الدَمعِ الصبِيب
والقلب يخفق لا مُجِيب
أوجِس - فديتك - خيفةً
أمّا ترانِى أعبُرُ الفَلواتِ مُصطليا بنارِ هَواكِ
مُمتطِياً جواد الصبر زقُومَاً عَلكتُ؟
لعلنى ألقاك تنسِيني تباريح الطريق
ياكم عبرتُ لك السباريت المهُولةَ
غير ذكرك واليقين بأنْ أراك سواهما ما اخترتُ زاد،
لكأن طيفك حين بئر اليأس تغريني
وتدنيني وتنسج لي أحابيل الهزيمة والبُعاد
يمتدّ يمسكُ من يديّ يَجُرَّنِي شوقاً إليه
لكأن روحك هوَّمتْ فوقي كمعجزة المسيح
تُجْلىِ العَمَى عن باصريَّ تقيم أقدامي الكسيحة
تنفخ الروح القوِيَّة في دمي
فيطيرُ بي جسدي المَوَات.
*****************
أبرق ببسمتك التى..
وهى التى لو رآءها موسى لقال لأهلِهِ،
آنستُ ناراً فامكثوا.
وهي التى..
لو أشرقت ما اختار أهلُ الأرض شمساً غيرها.
وهي التي من أجلِها قد أطفئتْ نارُ المجُوس..
*************
أبرق ببسمتك التي،
فالموتُ خَيَّم في النفوس،
هيا أحْيِها وأبرِق ببسمتك التي،
نحيا عليها في زمانِ القحط ِوالدمِ والهزائم !.
وهي التي، إما نجوعُ نمِدّ أيدينا لها،
فنحِسّها كالمَنِّ والسَلْوَى ومائدة السماءِ،
يزُفّها عبقُ النسائمْ.
وهي التي إمّا تحِيقُ بنا مرارات ُ الهزيمة
ونرتاحُ في أفيائِها
ونعودُ من عرصِاتِها أقوى عزيمة.
إنا تعلّمنا ببسمتِك التعَالِي عن مهاوِي الضعفِ فينا فابتسم
إنا تعلّمنا ببسمتِكِ السُمُوَ.
******* ***********
دعني أنيخ لك القصائد في محطاتِ الزمان
فاطلق أساري مُرْ كما تهوى لديْ
إذ ابتسمت قُوىً تكادُ الجِنُّ ترهَبها
وإذ ولّى زمان المعجزات.
إني إذا ما الليلُ خَان
وأضاع طيفك في خِضَمِّ عُبابِه
وهتفت باسمكِ ما استجبت أصيح
ينبلج الصباحُ
خذني إليك
إني اصلي مرّةً اخرى لتأخذني لديك..
حتى إذا صادفْتُ برقاً عند بسمتِكِ التى ضَنَّ الزمانُ بها عَلىّ
سأذوبُ مُحترِقاً سعيداً في توهُجِها المُقدَّس كالكواكبِ في السديمِ
لتظل نار البعث تخلق من رمادي
عاشقاً صهرته كالعُشّاق بالأشوَاقِ حتى ضاء في الليل البهيم.)
وفى رائعةٍ أخرى، بعنوان (لكنَّمَا ليْلَاى أبعد) يقول عالم عباس:
(لكنما ليلاى أبعد
والوطن ينأى مع الأيام
لكن الوطن ينمو فيا ليلاى مع الأيام أيِّكُمَا الوطن ؟
اليوم أسكرُ غُربَة وأنا أحِسّ الشمس ترضع شوقها الظماّن من ثدىِ الغُروب
لو أننى حمَّلتُها بعضاً من الأشواق لإحْتَرقت ضُحىً
ولربما جئت
اذا لمحتُ حبيبى يغسلُ الأحزانَ عن جفنِ الدُروب
هذه الدار التى تنشطر الرؤيا بها غمضة عين
تجعل الموت على دربِ حبيبى
فرْضَ عين.
****** ********
انَّ لى ما يشبه الشوق المُجنَّح انَّ بى
ما يجعل الشوق المجنَّحُ غابةً من أجنِحة.
هذا زمانٌ تركض الأموات فيه
وتزدهى للموت غابة
هذا زمانٌ يهرعُ العشاقُ فيه
الى جحيمِ البُعدِ أو حُضنِ الكآبة
هناك يحترقون بالأشواق، حيث رمادَهُم ..
يتكحّلون به دوَاءً للصَبَابة.
***** ******
بُعادُك فى قلبى رِماحٌ تنوشنى
ولُقياك عندى مُنيةٌ،
ليلة القدَرِ.
وقد نلتقى رُغمَاً عن اليأسِ فى النوى
وقد ينقضى عُمرى ولا ينقضى صبرى
سأركبُ فى منفاى كل تنُوفةٍ إليك
وقد اّتيك من حيثُ لا ندرى
وأما إذا ما الحادثات بلونَنِى
بعيد رحيل الشمس عن بصر النهر
تبرّقَع نُوراً حين أسفر وَهْجَهُ
فأغْرِقَ حُزنُ الليل فى بَسْمَةِ الفجْرِ.)
فيا (قناة الشروق)، كيف يستضيف عالم عباس من لا يعرفُ هذه الدُرَر التى نظَمَها ؟
وفى راِئعةٍ أخرَى إسمها: "سُوْمِيت بنات دِرْجَيل" يقول عَالِم عبَّاس:
(من هواكِ جئت ُ سيداً عبقرِيَّا
ونبياً وخاتم العُشّاق
خُتِمَت كُلُّها الصبابات بإسمى
فأنا الومْضُ فى بريقِ المآقِى
كلّ دمع ٍ هُريق َ من بعضِ دمِى
كلّ كأس ٍ قد أدْهِقَت من كف َّ ساقٍ
هى خمرى.
***** *****
من كرم دمعى وجمرى
شعلة ُالشوق فى حريقِ التلاقِى
أمَّةٌ فى الهوى انا وَحْدِى
مبدِعُ الوَجْد والغرام الباقى
منذ ان ابدعت ُمن عشقى الزمانا
هكذا كنتُ وكانا.
منذ ان كان الهوى ليس سوى وَهْمٍ
فشئناه حقيقة
صِرتِ لونا للدمِ احمر فى عِرقِى
وصِرْتُ النبضَ فى عُمْقِى
ضبطْتِ)الرِزْمَ( فى قيثارِ عُمرِى
صرتُ قيثارة وَجْدِى
صرتُ طنبور أساى.
***** *****
أيها البرّقُ العذابْ
أيها الوَدْقُ الذى يخرجُ من صُلبِ السِحَاب
أيها النازِفُ مِنِّى
بك قد عُدتُ هُلامِياً وخلقاً من جديد
ثم أنى قد تحوَّلتُ
تشكَّلتُ
تكاثرتُ مدى مليون ميلاً..
صارت الغابات شَعْرِى
فاحِمَاً فى الليلِ محشُوَّاً بأسرارِ القبائل
كان ليلياّ وجونياً وقار
فإذا جاء النهار
ظل مُربداً كلون النيل
شيخاً كبريائى الوقار
سارَ خمْرِيَّاً كمنقُوعِ النبيذ
وإذا شعرى غابات من (التُنضُبِ) و (الكِتِر)
و)حِمّيض) الجبال
صرت ُ مُغبراً كما السهل الذى ما بين
سنار وكوستى..
فإذا امتد الاصيلُ
صِرّتُ مُحمَرّا كسيقان من(الطلح (اليبس
ضئت كالأبرِيز من (نال) نيالا
أو كقمح البيدر-المهجور- فى تلْ (بِليل).
عسجدِياً مثلما امتصَّ عصير الشمس قشِّ من (بياض)،
عوسجيا مثل وِديان الحَرَاز.
**** ****
فإذا جاءَ المغِيبُ
ذبْتُ كالشمس على صدرِ النُهودِ
وصَبغتُ الرَمْلَ وَرْسَاً كُرْدفانيا معصفر
وضممت ُ التلَّ أكثر
وتمطيت ُ- كتمساح- على رملِ الجزائر
وتغطيتُ بأدغالِ الجنوبِ
وتوَسَّدتُ ذُرَى نخل الشمال
ثمَّ أرخيتٌ على (دارفور) أهدابٍى ونِمْت
**** ****
كانت الصحراء ملقاة على كتفِى شَالَاً
مُحْكَمُ الوَشْىِ مُنَمْنم من نسيج (العُشَرْ) الغُبر وأشجار (الهشَاب)
ثم نهر النيل فى صدرى وُشَاح
وعلى الشرقِ،
كما فى الغربِ يمتد جنَاح
أيها الليلُ الصبَاح
أأنا أحْلَمُ ؟
أم انَّ الرِياحَ أسكنت من عصْفِها المجنُونِ
فأرتد السكونُ هاجعاً وَسْنَان؟..
أم انَّ الحَفِيفَ كجناحٍ رَفَّ مسحُوراً فأغفيْتُ
وأغفت (سندريلا) فى مهادٍ عاطر الضؤ شفيف
أم دُعاشاتِ الخريفِ أسْكَرَتْ رُوحِى فهِمْتُ
وتغشّت خَمْرَة التذكار اعصابى فنِمْتُ؟..
**** ****
ياعَذَارَى موطِنى النائِى تعالين إليّا
بالزغاريدِ وإيقاع الدلالِيك وبالرَقصِ المُغَامِر
بدُخَّانِ الصَنْدَلِ المَحْرُوقِ فى نارِ المجَامِر.)
ومن غير عالم عباس محمد نور يستطيعُ نظم هذا البديع؟
وفى قصيدةٍ أخرى، لم أرَ مثلها فى النهْجِ والنسَق، بعنوان ( أحدَ عشرَ كوكباً للعِشقِ والرَقْصِ) يقول عالم عباس "فى بعضِها":
(3) ) الرفض :
سيدى الرفضُ
هى ثورةٌ فرضُ
وتمردٌ مَحضُ
فبعضه كُلٌ
وكلهُ بعضُ
يضع السماء أرضاً
فسماؤه الأرضُ
بناؤه هدمٌ
نسيجه نقضُ
من شَكِّهِ لُغةٌ
تبْنِى وتفترِضُ.
**** ****
(9) البعث:
بين بعثى ومِيتتِى
فى الهوى قيد أنْمُلة
أيها القادمُ الذى فوقَ يُمْنَاكَ سُنْبُلَة
كيف غامَتْ بك الرُؤَى
فاستَحَالت قُنبُلة؟.
***** *****
(11) الحرية:
أيَّتُها الحُرِّية
لو كُنتِ الوَعْل الشارِد فى البَرَيِّة
ركضاً نحو الأفقِ اللا محدود
أو كنت الوَهْج الصاعِد نحو المُطلَق
يتسامى نحو الشُهب النَارِيَّة
أو كنتِ الشمعة خلف عُيون الليلِ السُوُد
تتلوى عبر ظلامِ البشرية
يا حُرِّيَة
ها نَحنُ جعلنَاكِ الجِسرَ القَادِم.)
وفى أخرى بعنوانِ (سلام لوجهكِ في الخالدين) يقول عالم عباس:
(سلام لوجهكِ في الخالدين
رأيتُ وجهك في العُبابِ يغيمُ
هذا وَجْهُك المنسِي يشرَبهُ الغَمَام
وجهٌ يشكِّلُهُ الدُخَّان فينثني
وجهاً من البدْرِ التمامْ
حتى إذا نشرَ الضبابُ شِبَاكه
وبدت طيورُ الضوء تدخل في الظلام
ناديتُ باسمك
كانت الكلماتُ تأخذ شكل وجهك عبر صوتى
ثم تعبرنى لتغرق في الزحام.
**** ****
هواكِ لى وَسْمُ الجَدَارة
والصمتُ أبلغ حين لا نقْوَى على نُطقِ العِبَارَة
وحين يشيخُ في أعراقِنِا لَهب
خَبَتْ من نارِه رُوحِ الجَسَارَة.
**** ****
في الأمس حين صَمَتِّ كُنْتُ أنا أهواكِ
وكنت قد أكبرْتُ صمتُكْ
واليوم أنتِ همستِ لي
لكنّ صوتَكِ لم يكن أبداً كصوتكْ
يا طالما اختصر الحديث إليك تعبير استعاره
فإذا بهمسِكِ هكذا
كَهْفٌ، مَغَاره
وإذا بصمتكِ وَحْدَهُ لُغة، إشاره.
**** ****
هذا حرام
يا أنتِ يا أرَقِىِ المُقَّدس
يا كئوساً من مُدَام
من أَيِّما صوبِ يجاذبني السِقام
زيدي هوى
كيلا أنام
إني لأبحث في الزّحام
عن وجهك المنسيّ
أكتب في الغمامِ اسماً يكون البرق وَهَْجاً
ساطع الجبروت يخترِقُ الرُكَام
إني لأنحتُ في الرِخامِ
رسماً يكون لوجهك المنسي ظِلاًّ
لا كما بعض الأنَام!.
هذا هو الوجْهُ الصَّنَمْ
كم صوَّروه فألهُوه
فما جنوْا غير الندَمْ
لكنَّهم صمدُوا وكان شِعارُهم
من دونِ وجْهِك هذه الدنيا عَدمْ.)
وأعتقدُ أنَّ أروعَ ما كتب عالم عباس هى قصيدة بعنوان (يومَ أهلّت سيّدَة اللوْعَة)، ويقول فى بعض أجزاءِها:
(البارحة الأشواق تمطّت
حتى ضاقت عنها جُدرانِ القلب
رُوِّعتْ قليلاً
إذ كنت وَحِيداً أشْهَقُ فى فجواتِ الليلِ..
وخِفْتُ نَوَاكِ، سألتُ هَواكِ، دعوتُ الله سِراراً وجِهاراً
حتى أنَّ الصدرَ وضَاق..
**** ****
يا رَبّاه،
هذه حبٌ موتٌ، موتٌ حبٌ..
ونذرتُ أصلِّى حتى تبيَّن خيطُ الليلِ وخيطُ الفجرِ.
قدّمتُ النذرَ
فناءُ الذَاتِ
وذوبانُ الرُوح بذاتِ المحبوب
وكانَ اللهُ حفيَّاً بى
فدعائى كان من الأعماقِ.
وكان الصدق يرنّ على كلماتى مثل نواقيسِ القُدّاسِ على بِيِعِ الرُهبَانِ
ما بين مسامير السُهْدِ المفروشة فى جفنِى وبين الأرَقِ التامّ
كانَ كما لا يشبه كلَّ الأحلام.
***** *****
إنسَلّ شعاعٌ هبَّ رقيقاً مضطرباً وحيياً كان
وإنسابَ إلى منتصفِ الحُجرةِ
ثم توقّفَ هَوْنَاً ما..
كنت كما المحموم المتقلب هَوْنَاً ما
وكان الوَسَنُ رَقِيقاً يتكدَّسُ مثل كُراتِ الثلجِ الناعِمِ فى الأجفانِ..
لا أجزمُ بالإيقَاظِ ساعتها
أو إن شئتَ الدِقّة، كالوَسْنَان!
وإذا بالصوتِ الملكوتِى الرَقراق يرِنّ كموسيقى الجَنَّة..
نفس الصوت الهَزَّ الوَتَر العاشِرِ بعد الألفِ بأعْمَاقِى
نفس الصوت الرَيَّان..
صوتُ بلورىٌ يسرى فى الشريانِ ليرقرِقهُ
فتشِعُ الفرحة كالأنهار، على صدرِ الخلجان..
**** ****
وكانَ وكان وكان..
يا للهَوْلِ يا للرّوْعَة!
أفقتُ، صحوتُ، سموتُ..
أهذِى أنت؟ أهذِى أنت؟
أهذا طيفُكِ- يا للّوعة
وهذا صوتك، يا لله!
كان كما يشبَهُ وآدٍ من أحلَام!!.)
قناة الشروق لا تعلم ما أبْدَعَ الشاعر الأستاذ المُبْدِع "الصُوفِى" عالِم عباس من عُيونِ القريضِ الفصِيح، المُمعِن فى لُغةِ القرآنِ وآيِه. وإعتقدوا أنَّ عالم عباس لم ينظمْ شعراً سوى القصيدة "النبوءة" التى سوف تصدُق بإذنِ الله. صمتُ البرَاكِين، القصيدة التى زلزلت أركان "قاعة الصداقة" تصفيقاً وانبهاراً وإحتفاء يوم ألقاها هناك عالِم عباس، (صمْتُ البراكِين قبل انفجارِ الحِمَمْ)، ونصّها:
(هُدوءٌ،
ولكنَّه عاصفةْ.
هُدوءٌ،
وفي صمته الكاظِمِ من غيظِه قنبلةٌ ناسفةْ.
هُدوءٌ،
يُهندِس في السرِّ ذرّاتِ وثبته
ومجرّاتِ ثورته
واكتساحَ جحافِله الجارِفةْ.
هدوءٌ،
يدَمْدِمُ غَضْبتَهُ
ويُكوّرُ قَبْضَتَهُ ويدوْزِنُ أوتارَ حناجرِهِ الهاتِفةْ.
هدوءٌ،
يسطّر اشعار مسيرته العارفةْ
ويرتّبُ للنصر عبر صفوف كتائبه الزاحفة.
هدوءٌ،
يكدّس الرعدَ والبَرْقَ ضمّادةً،
فوق شرايينه الرَّاعِفَة.
هدوءٌ،
ليملأ عينيه من خناجِر جلَّادِه النازِفةْ.
هدوءٌ،
يُحَفّزُ خَيْلَ الوُثُوبِ،
مِهْمَازِ هَبّتِه الهادِفةْ.
هدوءٌ صَمُوتٌ ليكبُت ثرثرةَ المُرْجفينَ
ويَفْضَحُ عُرْيَ المُرائِين
علَى وَهْجِ نيرانِها الكاشِفةْ.
هدوءٌ،
يُخاتِلُ عُذْرَ التأنِّي
وغَدْرَ جَلاوِذَةِ الأمْنِ
إفْكَ الدجَاجِلة المُلتَحِين
ذوي السِحْنَةِ الزائِفةْ.
هدوءٌ،
وتحسبه هدْأة الموت
لكنّها الآزِفةْ
ستتْبعُها الرَّادِفة.
فلا هَجَعَتْ تلكمُ الأنفس الخائراتُ
ولا وَهَنَت جذوَةُ الرفض فينا
ولا نامت الأعينُ الخائفةْ.
**** ****
يا سُهادَ الدفاتِرِ في ليلةِ الصَّمْتِ
والشُعراءُ الخليّونَ نامُوا.
يا صراخَ القوافِي الحبيسةِ ما بين اقلامِهم
واصْطِخابِ محابِرِهِمْ، حيث قاموا.
يا ارْتِعاشَ التَّمَرُّدِ في الدمِّ يغلي
فلا يستقرُّ إلى أن يقرَّ السلامُ.
إلى أنْ يُقامَ القِصاص على ساحةِ العَدْلِ بالْقِسْطِ
لا يَتَفَلَّتُ جانٍ
ولا يعْتَرِي المُنْصِفين انْهِزامُ.
**** ****
هدوءٌ،
يُبَدّدُ وَحْشَتَهُ
ويُحَدّدُ وجْهتَهُ
ويُزَلْزِلُ عرْشَ البُغَاةِ
يَدُكُّ صَياصِيَهُمْ
حيثُ حَلّوا وحيثُ أقامُوا.
**** ****
هدوءٌ،
تبرْكَنَ يغلي
يُؤَكِّدُ أنَّ الطواغيتَ وَهْمٌ
وأنَّ دمَ الأبْرِياءِ حرامُ.)
وأمّا بعد: فلا يُستساغ أنْ نلومَ قناة الشروق وَحْدَها، فاللوم يمتد ليشمل كلّ من أهالَ التُراب على نَظْمِ عالِم عبَّاس رُغم أنَّ الذهَبَ لا يصْدَأ، ولكنَّ التُرابَ يطمُرَه وفيغيب عن أعينِ الناس. ثمَّ، اللوم على الأستاذ عالم نفسه الذى لم يسعَ لإعادة طبعِ ديوانه الكنز "مِنَّا المعانى ومِنْكَ النَشِيد". وأعلمُ أنّه لنْ يفعلَ من تلقاءِه !. وثمّ اللوم على اتحادِ الكُتَّابِ السودانيين الذى شَرُفَ برئاسته الأستاذ عالم عباس فى دورةٍ ماضية قريبة، فالإتحاد مسئول عن طباعةِ هذه الأعمال النافِعة وتوزيعها على أوسعِ نِطاق، حتى لا يطفحَ على السطحِ الغَثَّ من الشعرِ والنثر، ويغُور الثمين. إذا فعلنا ذلك ننقِذ ذوْقَنا العام من الصدأ الذى أصابه، ونحَصِّنَهُ ونحْمِيه.
وقصائد عالم عباس محمد نور التى ترقد بين دَفّتى ديوانه "مِنَّا المعَانِى ومِنْكَ النَشيِدْ" تصلُح للَّحنِ والغناء. وإذا حدث ذلك نكونُ قد أنقذنا ذائِقتنا الفنِّية السَمعِيَّة من سُخامِ الغناء وقَاعِه، ونرتفعُ بها إلى حيث كانَ، وأعلى منه.
وأخيراً، نرى إنَّ فى إعادةِ نشرِ شِعر عالم عباس وأندادِه المُبدِعِين تحفيزٌ للشعراءِ الشباب للمشِى على آثارِهم، والسَعِى- المُبَاح- للتفوّقِ عليهم. وبذلك نكون قد رآكمْنَا تجارُبنا المُبدِعة، وصعدَنا بها إلى قِممٍ عالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.